من دون حماس ومع عزوف شبابي عن الاهتمام، شهدت إيران في 26 فبراير 2016، عمليتي انتخاب متزامنتين: إحداها لـ”مجلس الشورى” (البرلمان)، والأخرى لـ”مجلس الخبراء”.
ويعتبر مجلس خبراء القيادة الهيئة الأساسية في النظام الذي عهد إليها الدستور مهمة عزل أو تعيين قائد الثورة الإسلامية، ويكتسب اليوم أهمية استثنائية لدوره المفترض في المدى المنظور في اختيار خليفة المرشد الأعلى علي خامنئي.
ومما لا شك فيه أن هذا التمرين الذي يأتي بعد سبعة أشهر ونيف على توقيع اتفاق فيينا النووي، سيمثل اختبارا أراده المرشد استفتاء مبايعة، بينما كان الكثير في الغرب يتوهم أنه سيكون مناسبة لإثبات التحول باتجاه التغيير بالتزامن مع الانفتاح الاقتصادي. لكن الإشارات الأولى تدل على أن هذا التصويت لم يكن حدثا بحد ذاته، ولن يترك أثرا ملموسا على صنع القرار في طهران.
ومن خلال تجربة الرئيس الأسبق محمد خاتمي، وانتفاضة الحركة الخضراء في 2009، وبناء على مراقبة آليات النظام وعمله، يتضح أن الولي الفقيه، أي المرشد الأعلى، هو صاحب السلطة الفعلية وكل ما يجري من عمليات انتخابية أو نقاشات لا تغير في واقع الحال وفي طبيعة النظام الثيوقراطية وشبه الشمولية. وهذه المرة أيضا من خلال مقص مسار انتقاء مرشحي مجلس الشورى عبر استبعاد كثيف لمرشحي ما يسمّى بالمعتدلين، ومن خلال مصفاة “مجلس صيانة الدستور” جرى الإبقاء على 166 مرشحا من أصل 800 وذلك لاختيار 86 عضوا في مجلس الخبراء لمدة ثماني سنوات.
وبانتظار ذلك، ومع أن جميع المرشحين هم من داخل النظام لاحظنا كيف تم شطب معظمهم بقرار أوحى به مكتب القائد. وأثبت رد فعل الرئيس حسن روحاني تجاه عملية الإقصاء الواسعة عدم قدرته على تغيير الوضع ولو أن لديه رغبة في ذلك، ويلزمه الحفاظ على موقعه للتأقلم مع الأمر الواقع.
لكن وضع رفسنجاني بعد إنذار من خطر حصول “ثورة على الثورة” وبقاء ذلك من دون صدى حتى اليوم، وتأقلم روحاني، لا يعني أن المرشد في وضع أفضل. إذ أن تراجع النظام عن السعي لإنتاج القنبلة النووية (على الأقل لمدة من 10 إلى 15 سنة إذا طبق الاتفاق بحذافيره) والسير نحو مصالحة “الشيطان الأكبر”، تركا انتكاسات على الهيمنة المشددة للمرشد وأصبح موضوع خلافته مطروحا للنقاش. ويبدو بحسب مصدر إيراني محايد، أن تحذير رفسنجاني ليس معزولا، والبعض من القيادات الأمنية يَخشى من اضطرابات نتيجة سقوط أوهام الشباب الذي أخذ ييأس من التغيير من داخل النظام بعد عملية إقصاء المنافسين الانتخابيين بشكل استباقي، ونتيجة غياب آفاق تحسين الأوضاع الاجتماعية، مما يمكن أن يقود إلى احتجاجات أكبر من تلك التي جرت في 2009.
وتحت ستار تحفيز الشعور الوطني ضد الخطر الخارجي وخلال مرحلة التفاوض، لم يكن من المسموح قيام معارضة، وجرى تخدير المجتمع منذ 2013 موعد وصول روحاني بانتظار نتائج هرولة الغرب نحو الإلدورادو الإيراني. لكن استمرار التحركات والتدخلات الإيرانية في أكثر من مكان في المحيط، يعني تصميم النظام المتعمد على أن يكون الاتفاق النووي رخصة لعب دور الشرطي الإقليمي وليس بالضرورة وفق الرهان الأوبامي، بل وفق المصلحة العليا لهذا النظام، وما السعي نحو المزيد من العلاقة مع روسيا بوتين سوى دليل على استمرار نهج لا يحترم القواعد التقليدية في العلاقات الدبلوماسية والدولية، ويسعى للحفاظ على هلال المشروع الإمبراطوري من الخليج إلى البحر الأبيض المتوسط.
ومن الواضح أن استمرار الانغماس الخارجي، يشكل غطاء لاستمرار تطويع الداخل. بيد أن تراكم الخيبات واستمرار تقييد الحريات (حظر على أجهزة التواصل الاجتماعي من تويتر بطل انتفاضة 2009 إلى فيسبوك، ووحده إنستغرام لغاية الآن يشذ عن القاعدة) وعدم اعتقاد الناس بجدوى الانتخابات، كلها عوامل دفعت المرشد خامنئي إلى إصدار تكليف شرعي يحث الأفراد والعائلات على المشاركة لأن وجود المراسلين الأجانب (لمدة خمسة أيام فقط) ربما يكشف الأرقام الفلكية التي كانت تنشر عن المشاركات السابقة.
الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي يزور هافانا قريبا، لن ينعم على الأرجح بزيارة طهران خلال وجوده في البيت الأبيض، وهو الذي أخذ يشهد على صعوبة نجاح رهانه حيال تغيير هذا النظام، إن وفق نموذج غورباتشوف أو على أساس النموذج الصيني. وعلى العكس من ذلك تستمر القبضة الحديدية في الداخل، وإرسال القوات إلى سوريا، واستمرار نهج زعزعة الاستقرار الإقليمي.
ومن خلال الترتيبات المسبقة لهذه الانتخابات، تتواصل سيطرة المرشد على مجلسي الشورى والخبراء. لكن هذه الممارسات لن تمنع من تحرك الجمر تحت الرماد على ضوء حركات احتجاج القوميات المقموعة والفئات المهمّشة وازدياد الامتعاض عند قطاع كبير من المواطنين واحتدام صراعات النظام الداخلية.
ومع اقتراب خريف حكم “ولاية الفقيه” (بسبب العامل البيولوجي أو السياسي) وفي مواجهة سيناريو الغضب الداخلي، تزداد فرص الهروب إلى الأمام في التوتر الإقليمي.
د.خطار أبو دياب
صحيفة العرب اللندنية