أيهما أفضل وأسوأ للعلاقات الإيرانية- الأميركية، إذا ما أسفرت الانتخابات الرئاسية المقبلة عن عودة دونالد ترمب للبيت الأبيض أو كان الفوز حليف الرئيس الحالي جو بايدن؟ وكيف يمكن أن يكون سلوك إيران في الحالتين مع وجود رئيس إصلاحي جاءت به الانتخابات الرئاسية في يوليو (تموز) الجاري هو مسعود بزشكيان؟.
حين نعرض لشكل العلاقات الإيرانية حال وصول ترمب أو بايدن، يجب أولاً التأكيد أن موضع طهران في السياق الإقليمي الحالي اختلف عما كان عليه خلال ولاية ترمب، وكذلك خلال عهد بايدن.
فمن جهة كان البرنامج النووي الإيراني قائماً مع حد أقصى لتخصيب اليورانيوم بنسبة 3.67 في المئة بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة، والآن قامت طهران بتخصيب اليورانيوم إلى 60 في المئة باستخدام أجهزة الطرد المركزي المتقدمة IR-6 ويمكن أن تحصل على أسلحة نووية في غضون أسابيع قليلة، مع تفاخر كثير من المسؤولين الإيرانيين بأن لدى بلادهم كل الإمكانات لتصنيع قنبلة نووية، لكن لم يتخذ القرار.
أما إقليمياً، فعززت إيران وضع الميليشيات المرتبطة بها في سوريا والعراق على خلفية حرب غزة، فضلاً عن إثارة التوترات في البحر الأحمر كبؤرة تصعيد جديدة ضد إسرائيل والملاحة الدولية، وربما دول المنطقة حال حدوث أي توترات مستقبلاً.
ومن ثم إذا وصل ترمب إلى الإدارة الأميركية، فإن التداعيات المحتملة لفوزه على إيران لن تكون مختلفة عن ولايته السابقة، مما يعني عودة العقوبات مرة أخرى والعودة لسياسة تصفير النفط لمنع طهران من الاستفادة من عوائد إنتاجه وتصديره، وهو النقيض للوضع الذي تمتعت به إيران خلال إدارة بايدن التي أنهت سياسة تصفير التصدير ليتضاعف إنتاج وتصدير النفط الإيراني عما كان عليه حتى قبل انسحاب ترمب من الاتفاق النووي وإعادة فرض العقوبات.
أما على مستوى البرنامج النووي، ففي حين توسع البرنامج النووي الإيراني بسرعة، مع محدودية الوصول إليه ومنع كثير من مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، واستمرار إدانة دول الترويكا الأوروبية لتوسيع تخصيب اليورانيوم من دون ردع حقيقي من قبلهم أو من قبل واشنطن التي فشلت حتى في إحياء الاتفاق النووي من خلال محادثات فيينا المتوقفة منذ أكثر من عام، فمن المحتمل أن تسارع إيران حالياً في تخصيب اليورانيوم بمعدلات أكبر مع استمرار سياسة التعتيم النووي وعدم وصول الوكالة الدولية إليها، تحسباً لعودة ترمب مرة أخرى، لذا ستسعى طهران إلى اكتساب ورقة ضغط رابحة تغير من موازين القوى حال جاء ترمب الذي من المحتمل أن يترك حرية التصرف المنفرد لإسرائيل في شأن الأهداف النووية الإيرانية، أما إذا فاز بايدن فستستمر سياسة الاحتواء التي تتبعها إدارته تجاه طهران ويبدأ الموسم الثاني من جولات محادثات فيينا.
أما عن التساؤل حول أفضل وأسوأ السيناريوهات لعلاقات إيران مع الولايات المتحدة وكيف ستكون إذا وصل ترمب أو بايدن إلى الحكم، فتنبغي الإشارة إلى أنه ربما مع وجود رئيس إصلاحي في إيران ومجيء بايدن في الولايات المتحدة ستكون هناك فرصة لفتح مسارات دبلوماسية واتفاقات، وسيعمل البلدان على تجنب التوترات واستمرار منهج الصفقات الموقتة بينهما.
أما في حال وصول ترمب، فسيكون المبدأ العام هو التصعيد ضد إيران وتطبيق سياسات الضغط الأقصى، لكن مع تجنب التصعيد والمواجهات العسكرية، وستتحاشى طهران كذلك استفزاز ترمب تجنباً لأي ردود فعل منه، فقد عملت على إخبار إدارته مسبقاً بنيتها توجيه ضربة عسكرية لإحدى القواعد الأميركية بالعراق في إطار ردها على مقتل قاسم سليماني.
ومن المؤكد أنه في إطار عدم اهتمام ترمب بالحرب الأوكرانية وإعلان نيته تقديم تنازلات لروسيا لإنهاء الحرب، فلن تكون علاقات طهران وموسكو المبنية على التعاون العسكري مثار قلق لترمب كما هي الحال بالنسبة إلى بايدن الذي فرض كثيراً من العقوبات لردع إيران عن تقديم الدعم العسكري والمسيّرات إلى روسيا لتستخدمها في أوكرانيا.
ومن المرجح أنه في حال استمرت التوترات بالبحر الأحمر بفعل سلوك الحوثيين ضد السفن المارة، أن تكون حرية وسلامة الملاحة البحرية مساحة التوتر بين طهران وواشنطن والتي ستقوم من خلالها إدارة ترمب بالتصدي للسلوك الحوثي بضربات قاسية موجعة ضد قدراته العسكرية وليس فقط ضد منصات إطلاق الصواريخ والمسيّرات كما تفعل إدارة بايدن.
وهنا يجب الانتباه إلى أنه على رغم تبني إيران نهج دبلوماسية الجوار ومحاولة تعزيز علاقاتها بدول الجوار، لكن السؤال الأهم هو هل يمكن في إطار ممارسة إدارة ترمب أي ضغوط على إيران أن تقوم طهران بإثارة التوترات في المنطقة، فوفقاً للنهج الإيراني أنه كلما زاد الضغط الدولي عليها أثارت بؤر توتر في المنطقة؟ وهل في هذه الحالة ستكون مستعدة لإعادة التوتر إلى علاقاتها مع جيرانها؟ ويثار تساؤل آخر هل يمكن أن يعود ترمب لطرح مشروع بناء تحالف إقليمي ضد إيران؟.
كلها أسئلة يطرحها سيناريو عودة ترمب للبيت الأبيض، وفي ظل تلك التساؤلات الأمر المؤكد أن بايدن وترمب يعلنان انتهاج موقف وسياسة متشددة تجاه طهران، لكن من دون توضيح خطة لمستقبل التعامل معها وملفاتها المتشابكة إقليمياً.