باريس – باتت فرنسا تجد مشاكل معقدة في مناطق نفوذها التقليدية في بلدان جنوب الصحراء، وامتد الأمر من مالي وبوركينا فاسو إلى النيجر.
ويقول مراقبون إن فرنسا جلبت إلى نفسها مشاكل كثيرة بعد قرارها بالانسحاب من الحرب ضد الإرهاب وإلقاء المهمة على جيوش دول المنطقة، ما جعل كثيرين يتساءلون عن مبرر بقائها، وأن الأمر لم يعد فقط على مستوى الخلاف السياسي الرسمي بل تحول إلى حالة من الغضب الشعبي ضد استدارة باريس عن شركائها التاريخيين.
وقال الجيش الفرنسي إن محتجين في النيجر اعترضوا طريق قافلة عسكرية فرنسية السبت بعد فترة وجيزة من عبورها الحدود من بوركينا فاسو حيث ظلت عالقة لمدة أسبوع بسبب احتجاجات ضد فرنسا هناك.
وذكر الكولونيل باسكال لاني المتحدث باسم الجيش الفرنسي أن جنودا فرنسيين وقوات من شرطة النيجر العسكرية أطلقوا طلقات تحذيرية لمنع المحتجين من الاقتراب من سياراتهم قبل أن تتمكن القافلة من مواصلة طريقها باتجاه العاصمة نيامي.
وتصاعد الغضب بسبب الوجود العسكري الفرنسي في مستعمراتها السابقة في النيجر وبوركينا فاسو وبلدان أخرى في منطقة الساحل بغرب أفريقيا حيث توجد الآلاف من القوات الفرنسية لقتال جماعات محلية متحالفة مع تنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية.
وفي الأسبوع الماضي اعترض المئات من الأشخاص في مدينة كابا في بوركينا فاسو طريق مركبات مدرعة وشاحنات نقل فرنسية احتجاجا على إخفاق القوات الفرنسية في وقف العنف المتصاعد للمتشددين الإسلاميين.
الحوادث ترسل إشارات إلى باريس بأن المزاج الرسمي والشعبي لم يعد في صالحها، خاصة أن الدول تبحث عن حلفاء جدد
وتمكنت القافلة التي كانت متجهة من ساحل العاج إلى شمال مالي من مغادرة بوركينا فاسو في نهاية الأمر يوم الجمعة.
وأكدت هيئة الأركان الفرنسية أن هذا “الرتل المكون من ستين شاحنة ومئة عسكري فرنسي غادر أبيدجان متوجها إلى نيامي ثم غاو”، وهو ليس “رتلا لنقل أسلحة إلى جهاديين كما أشيع على شبكات التواصل الاجتماعي”.
ويعتقد المراقبون أن هذه الحوادث المتفرقة ترسل إشارات قوة إلى باريس مفادها أن المزاج الرسمي والشعبي لم يعد في صالحها، خاصة أن بعض هذه الدول قد بدأ بالفعل في البحث عن حلفاء جدد مثل روسيا وتركيا، مشيرين إلى أن ما تسمعه أحيانا من هذا المسؤول أو ذك لا يعدو أن يكون مجاملة ورغبة في عدم الوصول إلى القطيعة التامة، لكن الأمور لا تسير في صالح فرنسا.
وأعرب رئيس النيجر محمد بازوم مساء الجمعة عن “امتنانه” لفرنسا، مشيدا بـ”تضحياتها” في دول الساحل، في وقت تتزايد الانتقادات للوجود العسكري الفرنسي في هذه المنطقة.
وأكد بازوم في مقابلة مع إذاعة وتلفزيون النيجر أن “من بين جميع الدول الملتزمة إلى جانبنا في مكافحة الإرهاب، فرنسا اليوم هي الدولة التي تقدم أكبر التضحيات”.
وقال إن الذين ينتقدون نظامه وفرنسا “ليس لديهم أدنى فكرة عن عدد الإرهابيين الذين تم اعتقالهم في منطقة تورودي (بالقرب من بوركينا فاسو) قبل أن يُقدموا على فعل أي شيء” وهذا “بفضل التعاون مع أجهزة الاستخبارات الفرنسية”.
كما أشاد الرئيس بازوم بتدريب وتجهيز 12 كتيبة من القوات الخاصة في الجيش النيجيري من قبل الولايات المتحدة وبلجيكا وألمانيا وكندا وفرنسا. وقال إن هذه القوات الخاصة ستجعل من الممكن إقامة “توازن قوى في مواجهة عدونا”.
وتنتشر قوة برخان الفرنسية التي ارتفع عديدها عام 2020 إلى 5100 جندي مع تعزيزها بـ600 عنصر في خمس دول من منطقة الساحل، حيث تواجه جماعات جهادية إلى جانب قوة من مجموعة دول الساحل الخمس تضم جنودا من موريتانيا وتشاد ومالي وبوركينا فاسو والنيجر.
وفي يوليو الماضي أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نهاية عملية “برخان” العسكرية لمكافحة الإرهاب في منطقة الساحل الأفريقي وإدماجها في مهمة دولية أوسع، موضحا أنه سيضع اللمسات النهائية لذلك بحلول نهاية يونيو.
وحسب ماكرون فإن هذا التغير سيكون بنهاية عملية برخان “كعملية خارجية للسماح بعملية دعم وتعاون لجيوش دول المنطقة”.
وبالإضافة إلى هجمات بوكو حرام وتنظيم الدولة الإسلامية في غرب أفريقيا (إيسواب)، ترى النيجر نفسها مضطرة للدفاع عن نفسها في مواجهة هجمات جماعات جهادية مرتبطة بالقاعدة، ولذلك لجأت صحبة دول أخرى إلى البحث عن بدائل للتغطية على ارتباك الموقف الفرنسي.
وأعلنت النيجر منذ أسبوع أنها اشترت معدات عسكرية من تركيا، بما في ذلك طائرات مسيرة وطائرات ومدرعات.
وكانت مالي قبلها قد لجأت إلى تركيا وكذلك روسيا من خلال السماح بدخول مجموعة فاغنر إلى البلاد لمكافحة الجماعات الإرهابية كتعويض عن الانسحاب الفرنسي المرتقب، فيما يرى المراقبون أن استدعاء روسيا ولاحقا تركيا هو ردّ فعل على موقف باريس التي لم تدعم الانقلاب في باماكو وسعت للضغط عليه لإعادة السلطة إلى المدنيين.
وتكافح باريس للحفاظ على نفوذها في أفريقيا التي تمثل تاريخيًّا موقعا حيويا بالنسبة إلى مصالحها، لكنها تواجه في السنوات الأخيرة صعوبات كثيرة بسبب تعدد خصومها، وخاصة المجموعات الجهادية في غرب أفريقيا، والتي اكتسبت خبرات قتالية وقدرة على التحرك والمناورة.
العرب