اضطرت طهران مرة أخرى إلى تأجيل عقد مؤتمر للكشف عن عقود الاستثمار في صناعة النفط والغاز الإيرانية، في محاولة لجذب شركات النفط العالمية.
وأرجع المراقبون سبب تأجيل المؤتمر الذي كان مقررا في 22 فبراير الجاري، إلى المشاحنات السياسية التي تواصل عرقلة خطط إحياء قطاع الطاقة المعزول عن العالم منذ عقود.
وتم إرجاء المؤتمر خمس مرات بسبب العقوبات، لكن في هذه المرة يبدو أن خلافات داخلية حول هيكل العقود منعت أي إعلان عن الشروط التجارية، وقد تكون الصراعات السياسية في إيران من بين أهم الأسباب.
وفي حين عزت طهران قرارها “المفاجئ” إلى عقبات في الحصول على تأشيرات لدخول بريطانيا للمندوبين الإيرانيين لحضور المؤتمر الاقتصادي، أشار مسؤولون غربيون يعملون في قطاع النفط إلى أن الأمر على العكس من ذلك. وأكدوا أن الصراع بين المحافظين والإصلاحيين، قبيل انتخابات البرلمان ومجلس الخبراء أواخر فبراير الجاري، ربما يفسر سبب هذا التأجيل.
وقال مسؤول نفطي أجنبي إن “هناك مشاحنات داخلية شديدة حول العقود الجديدة، طهران لم تعرض علينا الصيغة النهائية للعقود حتى الآن. لم يتم إقرار أي شيء بشكل نهائي”.
52 مشروعا نفطيا تطمح إيران إلى جذب شركات الطاقة العالمية للاستثمار فيها
وكان مسؤول إيراني كبير بقطاع النفط قد قال لرويترز في نوفمبر الماضي إن “عقود النفط الإيرانية التي تغطي نحو 52 مشروعا ستتضمن شروطا مرنة تأخذ في الاعتبار تقلبات أسعار النفط ومخاطر الاستثمار”.
وتعتبر شركات الطاقة العملاقة، وفي مقدمتها بي.بي البريطانية وتوتال الفرنسية وإيني الإيطالية ولوك أويل الروسية من بين 135 شركة حضرت مؤتمرا في طهران، في نوفمبر الماضي، للاطلاع على العقود الجديدة.
أما الشركة البريطانية الهولندية “شل” فقالت إنه من المبكر جدا التصريح بما إذا كانت ستستثمر من جديد أم لا، بعدما كانت تمتلك مشاريع نفط بحرية في إيران قبل العقوبات الدولية. ويبدو أنها متخوفة من المناخ السياسي الطاغي على كل جوانب الحياة في إيران.
لكن المسؤولين التنفيذيين الذين كانوا يتوقعون رؤية نماذج للعقود لم يتلقوا سوى بيانات عن الحقول المعروضة للاستثمار وبعض العروض العامة عن الشكل الذي ستكون عليه الصفقات الجديدة.
ويرفض المعارضون المتشددون للرئيس الإيراني حسن روحاني، الذي ينتهج سياسات عملية العقود الجديدة بقوة قائلين إنها تتعارض مع الدستور، حيث ينص على أن احتياطيات إيران من الموارد الطبيعية لا يمكن أن يتملكها أجانب. وينتقد المحافظون أيضا الاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه في يوليو الماضي مع القوى العالمية الست وأدى إلى إقرار رفع العقوبات.
وفي محاولة للتصدي للانتقادات، رفض وزير النفط الإيراني بيجن زنغنه الدعوات “غير المنطقية” لمنع مشاركة شركات الطاقة الأجنبية، مصرا على أن نماذج العقود الجديدة لا تعتبر خيانة بحسب ما ذكرته وكالات الأنباء الإيرانية، الثلاثاء.
وتقول مصادر إيرانية في قطاع النفط إن المتشددين يريدون أن يكون لهم دور أكبر في نظام التعاقد تحدد بموجبه وزارة النفط شركات إيرانية معينة لتصبح شركاء للشركات الأجنبية. ويتوقع رجل أعمال إيراني في مجال النفط المزيد من المشاكل لزنغنه وشركة النفط الوطنية الإيرانية في أعقاب الانتخابات التي ستجرى في الـ26 من فبراير الحالي.
وقال رجل الأعمال “ربما يزداد الموقف صعوبة أمام شركة النفط الوطنية ووزير النفط في المفاوضات مع الشركات الأجنبية بعد الانتخابات البرلمانية نظرا لأن هناك ضغوطا متزايدة من المتشددين”. وأكد أنه (وزير النفط) “لا يريد المتشددون إقصاءهم من صنع القرار في قطاع النفط. يريدون أن يشاركوا في المناقشات”.
ومع ذلك، يرى الخبراء أن طهران ستحرص على جلب الشركات الأجنبية للاستثمار في قطاع النفط، لكن الأمر لا يخلو من مجازفة إذ أن الشركات قد تواجه مشاكل إذا ما قررت الدخول في السوق الإيرانية، في ظل تواصل التجاذبات السياسية التي لا يبدو أنها ستنتهي.
وكانت طهران تسعى من خلال المؤتمر إلى الحصول على موطئ قدم لها من أجل العودة بقوة إلى سوق النفط منذ أن رفع قسم من الحظر الدولي عنها، الشهر الماضي، لجلب الاستثمارات الأجنبية إلى قطاع الطاقة الخامل.
وتشكل عقود النفط والغاز الجديدة حجر الزاوية في خطط إيران، العضو في منظمة أوبك، لزيادة إنتاج الخام إلى مستوياته قبل العقوبات والتي كانت تبلغ 4 ملايين برميل يوميا، إضافة إلى حاجة البلد الملحة لاستثمارات أجنبية بنحو 200 مليار دولار للوصول إلى هذا الهدف.
وفي مناورة منها للالتفاف على العوائق التي تمنعها في زيادة إنتاجها، كشفت طهران، الخميس، عن خطط لبيع خامها الثقيل إلى آسيا بأكبر خصم عن الخام العربي المتوسط السعودي منذ 2008، ما يعكس استعدادها للإلقاء بآخر أوراقها للوصول إلى مبتغاها.
ويراقب كبار منتجي النفط في العالم ولا سيما في منطقة الشرق الأوسط عن كثب استراتيجية إيران مع توقع تنامي صادراتها النفطية إلى سوق متخمة منذ عام ونصف العام بالمعروض.
وأدت العقوبات التي فرضت في 2003 على برنامج إيران النووي إلى فقدانها مليارات الدولارات. وتريد طهران الآن من شركات الطاقة الأجنبية إحياء حقولها النفطية العملاقة القديمة وتطوير حقول جديدة للنفط والغاز من خلال مشروعات مشتركة مع شركاء إيرانيين.
صحيفة العرب اللندنية