لقد تفاجأت حقا عندما كتبت في صفحتي على إحدى وسائل التواصل الاجتماعي داعيا العراقيين إلى وحدة الصف ونبذ التقسيم، وألا يستجيبوا لمخططات تجعله أمرا واقعا لا بد منه، المفاجأة كانت من خلال سيل الإجابات والتعليقات التي وردت بشكل مباشر وسريع، فأكثر من 90% من المتفاعلين رأوا أن دعوتي لنبذ التقسيم ضرب من خيال، وأن هذا الموضوع بات أمرا طبيعيا وضروريا للحفاظ على كيان المحافظات العربية (شمال بغداد) وهي التي توصف غالبا “بالسنيّة”، وأن الفيدرالية هي السلاح الوحيد لكف أيدي أجهزة الحكومة الطائفية والمليشيات الإيرانية وعقدة “يزيد والحسين” عنهم، ومن ثم حفظ أرواحهم وأعراضهم وممتلكاتهم، وكذلك تطوير محافظاتهم من خلال الحصص المالية التي سيحصلون عليها من الخزينة المركزية والواردات الأخرى، كما هو شأن إقليم كردستان العراق، بالإضافة إلى منح كل طائفة حرية سنّ قوانينها النافذة لديها والتمتع بمواردها وعدم تشتّتها.
وفي واقع الحال، فإن حديث الأقاليم لم يعد مرتبطا بالمصلحة الذاتية للشخصيات التي تطالب بها والمصلحة المادية التي ستعود عليهم وعلى الإقليم المزمع إنشاؤه، كصالح المطلك وأسامة وأثيل النجيفي أو قيادات الحزب الإسلامي العراقي وغيرهم، بل هي سوّقت كأمر واقع ممنهج من خلال وضع سكان المحافظات المنكوبة في زوايا تفضي إلى الذهاب إلى هذا الخيار كأمر واقع لا ثاني له.
ولعل مآسي ما حدث للنازحين على طرفي جسري بزيبز والرزازة وغيرهما لا يمكن أن تمحى من ذاكرة هؤلاء الناس، كما أن من سيسمح لهم بالعودة إلى مناطقهم ومشاهدة حجم الدمار الذي أصاب ديارهم سوف يدفع إلى مزيد من التخندق تجاه المكون الثاني الذي تسبب في كل هذه النتائج الكارثية على مدن بكاملها بحسب المعطيات على الأرض التي تم التعامل بها معهم من خلالها.السؤال الذي يجب أن يطرح الآن مع عودة حديث العراقيين عن موضوع الأقاليم؛ هل عاد مشروع بايدن (الخطة باء)، الذي قدمه للكونجرس عام 2006، ليقفز إلى الواجهة كخيار أميركي يضمن السيطرة على العراق بشكل أدق من خلال كسب ولاءات قيادات أقاليمه (الكردية والشيعية والسنيّة)؟ وما موقف الشارع العراقي غير المبرمج سياسيا أو طائفيا من هذا الأمر؟ربما يكون الجواب -وبحسب تحركات واشنطن الخفية والمعلنة- أن خيار “الخطة باء” قريب التحقق، ولكنه ليس بالصيغة التي قدمها بايدن أول الأمر؛ وذلك لحجم المتغيرات التي حصلت على الأرض، خاصة بعد عمليات التهجير التي حصلت في المناطق السنّية وسيطرة القوات الكردية على مناطق عديدة في محافظات ديالى وكركوك ونينوى، وكذلك سيطرة مليشيات “الحشد الشعبي” في كربلاء على منطقة النخيب العائدة لمحافظة الأنبار ومراكز محافظات ومدن كتكريت وبيجي والعلم وسامراء وغيرها.ثم التغييرات الكبيرة التي حاولت قوى مؤتمرة بإمرة إيران تثبيتها على الأرض قبل الشروع بخيار التقسيم، وأهمها قوة الاحتقان الطائفي ليكون سببا دائما لعدم استقرار هذه الأقاليم وتعاونها، بينما ترى واشنطن أن تكون الخريطة الأخيرة للأقاليم تضمن امتلاك كل إقليم موارد تمنحه قوة الحضور وآليات التعاون المشترك مع بقية الأقاليم، وهذه الموارد تم حصرها بالنفط والغاز والمياه.