“سجن مفتوح، حيث لا سبيل للدخول أو الخروج، وليس أمام الأهالي سوى الموت”، بهذه الكلمات وصفت منظمة أطباء بلا حدود الوضع في بلدة مضايا التي تبعد عن العاصمة السورية نحو 40 كم، حيث فرض حزب الله اللبناني وقوات النظام السوري حصارا تجويعيا قاتلا على نحو 42 ألف شخص داخل البلدة، نصفهم من الأطفال وفق تأكيدات منظمة اليونيسف.
جمع سوريون أطنانا من مواد الإغاثة والأغذية، وأرسل رجال أعمال العشرات من حاويات الطعام، وأعلنت منظمات إنسانية دولية عن استعدادها لإغاثة أهالي البلدة فورا، لكن النظام السوري وقيادة حزب الله لم يسمحا بإدخال شيء، ولم يفد وصف الكثير من الدول ما يقوم به النظام السوري وحزب الله بأنه جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية بتغيير موقفهما، ولم تستخدم روسيا التي تحمي النظام السوري نفوذها لإقناعه بإدخال الطعام.
واشترط النظام وحزب الله أن يتم إدخال مواد نفطية لبلدات شيعية تحاصرها المعارضة السورية شمال سورية مقابل إدخال طعام لمضايا، وهو ما يبدو أن المعارضة المسلحة قد وافقت عليه.
حاول النظام السوري مع حزب الله مرارا اقتحام مضايا والزبداني المتجاورتين واللتين يسيطر عليهما 600 مسلح من أبناء البلدتين لكنه فشل، وقصفهما بنحو 3 آلاف برميل متفجر والمئات من الصواريخ الفراغية، وراح يضيّق الخناق على المدنيين ويُخرجهم تدريجيا من كل حي يسيطر عليه، ليُسكن بدلا عنهم مؤيدين له لتغيير ديموغرافية المنطقة للأبد.
قصة بلدة مضايا ليست قصة منفردة، بل هي واحدة من العشرات من القصص المشابهة لبلدات ومدن تحاصرها قوات النظام السوري والميليشيات المؤيدة لها، فهي تفرض حصارا تجويعيا على الزبداني ودوما والمعضمية ومخيم اليرموك وداريا ودير الزور وكفرنبل وأحياء بحمص وحلب وإدلب، وهي بلدات ومدن تتوزع في مختلف أنحاء سوريا، ويقبع حاليا أكثر من 600 ألف مدني في المناطق التي يحاصرها النظام السوري، وتم توثيق المئات من حالات الموت جوعا خلال الأعوام الثلاثة الماضية دون أن تبادر القوى والمنظمات الإنسانية الدولية إلى اتخاذ إجراءات سواء لإيقاف هذه السياسة المستمرة أو لتجريمها دوليا واعتبارها “جريمة حرب”.
يفرض النظام السوري حصارا خانقا على مدينة داريا قرب دمشق منذ ثلاث سنوات، وعلى مخيم اليرموك منذ سنتين ونصف، وعلى الغوطة بريف دمشق منذ سنتين، ولم يسمح بإدخال أي شيء حتى لقـاحات الأطفال.
اعتمد النظام السوري وميليشياته الحصار والتجويع كسياسة ممنهجة ضد المعارضين له، فمنع المواد الغذائية والطبية والاحتياجات الأساسية عن أهالي المناطق المتمردة عليه ولمعاقبة الحاضنة الشعبية للمعارضة المسلحة، وبالإضافة إلى منع إدخال الطعام يمنع إدخال المحروقات ويقوم بحرمان هذه المناطق من الكهرباء والماء، وأوقف توريد المحروقات لها عبر سياسة أطلق عليها شعار “الجوع حتى الركوع”.
يعاني السوريون أيضا من حصار آخر يفرضه تنظيم الدولة الإسلامية وبعض القوى الإسلامية المتشددة الأخرى كجبهة النصرة المرتبطة بتنظيم القاعدة، حيث يقوم تنظيم الدولة الإسلامية بنفس ما يقوم به النظام السوري من حصار للمدنيين، فيحاصر النظام جزءا من مدينة دير الزور أقصى شمال شرق سوريا ويحاصر تنظيم الدولة الجزء الآخر منها، ويعدم المخالفين ويُمارس ضغوطا على السكان لإرغامهم على مساعدته وتأييده، فيما تقوم بعض الفصائل المحسوبة على المعارضة المسلحة باستغلال الحصار لتحقيق مكاسب مالية وربحية.
لا شك أن هناك حاجة ضرورية لتحرّك دولي جدي لمساعدة السوريين بشكل إسعافي وشامل، وعلى المجتمع الدولي فرض القوة لفك الحصار عنهم وتأمين المأوى والطعام واللباس والمساعدة الصحية العاجلة للملايين منهم، ومن الضروري توفير مسارات آمنة لوصول هذه المساعدات إلى المناطق المحاصرة والمنكوبة، بغض النظر عن مواقفهم وخياراتهم السياسية بالنسبة إلى السلطة أو معارضيها، والأهم من كل هذا هو تقديم مساعدة جذرية وشاملة توقف توليد المعاناة أساسها معالجة الأزمة وإخراج سوريا من دوامة القتل والتدمير.
باسل العودات
صحيفة العرب اللندنية