في شهري يوليو/تمّوز، ويونيو/حزيران، كثر الحديث عن التدخّل التركي في سوريا. التهديدات التي شكّلها “تنظيم الدولة” و”حزب الاتحاد الديمقراطي” على الحدود التركية، أدّت إلى ازدياد الحديث حول ما إذا كان التدخّل في سوريا سيكون بتحالف أو بدون تحالف. التحرّكات التي قام بها حزب الاتحاد الديمقراطي ودعوته للغرب “بعدم السماح لتركيا بالتدخل في الشأن السوري”، جعلنا مضطرين لاتخاذ قرار حاسم خاصة وأن حزب العمال الكردستاني خرق الهدنة في منتصف شهر يوليو/تموز وأراد نقل الحرب إلى تركيا.
عندما بدأ التدخّل الروسي
في آخر أسبوع من شهر يوليو/تموز، قامت كل من تركيا والولايات المتحدة الأمريكية بمباحثات طويلة أفضت إلى اتفاق تم الإعلان عنه في وقته. حيث تم الإعلان عن أن أمريكا وقوات التحالف ستقوم بعمليات القصف الجوي على عناصر تنظيم الدولة في حين تتقدّم تركيا بطلب لإقامة منطقة عازلة بين الحدود السورية التركية. وكان الطرفان قد اتفقا على الخطوط العريضة والتفاصيل التقنية مع الاستمرار في المفاوضات.
وخلال نفس الفترة، كان سيقوم بشار الأسد بالاعتراف عبر وسائل الإعلام بأن نظامه يعاني من مشاكل مع الشعب وأن سوريا تعيش مأساة إنسانية كبيرة. وبحسب وسائل الإعلام آنذاك، فقد عبّر دبلوماسيون إيرانيون يعملون بشكل مباشر مع جيش النظام السوري بأنهم سيخسرون إن لم تأت روسيا لمساعدتهم. كما نقلت وسائل الإعلام كذلك الزيارة التي أجراها قائد جيش القدس الإيراني، قاسم سليماني إلى موسكو وما قام به من تحركات من أجل التوصّل إلى القيام بعمليات مشتركة بين إيران وروسيا في سوريا. بينما كان تنظيم الدولة يقصف “بالميرا”، لم يستطع بوتين الاستجابة لطلبات الأسد له بالمساعدة في المطارات العسكرية والضربات الجوية لكن المخاوف من التدخّل التركي في سوريا وتشكيلها تحالفا عسكريا، كان السبب في تسرّع بوتين وتفاعله مع المستجدات بشكل مباشر.
في شهر أغسطس/آب، بدأت روسيا بإرسال القوات والطائرات والدبابات والذخائر إلى قاعدة “حيميم” في اللاذقية. وأصبحت روسيا مشاركة في العمليات بشكل مباشر. إلى جانب ذلك، بدأت البارجات الحربية الروسية بالتحرّك من البحر الأسود نحو الجزء الشرقي من البحر الأبيض المتوسط. وفي منتصف شهر سبتمبر/أيلول، تم إنشاء غرفة عمليات مشتركة بين إيران وروسيا والعراق وسوريا في بغداد. غرفة العمليات هذه التي أُنشئت لمواجهة تنظيم الدولة قولا لا فعلا، لم تكن سوى تحالف جديد بقيادة روسيا. كما أن الضربات الروسية على سوريا بدأت بالتحديد في 30 سبتمبر/أيلول. لكن روسيا حينما تقوم بضرب تجمعات عناصر تنظيم الدولة في دير الزور واللاذقية، تقوم في الوقت نفسه بضرب قوات المعارضة والأهداف المدنية كالمستشفيات والمدارس وغيرها. كانت تتركّز الضربات الجوية الروسية على حماه وحمص وجسر الشغور بينما كانت قوات النظام وميليشيات حزب الله والميليشيات الشيعية الأخرى تتحرك نحو شمال سوريا باتجاه الحدود التركية. بعد ضرب النقاط الحساسة في اللاذقية وجبل الزاوية وجبل الأكراد، انتقلت الضربات الجوية الروسية بالتزامن مع تحرّك قوات الأسد باتجاه أسفل جبل التركمان.
الذرائع الروسية
وفي 24 نوفمبر/تشرين الثاني، وبعد أسبوع من لقاء أردوغان وبوتين مع قادة العالم في قمة العشرين، كانت الضربات الجوية الروسية مستمرة على جبل التركمان بكثافة وقامت الطائرات الحربية الروسية باختراق الأراضي التركية عدة مرات كما تم إسقاط طائرة حربية روسية من قبل القوات الجوية التركية. وكانت هذه العملية هي ذريعة بوتين التي ظل يبحث عنها لتكثيف العمليات العدوانية الروسية في سوريا. وكان من المتوقع أن تخف حدة العدوان الروسي في سوريا بعد قرار مجلس الأمن الدولي ومباحثات جنيف وانخفاض أسعار البترول إلى أدنى مستوى. لكن حدث عكس ذلك، فالقضية بالنسبة لروسيا أصبحت مسألة حياة أو موت. إذ إن المملكة العربية السعودية تسعى للإيقاع بالاقتصاد الروسي إلى مستنقع الإفلاس من خلال خفض أسعار النفط لمدة تصل إلى خمس سنوات. الكرملين الذي يعمل على طريقة صدام حسين أثناء غزوه للكويت من خلال الإصرار على التوسّع في الأرض، استباح الدماء في جبل التركمان مما تسبّب في تنامي حدة التوتر مع تركيا في عدة مجالات وسعى بالتعاون مع حزب الاتحاد الديمقراطي للاستيلاء على المنطقة التي تخطّط تركيا لجعلها منطقة آمنة.
وسيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي على سد تشرين الذي كان سابقا تحت سيطرة تنظيم الدولة كان أمرا يتعارض مع الخطة الأمريكية. لأن سيطرة حزب الاتحاد الديموقراطي على تلك المنطقة سيعيق فرار عناصر تنظيم الدولة إلى الرقة وهذا ما حدث بالفعل. في نفس الوقت، تحرّك حزب الاتحاد الديمقراطي من عرفين واشتبك مع قوات المعارضة في اعزاز. ومن جهة أخرى، لم يجد هذا الحزب الدعم من أمريكا في صراعه مع تنظيم الدولة في جرابلس وغرب الفرات، فطلب الدعم من روسيا للدفع بتنظيم الدولة نحو حلب، أي لمواجهة قوات المعارضة.
روسيا تستمر في قصف المدنيين
بينما تُبذل الجهود الحثيثة في جنيف من أجل التوصّل إلى هدنة إنسانية في سوريا، استمرت روسيا في ضرب المدنيين وقوات المعارضة واخترقت مقاتلاتها الحربية الأجواء التركية عدة مرات. وكان الاختراق هذه المرة في خط غازي عنيتاب-كيليس. حيث استنكرت كل من تركيا وقوات الناتو، هذا الاختراق الروسي الذي قامت به بعد ضرب قوات المعارضة السورية في حلب وعلى خط اعزاز –منبج. روسيا التي تتهم تركيا بالكذب، دعت في نفس الوقت حلف الناتو لعدم التدخل. الأدهى من ذلك، أن روسيا تدّعي الالتزام بالشروط المتعلقة بالحدود السورية التركية وتهدّد بأنها ستسقط الطائرات التركية لو أنها تعدّت الحدود السورية وكأن الأراضي السورية ملك لروسيا.
وهناك ما هو أبعد من هذا كلّه، فقد شرعت روسيا في تجهيز قاعدة جوية في القامشلي بعد أن بسطت يدها على قاعدة حميميم. ويُقال إن أمريكا بدأت بإنشاء قاعدة جوية على بعد 50 كم من تلك المنطقة. القضية السورية تحوّلت إلى منطقة صراع دولية محصورة في منطقة ضيقة قرب الحدود التركية. والحشد العسكري الروسي بالإضافة إلى الأعمال العدوانية التي تقوم بها روسيا في هذه المنطقة الضيقة، يزيد من حدّة المخاطر التي لا مفر منها. حيث أن روسيا تُظهر بوضوح استعدادها للدخول في حرب مع تركيا من أجل كسب الحرب في سوريا التي تُعتبر بالنسبة لها مسألة وجود.
مروة شبنم أورتش
تركيا بوست