في 2 شباط/فبراير، نجح الجيش السوري وحلفاؤه في قطع الطريق الشمالية بين مدينة حلب وتركيا والمعروفة بممر أعزاز. وعلى الرغم من أن المعركة كانت عملية محلية شارك فيها عدد صغير نسبياً من المقاتلين، إلا أنها قد تشكّل نقطة تحول في الحرب السورية. وهذا التطور الأخير لا يهدد وجود المتمردين في محافظة حلب فحسب، بل قد يضع الحدود التركية السورية المشتركة بأكملها تحت سيطرة القوات الموالية للأسد في غضون أشهر، أو يدفع القوات الكردية المتواجدة في المنطقة إلى تبنّي خيار التعايش مع الأسد.
قطع الممر الشمالي
انطلقت العملية العسكرية للسيطرة على ممر أعزاز من باشكوي (الضاحية الشمالية لحلب) ومن موقع تمركز الشيعة الموالين للنظام في بلدتي نبل- الزهراء. ويشارك «حزب الله» وميليشيتان شيعيتان مدعومتان من إيران – «كتائب بدر» العراقية وميليشيا «الدفاع الوطني» المحلية – كوحدات أساسية في المعركة على الأرض، وتواجه [هذه الوحدات] القوات المتمردة بقيادة «جبهة النصرة» التابعة لتنظيم «القاعدة»، والتي كانت قد أرسلت في السابق المئات من التعزيزات من منطقة إدلب.
يكمن الهدف الأول للمقاتلين الشيعة في رمزية الانتصار، أي الدفاع عن أبناء طائفتهم الشيعة ضد الإسلاميين السنّة الذين يريدون طردهم. وقد قاوم الموقع الصغير في نبل-الزهراء اعتداءات المتمردين طوال ثلاث سنوات فيما كان «حزب الاتحاد الديمقراطي» الكردي يحمي الجانب الغربي ويسمح بدخول إمدادات الغذاء إليه. وفي المقابل، كان الجيش السوري يحمي حي الشيخ مقصود الكردي في حلب من اعتداءات المتمردين. أما التعاون غير المباشر بين «حزب الاتحاد الديمقراطي» والجيش السوري فقد أصبح الآن تعاوناً مباشراً في وقت تشن فيه قواتهما هجمات ضد المتمردين في ممر أعزاز.
وفي شباط/فبراير 2015، فشلت محاولة لضم موقع نبل-الزهراء مع المنطقة الخاضعة لسيطرة الحكومة بشكل مأساوي بسبب النقص في الاستعدادات ووجود قوات غير كافية. وبعد ذلك، شنت القوات المتمردة هجوماً مضاداً واسعاً وسيطرت على إدلب ثم هددت حلب وحتى اللاذقية. واضطر بشار الأسد إلى طلب التدخل من روسيا دون أي شروط. وفي المقابل، جاء الهجوم الأخير بعد أسابيع من القصف الجوي الكثيف ضد دفاعات المتمردين، لا سيما على مركز باب السلام الحدودي مع تركيا الذي كان المتمردون يحصلون من خلاله على الكثير من امداداتهم.
ولا يبلغ عرض الممر الذي تسيطر عليه المعارضة بين حلب وتركيا سوى خمسة إلى خمسة عشر كيلومتراً، وينحصر بين قوات تنطيم «الدولة الإسلامية» شرقاً وإقليم عفرين الكردي غرباً. أمّا الجماعات المتمردة الرئيسية في هذه المنطقة، فهي «جبهة النصرة» و« أحرار الشام » وحركة “نور الدين الزنكي” و”لواء السلطان مراد” (وهي جماعة تركمانية قريبة جداً من تركيا). وتنضوي هذه الجماعات رسمياً تحت منظمة مظلة للثوار هي تنظيم «جيش الفتح» الذي تدعمه المملكة السعودية وتركيا. لكن منذ حملته العسكرية الناجحة في ربيع 2015، عانى التنظيم من انشقاقات داخلية كبيرة. فقد خاض « أحرار الشام» مؤخراً معارك ضد «جبهة النصرة»، بينما انسحبت جماعة “نور الزنكي” من ضواحي حلب، فيما يقاتل “لواء السلطان مراد” قوات تنطيم «الدولة الإسلامية»، وليس قوات الأسد.
وقد ضعف ممر أعزاز بشكل خاص بعد أن تمكنت “قوات سوريا الديمقراطية”، وهي تحالف قوات كردية وعربية تحت مظلة «حزب الاتحاد الديمقراطي»، من استلام زمام الأمور في وجه المتمردين وبدأت بالتقدم غرباً في الأسابيع الأخيرة وراحت تقترب من طريق حلب-أعزاز. واستفادت “قوات سوريا الديمقراطية” من قصف القوات الروسية على خطوط المتمردين فضلاً عن إمدادات السلاح المباشرة لها من روسيا. وفي 4 شباط/فبراير، أعلنت الجماعة فرض سيطرتها على بلدتين شمال نبل-الزهراء هما الزيارة والخربة. وفي ضوء هذه التطورات، فإن الانتصار الأخير للجيش السوري يبدو وكأنه يصب في مصلحة الأكراد القادرين على التقدم في الناحية الشمالية من ممر أعزاز، بينما تكتفي قوات النظام وحلفاؤها بتعزيز موقعها حول حلب بدلاً من التقدم باتجاه الممر.
إغلاق الحدود الغربية
بعد أن تم قطع الطريق الشمالية حالياً، فإن الطريق من حلب إلى معبر باب الهوى الغربي الخاضع لسيطرة المتمردين قد تشكّل الهدف التالي. وعلى خط موازٍ من عملية أعزاز، شن «حزب الله» هجمات في الضواحي الشمالية لحلب لقطع الطريق التي تعرف بـ “الكاستيلو” التي تصل من خلالها الإمدادات إلى الأحياء الشرقية حيث ينتشر المتمردون. ولكن هذا الهجوم لم يكن بالوحشية التي تميّز بها الهجوم في الشمال نظراً لطبيعة الأرض الجغرافية التي تجعل من الصعب السيطرة عليها إذ تشكّل كثافة المباني السكنية عائقاً أمام تقدّم الدبابات. ولن يحاول النظام وحلفاؤه استعادة تلك المنطقة بسرعة لا سيما وأن خطر الخسائر الضخمة نتيجة حرب المدن كبير جداً. لذلك، فإن الحل الأفضل هو تطويقها والانتظار، مما سيتيح الوقت أمام عشرات آلاف المدنيين الذين ما زالوا في شرق حلب بالفرار منها. هذا ويفر الكثير من المقاتلين أيضاً ربما خوفاً من ألا يتمكنوا من الانسحاب بعد تطويق المنطقة وحصارها بشكل كامل كما حدث في حمص في ربيع 2014.
وفي غضون ذلك، يرجح أن تركز الجهود السورية والروسية على مناطق الريف غرب حلب، إذ أصبح من الممكن الآن شن هجوم من الزهراء على المتمردين شمال غرب حلب ودعم هجمات مماثلة من الناحية الجنوبية الغربية، حيث حقق الجيش تقدماً كبيراً منذ تشرين الأول/أكتوبر الماضي. لكن من غير المرجح أن تدخل قوات الأسد المناطق الحضرية الكثيفة السكان، بل قد تتجه إلى الميدان المفتوح وتلجأ لقطع خطوط التواصل للمتمردين. وربما يركز الجيش والقوات المتحالفة معه في الأشهر المقبلة على السيطرة على قسم كبير من الحدود الغربية بين باب الهوى وجبل التركمان في محافظة اللاذقية شمال البلاد.
وفي الوقت نفسه، قد يهاجم «حزب الاتحاد الديمقراطي» المنطقة الحدودية البالغ طولها 90 كيلومتراً بين أعزاز وجرابلس شمالاً، والتي يسيطر عليها حالياً تنظيم «الدولة الإسلامية» وهو ما يتوافق مع استراتيجية الحزب التي تسعى لربط الموقعين الكرديين عفرين وكوباني (عين العرب) ببعضهما البعض. وخلافا للولايات المتحدة، لا تريد روسيا معاداة الأكراد من خلال إحباط هدفهم السامي الذي يكمن بتوحيد أرضهم. إضافة إلى ذلك، يريد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ممارسة الضغط على الجبهة الحدودية التركية المشتركة بأكملها مع سوريا، والتي تشكل أحد الأهداف الإقليميية الرئيسية للتدخل الروسي. أمّا إذا نجح «حزب الاتحاد الديمقراطي» والقوات الموالية للأسد في هجوميهما المنفصلين، فستصبح المنطقة الحدودية بأكملها تحت سيطرتهم ولن يبقى للقوات المناوئة للأسد، أكانت المتمردين أو تنظيم «الدولة الإسلامية»، منفذاً إلى تركيا.
إطلاق حملة مضادة أو فتح جبهة جديدة؟
منذ أيلول/سبتمبر، تُركز استراتيجية موسكو على ثلاثة أهداف: الأول هو حماية المنطقة العلوية الساحلية حيث نشرت روسيا قواعدها اللوجستية، والثاني تعزيز موقع الأسد ودفع المتمردين بعيداً عن المدن الكبرى، حمص وحماة واللاذقية وحلب ودمشق، والثالث قطع خطوط الإمدادات الخارجية للمتمردين.
وقد تم تحقيق الهدفين الأولين إلى حد كبير: فلم تقع هجمات على اللاذقية أو طرطوس التي يمكن أن تهدد القواعد الروسية فيها، كما لم تقع أي مدينة كبرى تحت سيطرة المتمردين. وعلى العكس من ذلك، أخلى المتمردون حي الوعر بحمص في كانون الأول/ديسمبر بعد أن يئسوا من وصول أي مساعدة.
والآن وبعد أن قُطعت طريق أعزاز، فقد تم الوصول إلى نصف الطريق نحو تحقيق الهدف الثالث. ويبدو أن روسيا وحلفائها قادرين على تحقيق طموحاتهم، فالضعف في القوة البشرية الذي يتخبط فيه جنود الأسد يعوّض عنه التفوق الجوي الكلّي وتعزيزات الميليشيات الشيعية.
إلا أن كلاً من تركيا والسعودية قد لا تقف مكتوفة الأيدي في ضوء التقدّم الروسي-الإيراني الكبير في سوريا. على سبيل المثال، قد تشكلان تنظيماً جديداً للمتمردين يشبه مظلة «جيش الفتح» و/أو ترسلان صواريخ مضادة للطائرات لبعض الكتائب. وثمة خيار آخر هو فتح جبهة جديدة في شمال لبنان حيث قد تنخرط الجماعات السلفية المحلية وآلاف اللاجئين السوريين المحبطين في القتال. ومن شأن هذه الخطوة أن تهدد معقل الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الأسد في طرطوس وحمص بشكل مباشر، وتهدد أيضاً الطريق الرئيسي إلى دمشق. وقد يؤدي ذلك أيضاً إلى تطويق قوات النظام، وقطع طرق التواصل والامدادات والتمويل لـ «حزب الله» بين لبنان وسوريا. أمّا السؤال الذي يطرح نفسه هنا، فهو: هل تملك الرياض وأنقرة الوسائل والإرادة للمضي في هذا المسار الجريء والخطير؟
أياً كان الأمر، ففي ظل غياب أي تطور نادر آخر، من الصعب أن يتمكن المتمردون من مواجهة الماكنة الحربية الروسية-السورية-الإيرانية أو التصدي لها. إن النجاحات الأخيرة في حلب تضع بوتين وسط رقعة الشطرنج السورية وتدحض توقعات بأن التدخل الروسي لن يحدث فرقاً يذكر أو قد يوقع موسكو في فخ مستنقع آخر.
فابريس بالونش
معهد واشنطن