الدولة والنخبة والتجديد.. فريضة وضرورة

الدولة والنخبة والتجديد.. فريضة وضرورة

51

الدولة الحديثة شبه القومية، هى أحد أبرز إنجازات النخبة السياسية المؤسسة لها واستطاعت أن تستولد شرعية وجودها وحضورها السياسى وسط قطاعات اجتماعية واسعة، بحيث نستطيع القول إن الدولة وتقاليدها القديمة الخمس الفية – والسبع وفق أنور عبدالملك – باتت جزءاً من الثقافة السياسية والوعى الاجتماعى الجمعى، والأهم أنها تحولت إلى ديانة وضعية فاعلة، وهو أحد الأسباب الرئيسية لتماسكها النسبى إزاء الاضطرابات والفوضى فى الإقليم. إلا أن الناظر بعمق إلى مؤسساتها وأجهزتها وأدائها هى والنخب السياسية الحاكمة أو المعارضة سوف يصطدم بجمودها وضعف الحيوية فى رمزيتها وشرعيتها، على نحو قد يؤدى إلى تآكل شرعيتها، والأخطر إدراك بعض الأجيال المدينية الشابة، وبعض أبناء الشرائح الاجتماعية الوسطى إلى اعتبار الدولة الراهنة وتراكماتها وترهلها تشكل عبئا على التطور المصرى وضرورات التجديد واللهاث وراء التطورات الكبرى فى عالمنا الهادر بالتغيير والتحولات العاصفة، والدولة هنا ليست النظام التسلطى، والنخبة الحاكمة وإنما السلطة العليا التى لا تعلوها سلطة من السلطات وتحوز السيادة أى هذه التركيبة الرمزية والمعنوية التى تتجاوز النظام والسلطة والنخبة، وأجهزة القمع المشروع والجيش والأمة. من هنا يتعين تشخيص الأزمات التاريخية والاجتماعية والثقافية وراء شيخوخة الدولة والنخب الحاكمة والمعارضة وعدم تجددهم، وذلك على النحو التالى:

1- النشأة المبتسرة للدولة الحديثة، واعتمادها تاريخياً على حكم الفرد محمد على وإسماعيل باشا حتى بداية المرحلة شبه الليبرالية 23-1952- والبيروقراطية المتمددة وسطوتها، ثم الأمن والجيش، وذلك على الرغم من العروة الوثقى التى ربطت الأخير بالحركة الوطنية المصرية منذ عرابى حتى ناصر.

2- استمرارية الدولة، لكن فى ظل الانقلابات الدستورية، والتلاعب بمبدأ علو الدستور قبل 1952، وهامشية دوره بعد 23 يوليو 1952 فى ظل ظاهرة تزوير الإرادة العامة للجماعة الناخبة فى الاستفتاءات والانتخابات العامة.

3- النخبة السياسية الحاكمة والمعارضة جاءت من أعطاف الدولة البيروقراطية ومؤسساتها وأجهزتها، ولم تأت من خلال التعددية السياسية والحزبية والتنافس والصراع السياسى السلمى الحر والمفتوح، وذلك باستثناء السنوات القليلة التى وصل خلالها حزب الوفد إلى سدة السلطة تحت قيادة سعد زغلول، والنحاس باشا بوصفهم قادة شعبيين.

4- انقطاع التقاليد السياسية من المرحلة شبه الليبرالية إلى التسلطية السياسية قبل 25 يناير وما بعدها، وهو ما يتجلى، فى طرائق عمل الأحزاب السياسية الهشة والمعزولة جماهيرياً، وضعف الكوادر، وسطوة البيروقراطية والأجهزة الأمنية والتداخل العسكرى/ المدنى.

5 – ضعف وتراجع الثقافة الدستورية وممارساتها، ومعها تدهور الفن واللغة القانونية واضطرابها فى صناعة التشريعات.

6 – شعبوية الخطاب السياسى السلطوى وازدواجيته والميل إلى القفز على المشكلات والتحديات التى تواجه الدولة والأمة ونزعته التبريرية لأخطاء النخبة والبيروقراطية.

7 – تضخم جهاز الدولة البيروقراطى من 6 إلى 7 ملايين موظف – وضعف كفاءته وإنجازه، واستشراء الفساد الإدارى داخله.

8 – الصراع والتنافس المحتدم بين أجهزة الدولة، لاسيما عقب 30 يونيو 2013.

9 – التشكيك المستمر فى الخطاب الإسلامى السلفى والإخوانى والراديكالى فى شرعية الدولة الحديثة تحت شعارات الدولة الدينية..

10 – عدم احترام بعض أجهزة الدولة لحرمة «الفرد» ومعصومية الجسد الإنسانى ضد صنوف العسف والانتهاك والتعذيب والحط من الكرامة.

11- الانقطاع المعرفى والمعلوماتى والخبراتى بما يجرى فى العالم ما بعد المعولم من تطورات وتحولات فى شمال الدنيا أو فى دوائرها الجنوبية وتجاربها الناجحة.

12- ضعف معرفة ومتابعة غالبُ النخب السياسية الحاكمة والمعارضة وأجهزة الدولة إلا قليلا- بما يدور من تحولات فى الإقليم الشرق أوسطى، والعربى، ودول حوض النيل على نحو ما ظهر فى أزمة سد النهضة والأوضاع فى السودان الشمالى والجنوبى.

13- عودة مظاهر التسلطية السياسية والأمنية والدينية إلى الدولة ومؤسساتها والنخبة الحاكمة دونما استيعاب لما حدث فى البلاد خلال أكثر من ثلاثين عاماً، وطيلة المراحل الانتقالية الأولى والثانية والثالثة المستمرة.

14- استبعاد الأجيال الشابة من الفئات الوسطى وانسحابها وإدارة ظهرها للدولة ولا مبالاتها بالسياسة كنتاج للإحباط السياسى والاجتماعى.

نبيل عبد الفتاح

المركز العربي للبحوث والدراسات