إيران الداخل… صراع القوى وتعاظم الأزمات

إيران الداخل… صراع القوى وتعاظم الأزمات

اياد عناز

اتجهت الأحداث الميدانية في إيران بعد مقتل الشابة الكردية (مهسا أميني) في 15 أيلول 2022 على أيدي عناصر السلطات الأمنية الإيرانية بعد احتجازها عدة أيام والتحقيق معها حول عدم ارتدائها الحجاب، الإجراء الذي أدى لوفاتها وإطلاق الشرارة الكبيرة للاحتجاجات الشعبية والتظاهرات الجماهيرية ضد النظام الإيراني وأجهزته الأمنية والاستخبارية ومؤسساته العسكرية والحزبية، والتي هاجمت فيها الشعوب الإيرانية السلطة الحاكمة ورموزها الدينية والسياسية وطالبت بحلول جذرية للأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تعصف بالمجتمع الإيراني، والابتعاد عن أهداف المشروع السياسي الإيراني الإقليمي في تصدير الثورة والتدخل في الشؤون الداخلية لبلدان العالم وتحميل المواطنين المدفوعات المالية الكبيرة التي تدفع من أجل تنفيذ المهام والواجبات التي توكل إلى الشركاء حلفاء فيلق القدس والحرس الثوري من الميليشيات والفصائل المسلحة المرتبطة بهم والتي تتخذ من بعض العواصم العربية مكانًا وموقعًا ميدانيًا لتحقيق أهدافها وطموحاتها في التوسع والنفوذ.

سعت الجماهير الإيرانية إلى تعزيز قوة مواجهتها باتساع رقعة التظاهرات التي امتدت للعاصمة (طهران) والمدن الرئيسية الإيرانية، وأخذت أبعادها عبر استمرارها بعنفوان وصمود ومواجهة مباشرة مع عناصر الأجهزة الأمنية، الأمر الذي أدى إلى سقوط المئات من الشهداء والجرحى واعتقال الآلاف من الطلبة والعمال والموظفين والعاملين في القطاع الخاص والعام، ومن الكوادر الإعلامية والشخصيات الفكرية، مما زاد من حدة الأوضاع سوءًا وانعكس سلبًا على طبيعة التعامل مع المتظاهرين، حيث تم اعتقال المئات منهم وزجهم في السجون والمعتقلات.

هذه الأحداث الإنسانية والوقائع الميدانية كانت مصاحبة لأوضاع سياسية وأزمات اقتصادية يعاني منها النظام الإيراني، ولم يتمكن من إيجاد مفاعيل حقيقية لكيفية مواجهتها أو الحد منها. استمرت حالة الإخفاق السياسي، وتزايدت حدة الصراعات بين أجنحة النظام الحاكم، وواصل المجتمع الإيراني مسيره في الدخول في نفق مظلم من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية بسبب فشل الحكومة الإيرانية في معالجتها الميدانية وسوء إدارتها، وتزايدت الضغوط الشعبية باتجاه إسقاطها عبر عمليات التغيير والإصلاح السياسي والاجتماعي.

كانت من مظاهر الأزمة الاقتصادية تراجع مستوى المعيشة وارتفاع نسبة التضخم التي وصلت إلى 52٪، وانخفاض نسبة الاستثمارات المالية وإقامة المشاريع الحيوية، مما أدى إلى ارتفاع نسبة البطالة بين الشباب حتى وصلت إلى 37٪، وتراجع المعنويات لدى المواطن الإيراني الذي بدأ يخشى المستقبل وما سيأتي به من أحداث ونتائج تؤثر عليه وعلى مستقبل أولاده، الأمر الذي أدى إلى تزايد الهجرة وترك البلاد كحل مفروض وليس اختيارًا إنسانيًا مطلوبًا، هروبًا من الأوضاع المأساوية التي يشهدها المجتمع الإيراني.

حاولت الحكومة الإيرانية، وبعد مصرع الرئيس إبراهيم رئيسي في حادث سقوط طائرته، واختيار مسعود بزشكيان رئيسًا لإيران عبر جولتين من الانتخابات التي خاضها مع خصومه السياسيين، وعرض فيها أثناء حملته الانتخابية برنامجًا إصلاحيًا وآراءً وطموحات سياسية واقتصادية لحل المعضلات والأزمات التي تمر بها البلاد، ولكنه وبعد ستة أشهر من توليه مهام الرئاسة لم يتمكن من الوفاء بوعوده، بل إن حكومته أُشير لها بالتقصير وعدم التنفيذ والالتزام بما قررته في برنامجها الاقتصادي والاجتماعي.

زادت حدة الخلاف واتساع الفجوة بين أبناء الشعوب الإيرانية بسبب سوء الأحوال المعيشية وتدهور قيمة العملة المحلية، واستمرار البطالة، وتأزم الأوضاع الميدانية، وخطر العودة للمواجهات الشعبية والاضطرابات السياسية، وتصعيد المطالبة بالتغيير والإصلاح الكامل.

ويحاول النظام الإيراني، وعبر توجيه المرشد الأعلى علي خامنئي، اعتماد سياسة خاصة في توجيه الاتهام لما آلت إليه الأوضاع في إيران إلى الولايات المتحدة الأمريكية والغرب، بسبب استمرار العقوبات الاقتصادية والضغط الأقصى على الحكومة الإيرانية ومنعها من حرية التعامل بثرواتها النفطية وكمية تصديرها والتصرف بعوائدها المالية. وأصبحت هذه الحالة جزءًا رئيسًا يستخدمه أركان النظام في أحاديثهم الصحفية وخطاباتهم السياسية ومؤتمراتهم الإعلامية، ومنع أي تداول عن التظاهرات الاحتجاجية التي تشهدها المدن الإيرانية.

وبغية صرف الأنظار عما يعانيه المواطن الإيراني، وتوجيه الإعلام الداخلي للمؤسسة الإيرانية باستغلال أي حدث للاهتمام به وتسليط الأضواء على نتائجه، كان الفعل الميداني الذي تم استغلاله بتواجد محمد جواد ظريف، مساعد الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان للشؤون الاستراتيجية، في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس بسويسرا بتاريخ 22 كانون الثاني 2025، ودعوته للتفاوض مع الولايات المتحدة الأمريكية حول البرنامج النووي الإيراني وإيجاد الصيغ الفعالة للبدء بحوارات جادة مع إدارة الرئيس ترامب. انطلقت الأصوات المعارضة من المحافظين والمتشددين في هيكلية النظام بمهاجمة جواد ظريف، معتبرين أن ما طرحه يثير الشكوك، وأنه يسعى للعودة مرة أخرى للتفاوض عبر وفد إيراني يكون رئيسًا له، وهو ما أثار موجة غاضبة من الهجوم عليه، وأكد حقيقة الصراع السياسي والخلاف الميداني بين أقطاب النظام الإيراني.

كما أن هذه الأطراف السياسية قد رأت في تصريح ظريف (أن إيران لا تسعى لامتلاك أسلحة نووية، ولا تقوم بدعم مجموعات شبه عسكرية في المنطقة، وأنه لا توجد انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان في بلاده)، خروجًا عن العقيدة السياسية والقدرة الفاعلة في مواجهة أعداء البلاد.

يبقى التوجه السياسي للدولة الإيرانية قائمًا على مبدأ الحفاظ على النظام وقبضة السلطة، وإظهار الممانعة في قبول المبادرات الأوروبية للبدء بمفاوضات جادة لإيجاد محاولات لعقد اتفاق جديد خاص بالبرنامج النووي الإيراني ورفع العقوبات الاقتصادية عن البلاد، ومعالجة الأزمات الاجتماعية التي يعاني منها المجتمع الإيراني، وإملاء بعض الشروط على الغرب للحفاظ على مكانتهم السياسية وموقفهم من أبناء الشعوب الإيرانية.

ورغم هذه القراءة السياسية للقيادة الإيرانية، إلا أن الأمر لم يكن ليمر حتى قام (15) عضوًا في مجلس الشيوخ الأمريكي بتقديم مشروع قانون بعنوان (قانون تفكيك المجموعات الموالية لإيران)، يهدف إلى إدراج الحوثيين المدعومين من إيران في قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية، وإضعاف قدراتهم في البحر الأحمر، وتأكيد الدور الإيراني والأهداف والغايات التي تسعى إليها قيادات فيلق القدس والحرس الثوري من تنفيذ مشروعها الإقليمي السياسي عبر أدواتها وشركائها في منطقة الشرق الأوسط.

ومع هذه التوجهات الأمريكية التي تأتي متزامنة مع استلام الرئيس دونالد ترامب لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية في ولاية أخرى ولأربع سنوات قادمة، فإن إيران لا تزال تعيش في مأزق سياسي كبير لم تتمكن فيه من صياغة استراتيجية واضحة لمواجهة الضغوط الأمريكية والتحديات الاقتصادية والاجتماعية الداخلية. فمع تزايد النهج الذي يتبعه ترامب في مواجهة السلوك الإيراني، نجد أن إيران عاجزة عن البدء بأي محاولات جادة في إجراء مفاوضات لإنهاء معاناتها الاقتصادية والعودة لدورها الإقليمي، وهو ما يؤكد هشاشة النظام وضعف الإرادة التي يمتلكها، وعدم وجود القدرة والرغبة على اتخاذ قرارات صائبة لصالح المواطنين الإيرانيين.

وحدة الدراسات الإيرانية 

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة