عادة ما يكون الرئيس الأمريكي باراك أوباما متفائلاً جداً حول مستقبل النظام العالمي الليبرالي، ولكنه وصف بأسى التحديات التي تواجه هذا النظام أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر 2015 قائلاً: “قد تسحبنا التيارات الخطرة من جديد نحو عالم أكثر ظلاماً وفوضوية”. إن تهديد تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (الذي يُعرف اختصاراً بـ «داعش» أو «الدولة الإسلامية») ليس سوى تياراً من تلك التيارات، ولكنه بالتأكيد أكثر التهديدات مباشرة، وهو عبارة عن دولة زائفة تتمتع بجيشها الخاص، وتحصل على التمويل، وتتمتع بأيديولوجيا تجذب الأشخاص للالتحاق بها على أساس الدين، فضلاً عن القدرة على تنفيذ الهجمات الإرهابية الجماعية، أو إلهامها، في أي مكان. إلى جانب ذلك، فهي تفلس الدول الإقليمية التي تحاول التعامل معها وتوفر الذريعة لتدخل إقليمي روسي مزعزع للاستقرار ومحور يعزز دمشق وطهران.
وقد أكد مسؤولون أمريكيون، بدءاً من الرئيس أوباما، مراراً وتكراراً أن مهمة الولايات المتحدة لا تتجلى في احتواء تنظيم تنظيم «الدولة الإسلامية» ولكن في “هزيمته” و”تدميره”. في هذا الإطار، صرح وزير الدفاع الأمريكي آشتون كارتر مرتين قائلاً إننا “في حالة حرب” مع تنظيم «داعش». ونظراً إلى قدرة التنظيم على إلحاق الأضرار بالطرف الآخر، فإن هذه السياسة سياسة حكيمة. لكن بعد مرور 18 شهراً على إرسال أولى القوات الأمريكية إلى العراق لمواجهة تنظيم «الدولة الإسلامية»، لم تنجح هذه القوات في القضاء على التنظيم أو حتى في احتوائه، وفق ما ورد مؤخراً عن كارتر ورئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية جوزيف دانفورد.
والأكثر ملفتاً للنظر هو أنه يمكن القول إن الولايات المتحدة تتمتع بالوسائل اللازمة لتدمير التنظيم من خلال سياستها الحالية القائمة على الدعم الجوي وبرامج التدريب والتجهيز التي تهدف إلى بناء حلفاء محليين، فضلاً عن ضربات القوات الخاصة، ولكن [هذا كله لن ينجح] إلا إذا رافقت ذلك بعض القوات البرية الأمريكية على الأقل. ومع ذلك، تمسكت الإدارة الأمريكية برفضها إرسال قوات برية للمشاركة في النزاع، حتى في الوقت الذي تستثمر فيه بتردد أنواعاً أخرى من القوة العسكرية، بما في ذلك مستشاري القوات الخاصة الأقرب إلى الجبهة، وفرق الإغارة من القوات الخاصة، والطائرات المروحية الهجومية من طراز “أباتشي”، وطائرات “إيه سي 13” المسلحة التي استهدفت أسطول شاحنات النفط التابع لـ تنظيم «داعش». وفي خطابه إلى الأمة الذي ألقاه في 6 كانون الأول/ديسمبر، قدم أوباما السبب التالي لمنع القوات البرية من التدخل: إن استخدامها سيؤدي إلى “حرب برية طويلة ومكلفة”. وتابع قائلاً، “إذا احتلينا أراض أجنبية، [فسيكون] بإمكان تنظيم «الدولة الإسلامية» الإستمرار في التمرد لسنوات، مما سيسفر عن مقتل الآلاف من جنودنا، وعن استنزاف مواردنا”. وفي قوله هذا كان يشير إلى حرب الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الإبن في العراق كتحذير، وهو أمر مقنع بالنسبة إلى معظم الأمريكيين الذين لا يريدون حرباً أخرى مماثلة.
بالنسبة إلى أولئك من بيننا الذين عملوا مع أوباما، لا تشكل الحجة التي قدمها أي مفاجأة. فشكوكه تجاه العمل العسكري واضحة في تشديده على إنهاء الحروب الأمريكية وعدم رغبته في العمل العسكري ضد استخدام الأسلحة الكيميائية السورية في عام 2013. وقد لخص وجهة نظره هذه بأفضل وجه في خطاب ألقاه أمام طلاب أكاديمية “ويست بوينت” العسكرية في عام 2014 عندما قال: “منذ الحرب العالمية الثانية، لم تنتج بعض الأخطاء، بأعلى التكاليف، التي ارتكبناها عن ضبط النفس، ولكن عن رغبتنا في التسرع في دخول مغامرات عسكرية من دون التفكير في العواقب”. وبالتالي قدم الرئيس الأمريكي الخيار على أنه خياراً حازماً يشمل: قوة عسكرية كما يراها أوباما مع لمسة خفيفة للغاية، تكون أساساً حملة مناهضة لتلك التي يقوم بها تنظيم «القاعدة» والمتمثلة بالتفجيرات؛ كما يشمل هذا الخيار شن هجمات برية نادرة، ودعم القوات المحلية (مع نجاحات محدودة فقط حتى الآن ، مثل ما حصل في الرمادي) أو العودة إلى الحروب التي شنها الرئيس السابق جورج بوش في أفغانستان والعراق.
وإذا كان هذا الخيار، ما بين أوباما وبوش، يعكس الواقع، فإن القرار المناسب في ظل ظروف عادية سيكون اختيار نهج أوباما والأمل بأن تؤدي التدابير غير المباشرة والوسطية، على “المدى الطويل” فضلاً عن تشدد الإدارة الأمريكية، إلى القضاء على تنظيم «داعش». ولكن نظراً إلى أن “التيارات الخطيرة” المعترف بها حتى من قبل الرئيس الأمريكي، هي تيارات قوية على نحو متزايد، فإن الظروف ليست طبيعية، على الأقل وفق التعريف الذي أعطته الولايات المتحدة للكلمة بعد “الحرب الباردة”. وفي تلك الفترة السعيدة الفورية، لم تواجه أمريكا أي تهديد وجودي، ولم يكن لجيشها من منازع، وكانت الهيكلية واسعة النطاق للأمن العالمي مستقرة على الرغم من التهديدات المحلية، والأهم من ذلك كانت جميع التزامات واشنطن العسكرية من البوسنة وصولاً إلى شمال العراق تُسمى حروباً اختيارية. وعلى هذا النحو، كان لا بد من تبريرها، ليس فقط من خلال إنهاء العنف أو دحر العدوان، ولكن من خلال تحقيق الأهداف الاجتماعية والسياسية أيضاً. وقد كتب مايكل مازار سرداً دقيقاً لهذه العملية في مجلة “فورين آفيرز” قبل عامين.
وتجلى أوجّ هذا التحسن المسلح في تدخلات بوش التي تلت أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر في أفغانستان والعراق. فقد أوضح بشكل تام لأولئك المشاركين في الصراعين أن مبرره النهائي لم يكن تغيير النظام فحسب بل [إجراء] تحول مجتمعي، حتى لو تطلب ذلك حملة واسعة النطاق لمكافحة التمرد ضد المتمردين الذين لم يقتنعوا بالهيكليات الاجتماعية الأمريكية الصنع.
ويرى أوباما أنه إذا صعّدت الولايات المتحدة من عملياتها ضد تنظيم «الدولة الإسلامية»، لا سيما عن طريق مشاركة القوات البرية، ستسير البلاد مرة أخرى في نفس الاتجاه. لكن هذه الحجة تحرّف التوصيات حول استخدام القوات، وتخلط ما بين استخدام القوة الأمريكية لهزيمة خصم يشكل خطراً عليها وبين العمليات التي تهدف إلى التعامل مع تبعات هذه الهزيمة.
أولاً، لا تدافع معظم الاقتراحات حول القوات البرية الأمريكية عن فكرة إرسال أعداد كبيرة، بل عن إرسال قوة خاصة للتعامل مع الوضع العسكري المحدد الذي تواجهه الولايات المتحدة مع تنظيم «داعش». فكما أن جميع القوات التي تدافع الآن ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» هي إقليمية، فهو الأمر بالنسبة لغالبية القوات التي ستشن الهجمات حيث ستكون هي الأخرى من المنطقة أيضاً. ولكن من أجل إنجاز مهمة الرئيس الأمريكي في هزيمة تنظيم «داعش»، يجب على القوات البرية الضخمة أن تسيطر على أراضي التنظيم وتقضي على قواته المنظمة. وتشمل أسباب عدم تحقيق القوات البرية المحلية المتحالفة مع الولايات المتحدة في العراق وسوريا سوى نجاحاً محدوداً في مثل هذه العمليات الهجومية، عدم توافق الأهداف السياسية، والروح المعنوية المنخفضة، والقيادة والأسلحة والمهارات الضعيفة، إلى جانب عدم القدرة على مواجهة مقاتلي تنظيم «الدولة الإسلامية» الصامدين والمسلحين جيداً والذين يتمتعون بخبرة والمستعدون للموت من دون وقوع خسائر كبيرة في صفوفهم.
ولهذا السبب يدعو العديد من المعلّقين والنقّاد، بمن فيهم الجنرال المتقاعد جاك كين، إلى إرسال قوة أمريكية برية محدودة تتألف من عدة ألوية (كل منها مكوّن من 5000 جندي مقاتل بالإضافة إلى دعم لوجستي) على أهبة الاستعداد لتوفير احتياطي نخبوي سريع يكون مستعداً لتعزيز أي هجوم أو لقيادته في حال التباطؤ. ولن تكمن مهمتها في تولي مسؤولية القوات المحلية والإقليمية، بل تعزيزها. فكما هو الحال في العديد من الصراعات الأخرى، فمثل هذه القوات ستكون بمثابة ركائز لحشد مساهمات قوات “حلف شمال الأطلسي” (“الناتو”) وبعض أفضل القوات المحلية. وتتمتع الوحدات الأمريكية وتشكيلات حلف “الناتو” والقوات المحلية عالية المستوى بمهارات في العمليات الهجومية بالأسلحة السريعة الحاسمة المجتمعة (المشاة- المدرعات- المدفعية- الهندسية- الجوية) التي تحلم بها معظم القوات الإقليمية المنشأة والميليشيات المحلية التي تعتمد عليها الولايات المتحدة اليوم. وعلى الرغم من أن تنظيم «داعش» يضم 20 إلى 30 ألف مقاتل وفقاً لمعظم التقديرات، إلا أنهم منتشرون في محيط شبيه بولاية تكساس من حيث الحجم مقابل مئات الآلاف من القوات المحيطة بهم. ونظراً إلى أن المناطق مفتوحة عموماً، ووجود سيطرة كاملة لقوات الولايات المتحدة والائتلاف جواً، وبُعد المسافات في هذا النزاع، لا يمكن لمختلف الفصائل المتفرقة أن تدعم بعضها البعض بسرعة.
وبالتالي، فإن وجود عدة ألوية أمريكية تتألف من 5000 جندي، ومعززة بغيرها من قوات حلف “الناتو” من الدرجة الأولى وأعداد متساوية من القوات المحلية التي تلقت أفضل تدريب، فمن المرجح أنها ستتفوق تقريباً من الناحية العددية، وقوة النيران، والقوة الجوية، والحركة والتنقل، والخدمات اللوجستية، على فصائل تنظيم «الدولة الإسلامية» التي ستواجهها. فحتى الرئيس أوباما وافق في مؤتمر صحفي عقده في تركيا في تشرين الأول/نوفمبر على أنه يمكن للولايات المتحدة القضاء على تنظيم «داعش» بسرعة إذا لجأت إلى القوات البرية الأمريكية. ومن جهته كرر كارتر هذا الموقف في تصريحه أمام مجلس الشيوخ الأمريكي في الشهر التالي.
إن طرح الولايات المتحدة للقوات البرية الأمريكية على الطاولة سينعكس من خلال أثرين إيجابيين آخرين على حملة مكافحة تنظيم «الدولة الإسلامية». أولاً، سينهي عبثية المنطق: إذ تؤكد الولايات المتحدة بأن المعركة لمكافحة تنظيم «داعش» هي حرب خاصة بها، ومع ذلك تطلب من القوات الأخرى، الأقل قدرة بكثير، أن تعاني من خسائر فادحة من خلال مهاجمتها تنظيم «الدولة الإسلامية» في حين لا تخاطر هي حتى بجندي واحد في ما يتخطى عدداً قليلاً من القوات الخاصة. وهذا ليس ما فعلته الولايات المتحدة في كوريا والكويت وكوسوفو، ومن غير المرجح أن تؤدي مثل هذه المقاربة إلى جذب ما يكفي من القوات الكفوءة المستعدة للقتال تحت قيادة الولايات المتحدة.
ثانياً، إن تشديد الإدارة الأمريكية المتكرر على الأمور التي لن تقوم بها الولايات المتحدة (وخصوصاً عندما تشير استطلاعات الرأي إلى أن معظم الأمريكيين يريدون أن يشهدوا عملاً أمريكياً أكثر عنفاً)، يُظهر للأصدقاء والخصوم على حد سواء أن الرئيس الأمريكي ليس جاداً في مسألة هزيمة تنظيم «داعش». فالحد من الوسائل في أي تدخل عسكري محدد يعطي الانطباع بأن تجنب التكاليف أو الالتزامات هو الذي يشكل الأولوية القصوى بدلاً من المهمة المرجوة. بهذه الطريقة، يُسمح للقيود أن تفرض النتيجة.
ومن أجل تبرير سياسة عدم إرسال قوات برية، استحضر الرئيس الأمريكي تجارب بناء الأمة في إدارة الرئيس السابق بوش، والتي شملت مقتل الآلاف من الجنود وسنوات من التمرد. ولكن هذه الحجة تنطوي على وجهين من العيوب: أولاً، إذا كان أوباما جاداً حول القضاء على تنظيم «الدولة الإسلامية»، مع تدخل القوات البرية الأمريكية أو من دونها، سيواجه مشكلة كبيرة في ما بعد تلك المرحلة عندما يصبح التنظيم سرياً. وهذا هو بالضبط ما حدث، ومن دون قوات برية، بعد أن أجبرت الولايات المتحدة السوفييت على الخروج من أفغانستان ودمرت نظام الرئيس الليبي السابق معمر القذافي. باختصار، إن حجة “بناء الأمة” تكون منطقية فقط إذا كان الرئيس حقاً لا ينوي عمل أي شيء أكثر من احتواء تنظيم «داعش» وحلحلته.
ثانياً، من الممكن تجنب ضرورة حل المشاكل التي ستبرز في “المرحلة التالية” من خلال [تدخل] القوات الأمريكية. فعلى الرغم من أن القوات الأمريكية تضيف قدرات هجومية فريدة من نوعها على أي معركة، إلا أن الأولوية الأولى في أي سيناريو يلي المعركة، أي المحافظة على الأراضي، يمكن تحقيقها من خلال القوات البرية المحلية، بدعم من القوات الجوية والخدمات اللوجستية والاستشارة الأمريكية. وكما نشهد اليوم، يتمسك في مواقعه في مواجهة تنظيم «الدولة الإسلامية» مزيج غير متجانس من القوات العراقية من الدرجة الأولى إلى الدرجة الثالثة ومن الميليشيات المتنوعة والشرطة المحلية والعشائر السنية ومجموعات مختلفة من المقاتلين الأكراد مع دعم من الولايات المتحدة، في الوقت الذي يستطيع فيه تنظيم «داعش» إنزال جيش مكون من 20 إلى 30 ألف مقاتل. وبالتالي، فإن ترتيبات مماثلة ستنجح بالتأكيد ضد ما يتبقى من التنظيم.
ولا بد من الإشارة إلى أن الرأي المضاد لهذه الحجة يقوم على المبدأ المرتبط بوزير الخارجية الأمريكي السابق كولن باول والذي يقول بأنك “إذا كسرت الشيء تدفع ثمنه”. لقد انتشرت هذه الفكرة في النقاش قبل غزو العراق. وإذا قررت الولايات المتحدة الدخول في حرب اختيارية عندما كانت هناك خيارات أخرى متاحة، وفي خلال ذلك دمرت دولة كانت توفر الخدمات الأساسية على الأقل لملايين المواطنين، وفقاً للحجة، فلدى الولايات المتحدة التزامات عملية وأخلاقية بالبقاء في البلاد وإصلاح ما خرّبته. ولكن هذا التفكير لا ينطبق ببساطة في حالة تنظيم «الدولة الإسلامية». فمواجهة هذه الجماعة ليست حرباً تختار الولايات المتحدة خوضها، ولكنها حرب ضرورية. إذ إن تدمير ما يسمى بالدولة، على الرغم من أنه سيخلق فراغاً في الحوكمة في المناطق التي يسيطر عليها تنظيم «داعش» حالياً، لن يُسفر عن أي التزام أخلاقي بالنسبة للولايات المتحدة للبقاء فيها كقوة محتلة.
إن سيناريو ما بعد التدخل يشمل أكثر بكثير من مجرد تأمين الأراضي، إذ يشمل كذلك توفير إمدادات الإغاثة العاجلة والرعاية الطبية لعدد كبير من السكان، وإرساء الحكم المحلي بسرعة، ودمج المناطق المحررة في هياكل سياسة أكبر، بما في ذلك حكومة بغداد في العراق وأياً كان ما يتأتى عن مفاوضات السلام الدولية في سوريا. يجب أن يتم تغطية جميع هذه الأمور من خلال الدبلوماسية النشطة للتغلب على الدول الإقليمية المفسدة، أو على الأقل لتحييدها، وإشراك المجتمع الدولي والمنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية. وتتمتع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، بخبرة واسعة بذلك في أماكن أخرى في الشرق الأوسط والبلقان. وبالتالي، ليست هناك حاجة لأن تلعب الولايات المتحدة دوراً أساسياً في هذا الجهد على المدى الطويل، لا سيما مع وجود القوات، إلا إذا كانت تسعى إلى تحقيق تحول، في مناطق العراق وسوريا حيث سيطر تنظيم «الدولة الإسلامية» في وقت سابق، على غرار الهدف الذي كانت تسعى إليه في العراق ما بين العامين 2011 و2013. ولكن الولايات المتحدة التي تتمتع الآن بحكمة أكبر من تجربتها في العراق من المفترض أن لا تحاول أن تُحدث تحوّل ديمقراطي آخر في مجتمع شرق أوسطي في منتصف بيئة العنف السائدة (والتي كانت السبب الحقيقي لبقاء الولايات المتحدة في تلك المنطقة).
عندما تتعامل واشنطن مع “هزيمة تنظيم «داعش»” و”ما بعد ذلك” كعمليتين منفصلتين، وإن كانتا مرتبطتين، حينئذ يمكن تقييم – تكلفة وفوائد استخدام القوات البرية الأمريكية لهزيمة تنظيم «الدولة الإسلامية» – برصانة. ونظراً إلى التكاليف، والخسائر في الأرواح التي لا مفر منها والأمور المجهولة التي ستطرأ عندما تشارك هذه القوات في المواجهة، يبرز دائماً خطرٌ بأن تسوء الأمور. وربما تستطيع الولايات المتحدة تحمّل العيش مع تنظيم «داعش» وتجنب الالتزام المحفوف بالمخاطر في فترة أكثر سعادة عندما لا تكون هناك قضية أمنية هامة حقاً. ولكن العالم الآن في عصر آخر، يمكن للولايات المتحدة تذكره للأسف. وخلال الخطاب الذي ألقاه الرئيس أوباما أثناء حصوله على “جائزة نوبل للسلام” لعام 2009، لخص الأمر بطريقة جميلة: “ليست المؤسسات الدولية وحدها… هي التي حققت الاستقرار في العالم ما بعد الحرب العالمية الثانية. وأياً كانت الأخطاء التي ارتكبناها، فإن الحقيقة الواضحة هي أن الولايات المتحدة الأمريكية ساعدت في ضمان الأمن العالمي لأكثر من ستة عقود بدماء مواطنينا وقوة أسلحتنا”. ولم يكن يشير فقط إلى الطائرات من دون طيار والذخائر التي تطلق من على بعد 15 ألف قدم، أو فِرَق القوات الخاصة التي تتألف من 12 رجلاً.
جيمس جيفري
معهد واشنطن