للصين مصالح استراتيجية كبيرة في منطقة الشرق الأوسط، كونها (منطقة الشرق الأوسط)، تتوسط العالم وواسطة عقد طرق الوصل بين مشرق الأرض ومغربها، وكذلك امتلاكها مخزوناً هائلاً من الطاقة، وخاصة في منطقة الخليج العربي، لذا فقد حافظت الصين على علاقات قوية مع مختلف الدول العربية، ولاسيما دولتي الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، لما لهما من إمكانية كبيرة لكي تلعبا دوراً كبيراً وفعّالاً في الأحداث والتطورات الراهنة التي تشهدها المنطقة؛ فالصين تعمل على توسيع رقعة مصالحها على نحو أكبر وأشمل؛ من أجل إقامة المزيد من الجسور. وتتسم السياسة الخارجية الصينية بالحرص على احترام إرادة الدول وشعوبها، وتسعى بكل جهد ممكن على تأمين المنطقة، والعودة بها إلى حالة الاستقرار لكل أطراف المنطقة.
من هذا المنطلق؛ جاءت الزيارة الرسمية لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبو ظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة إلى الصين يوم 13 ديسمبر 2015، وتم خلال الزيارة تأسيس «صندوق الاستثمار الاستراتيجي المشترك»، بقيمة 10 مليارات دولار أمريكي؛ لتعزيز التعاون الاقتصادي والسياسي بين البلدين الصديقين، وتبع ذلك إنشاء مركز لمقاصة العملة الصينية «الرنمينبي» في أبوظبي، وبما يعزز الشراكة الاقتصادية مع الصين، ويزيد من حجم التبادل التجاري والصناعي بين البلدَين، ويعمل على تسهيل عملية سداد مدفوعات صادرات وواردات السلع، كما يسهم هذا المركز في فتح آفاق جديدة للمستثمرين ورجال الأعمال في كلا البلدَين، ويسهم في رفع مستوى العلاقات التجارية، ومن المتوقع أن تكون له تأثيرات كبيرة في اقتصاد دول مجلس التعاون الخليجي والشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وجاءت الزيارة التي قام بها الرئيس الصيني شي جينبينغ إلى المملكة العربية السعودية، في إطار جهود التكامل بين الجانبين الصيني والعربي. وقد أسهمت الزيارة في ترسيخ العلاقة بين الصين والمملكة العربية السعودية، وقد تمخّضت عن تلك الزيارة أبعادٌ جديدة تمثلت في نوعية الاتفاقات وشموليتها. وقد برز ذلك في البيان الختامي الذي ألقى الضوء على ستة مجالات حيوية سيتم تفعيلها والعمل عليها. وبذلك أصبحت الصين أكبر شريك تجاري للمملكة.
وقد دشّن الرئيس الصيني خلال زيارته للمملكة العربية السعودية يوم الأربعاء 20/1/2016 مشروع شركة ينبع للتكرير «ياسرف»، مما عزز التعاون وبناء الشراكات في إطار مبادرة الحزام الاقتصادي لطريق الحرير، لتصبح السعودية قطباً أساسياً فيها، عبر التعاون وزيادة الاستثمارات الصينية في مجالات الطاقة والصناعة والاقتصاد في المدن الصناعية، والتعاون، كذلك، في مجال برنامج الأقمار الاصطناعية. وبذلك يمكن القول إن تعاون دولتين آسيويتين بحجم الصين والسعودية، بثقلهما العالمي وتأثيرهما السياسي والاقتصادي الدوليين، يسهم في استقرار السلام والأمن العالمي الذي يحتاجه العالم اليوم.
ولم تقتصر زيارة الرئيس الصيني شي جينبينغ للمنطقة على المملكة العربية السعودية وحدها، بل توجّه الرئيس الصيني، عقب تلك الزيارة، إلى جمهورية مصر العربية يوم 21/1/2015وأشاد بالجهود التي تبذلها مصر لتحقيق التكامل بين تلك المبادرة ومشروعات التنمية بمنطقة قناة السويس، وما شهدته من نجاح ساهم في إطلاق المرحلة الثانية لتلك المنطقة بمشاركة ما يقرب من 100 شركة صينية، واستثمارات تبلغ 2.5 مليار دولار. وأكد دعم الصين الكامل لإرادة الشعب المصري وخياراته، وتقدير الصين لدور مصر الفاعل على الصعيدين الإقليمي والدولي، وحرصها على تحقيق الأمن والاستقرار بالمنطقة، وتم الاتفاق على تنفيذ عدد من المشروعات في مجالات الطاقة بإجمالي استثمارات 15 مليار دولار.
وقد أعلن الرئيس الصيني في كلمة ألقاها أمام جامعة الدول العربية بالقاهرة في 21 يناير 2015، أن الصين ستخصص لبلدان الشرق الأوسط، من أجل تعزيز التعاون الثنائي معها 10 مليارات دولار كائتمانات تجارية، وذلك بالإضافة إلى قروض ميسرة بالمبلغ نفسه من أجل عمليات بسط الاستقرار وإعادة الإعمار في الدول العربية التي طالتها الحروب والنزاعات. وأعرب الرئيس الصيني عن قناعته بأن الحوار وحده كفيل بتحقيق التسوية في المنطقة.
إن اقتراب الصين من العالم العربي هو أمر باتت تفرضه إيقاعات السياسة الدولية، فمع ازدياد اهتمام العالم بالمنطقة العربية وهذا ما تبين من خلال الاستقطابات الدولية التي حدثت في السنوات القليلة الماضية، فقد وجدت الصين، باعتبارها دولة عظمى، مضطرة للتدخل للحفاظ على مصالحها، استباقاً لأي محاولة لقطع الطريق أمام حصولها على ما تحتاج إليه من نفط وغاز. ومن هنا فقد اتخذت حق النقض مرات متعددة لإفشال مشاريع قرارات غربية حول سوريا، وأعلنت أنها لن تسمح بتكرار ما حدث في ليبيا في دولة عربية أخرى، وهي اليوم تطرح نفسها كشريك ومساهم في إعمار الدول العربية التي تعرضت للفوضى والحروب، كما تطرح نفسها كوسيط نزيه لتسوية المشاكل بين دول المنطقة.
ومن دون شك، إن الصين القادمة من خلفية تاريخية متصالحة مع الثقافة والتاريخ العربي، ستكون قادرة على فرض احترامها على مختلف دول المنطقة، ولاسيما أنها تقدم نفسها كشريك ومساهم في التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الدول العربية. وليت مختلف الدول الكبرى تحذو حذو الصين، وتكفّ عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، وتحترم القانون الدولي، وتبني مصالحها مع دول المنطقة على أسس المعاملة بالمثل. ولو حدث ذلك فإن الأمن والاستقرار سوف يعمان ليس المنطقة وحدها، بل العالم أجمع، فهل تعي الدول الكبرى ذلك؟
محمد خليفة
صحيفة الخليج