تسود حالة من الفوضى والحروب عددا من الدول العربية ما يؤشر بتوجه المنطقة نحو مستقبل غامض سماته الأساسية العنف والقتل. وتحولت جملة من الدول العربية إلى حاضنة شرعية لكل كيانات الإرهاب بمختلف مسمياته، في مشهد خطير يتطلب التفاتة عاجلة وصارمة من القوى الإقليمية للحد من مزيد انتشاره. وفي هذا الإطار كان مؤتمر التطرف الذي تم مؤخرا في الإسكندرية إحدى بدايات المعالجة الفكرية لهذه الظاهرة، وفيه حاول الخبراء تقديم أطروحاتهم في هذا السياق.
ويقول محمد مجاهد الزيات الخبير الاستراتيجي، إن العالم العربي يحفل بتطورات خطيرة على أمنه القومي حيث أصبحت العديد من الدول الوطنية على شفير التقسيم كما هو الحال في سوريا والعراق وليبيا في إطار تصارع النظام الإقليمي. وأضاف أن الحركات الإرهابية مثل تنظيم الدولة الإسلامية يلعب دورا حيويا في عملية التقسيم هذه، موضحا أن هذا التنظيم لا يختلف في جوهر أفكاره عن التنظيم الأم القاعدة في غير درجة التوحش والإسراع إلى إعلان الخلافة، متنبئا بأننا في الفترة القادمة سنتحدث عن العائدين من سوريا والعراق كعناصر خطيرة على أمن الدول، وهو ما يعززه فشل التحالف الدولي في القضاء على التنظيم وهو ما يعني أن ظاهرته ستستمر في السنوات القادمة على الأرجح.
وأكد اللواء مختار بن ناصر اللواء المتعاقد والمتحدث السابق باسم الجيش التونسي أن هناك العديد من الشباب التونسـي الذي التحق بالتنظيم في سوريا ويقدر عددهم بـين 2000 و3000 فرد من بينهم من تم احتجازه من قبل الأمن التونسـي قبيل مغادرته إلى سوريا للجهاد. كما أن تونس تعاني من وجود بعض الجماعات المسلحة داخل تونس التـي اختارت أن ترفع السلاح في مواجهة الدولة. على أن الدولة التونسية تحاول جاهدة التعامل مع هذه المخاطر وتعتمد على بناء إستراتيجية مواجهة شاملة تتخطى الأبعاد الأمنية وبناء نماذج مغايرة لتلك التـي يتم الترويج لها لدى الجهاديين والمتابعة النفسية والاجتماعية لهذه المجموعات.
كما اعتبر ناصر أن مفهوم الأمن القومي، يشمل مجمل الإجراءات التي تضمن الاستقرار الداخلي وضمان المصالح الخارجية مع إيجاد التنمية المستدامة للمجتمع وبالتالي هو مفهوم متعدد الأبعاد لا يتعلق فقط بفكرة الحلول الأمنية والعسكرية. وأضاف بن ناصر أن هناك تركيزا في العالم العربي على قضايا الأمن الوطنـي لكل دولة على حدة على حساب الأمن القومي العربي ككل والذي يشمل عملية حدود العربية وإيجاد صيغة للتعاون المشترك بين مختلف الدول العربية.
وذكر مجاهد الزيات على أن الحديث عن الأمن القومي العربي في هذه المرحلة التاريخية هو بمثابة حديث مثالي خاصة أن الدول العربية أصبحت متنازعة فيما بينها ومختلفة على تعريف العدو الذي تتعداه كما هو في تعامل هذه الدول مع إيران وإسرائيل.
ومن جانبه أشار محمد إبراهيم مسؤول الملف الفلسطيني الإسرائيلي السابق بالمخابرات العامة المصرية، إلى أن تاريخ الحركات الإرهابية في هذه المنطقة لا يتعدى العقد غير أنها شهدت عمليات مكثفة وخطيرة من حيث الكم والكيف اشتملت على تفجيرات واعتداءات. وأوضح أن دراسة الإرهاب في سيناء يجب أن تتم في محددات تتمثل في أن المؤسسات المصرية لم تثبت نفسها بعد زوال الاحتلال الإسرائيلي الذي دام 15 عاما وأنه لم يتم إدماج سيناء اقتصاديًّا في المنظومة الاقتصادية للدولة المصرية، كما أن المنطقة شهدت منذ سنوات قليلة صعودا في التوجهات المتطرفة بين الشباب ولم تعمل الدولة ولا القبائل التقليدية على التصدي لها.
من ناحية أخرى، أوضح اللواء إبراهيم أن هناك ترابطا عضويّا بين الإرهاب في سيناء والتطورات الحادثة في قطاع غزة، فقد بدأت حركة حماس في بناء قوة عسكرية لها أهداف بعيدة المدى، كما أن غزة بعد مرحلة الانسحاب الإسرائيلي من القطاع قد شهدت صعود جماعات ذات توجهات جهادية غير حماس التـي بدأت في أعقاب استيلائه على القطاع حفر أنفاق بين القطاع وسيناء، وهي الأنفاق التـي مثلت شريان الإرهاب الرئيس في سيناء حيث شهدت عبور الأفراد والمدربين الجهاديين والأسلحة الثقيلة والخفيفة التـي تم تهريبها إلى داخل العمق المصري واستخدمت فيما بعد، وقد ساهمت كل هذه العوامل في دعم التوجهات الجهادية في سيناء ومدها بالموارد.
صحيفة العرب اللندنية