تتوالى الأحداث وتتسع الوقائع حول مديات واسلوب الضربة الإسرائيلية القادمة على إيران، ردًا على الهجوم الإيراني الذي وقع في الأول من تشرين الأول 2024، وتبتعد وتقترب التحليلات والاستنتاجات السياسية الميدانية للوصول إلى أفاق استراتيجية تتجه نحو تحديد الأهداف الإسرائيلية وطبيعة الرد العسكري وما ستؤول إليه نتائج الضربة؟ وما ستحدثه من آثار على مستقبل منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي، وهل سيكون هناك ردًا ايرانيًا مماثلًا؟ أم سيكتفي الطرفان بما تحقق لهما من غايات وأهداف؟.
من قراءتنا للأحداث القائمة والتحركات الدبلوماسية والزيارات الميدانية والاتصالات الجانبية لجميع الأطراف الأمريكية والإسرائيلية والإيرانية، يتبين لنا أن الكل لا يتجه الي حرب شاملة إقليمية وإنما تقنين في الحسم وتعزيز لمفهوم الردع المقابل وابتعاد عن مواجهات مستمرة، حفاظًا على المصالح والمكاسب الحيوية التي تحظى باهتمام الدول الإقليمية والغربية.
تعتبر منطقة الشرق الاوسط من المناطق الحيوية والاستراتيجية في العلاقات الدولية وتحظى باهتمام واسع كونها تشكل عصب الاقتصاد العالمي والممر الرئيسي للتجارة العالمية، من هنا فإننا نرى أن القادم من الأحداث سيتمثل بضربة عسكرية حيوية إسرائيلية محدودة التأثير ولكنها ستكون مؤثرة وموجعة، تستهدف المرافق الحيوية لشبكات الطاقة الكهربائية محطات الوقود ومصافي تكرير النفط، وهي بذلك سوف لا تؤثر على سياق تصدير النفط عبر المضايق المائية في البحر العربي ومضيق هرمز وارتفاع اسعار النفط عالميًا والاحتفاظ بنسبة التصدير الفعلي في سوق الطاقة العالمي وهذا ما لا يتعارض والمصالح الأمريكية والغربية والإقليمية، بل أن الأضرار ستكون في الميدان الإيراني سياسيًا واقتصاديًا، ولكن ستبقى هناك أهداف إسرائيلية محددة في طبيعة العقيدة الأمنية لحكومة تل أبيب برفع مستوى الأداء الأمني في متابعة حركة ونشاط الشخصيات العسكرية والاستخبارية الإيرانية رفيعة المستوى وتعزيز أدوات ووسائل الهجوم السيبراني على جميع المرافق والمنشأت النووية وبرامج الصواريخ البالستية والطائرات المسيرة واعتماد الأسس الدقيقة في استهداف منصات الدفاع الجوي.
تبقى الرؤية الأمنية وطبيعة الرد المقابل الإيراني الذي جاء في بداية هذا الشهر، أنه كان ردًا على استهداف القيادات العسكرية العليا في الحرس الثوري الإيراني وأمين عام حزب الله اللبناني ( حسن نصر الله) والعديد من قياداته السياسية والعسكرية وللمقرات الدبلوماسية الإيرانية في سوريا، واستجابة للضغوط الداخلية من قبل اركان النظام، ولا زال الأمر غير واضح ومحيرًا لإيران حول اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس ( إسماعيل هنية) حيث لم تعترف الجهات الإسرائيلية باستهدافه أو انهم وراء محاولة مقتله، فالمراقب السياسي يرى أن الرد الإيراني كان واضحًا بسبب الأهداف الإيرانية التي تعرضت عليها إسرائيل وليس بسبب أضافي يتعلق باغتيال إسماعيل هنية في العاصمة ( طهران) وتحت أنظار الجهات الأمنية والاستخبارات الإيرانية.
ان التحرك الدبلوماسي الذي قام به وزير الخارجية الإيراني ( عباس عراقجي) في زيارته لعدد من الأقطار العربية ولقاءاته مع المسؤولين فيها، ناقشت الأبعاد الحقيقية لأي تطورات متغيرات سياسية في المنطقة وضرورة أبعاد شبح الحرب الإقليمية عنها والحفاظ على مصالح جميع الدول فيها، مع توضيح دقيق للموقف الإيراني الذي لا يسعى لحرب شاملة وإنما يلتزم بقواعد الاشتباك وعدم التصعيد.
أن تطور الأحداث وقرب الضربة العسكرية الإسرائيلية لإيران سوف لا تنعكس أثارها على منطقة الخليج العربي لوحده بل على ارجاء المنطقة الإقليمية وعلى المصالح الاقتصادية المتعلقة بأمن الطاقة النفطية، ولهذا فإن كل من إسرائيل وإيران يعملان على رسم سياسة توازن القوى وعدم تهديد المصالح الامريكية في المنطقة، مع سعي إيران بالتمسك والحفاظ على علاقتها مع دول الخليج العربي في مقاربة للبرنامج السياسي الذي خطه الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان ووافق عليه المرشد الأعلى علي خامنئي، إيران لا ترغب في فتح جبهات أخرى لها تزيد من حدة خلافاتها السياسية وإضعاف دورها الإقليمي، بل إنها تعمل على تنفيذ رؤيتها وعقيدتها الأمنية في إيجاد الحلول الجذرية لاتفاف نووي جديد يتعلق ببرنامجها النووي ورفع العقوبات الدولية عنها وإعادة دورها في التأثير الميداني الإقليمي.
وحدة الدراسات الإيرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية