روسيا و«أوبك»… شراكة صعبة

روسيا و«أوبك»… شراكة صعبة

opec_russia_290116

تُعرَف روسيا بسيرتها الغنية بالمواقف، المشجعة تارةً على جعل دول «أوبك» تخفض أسعار النفط المتدنية أصلاً، وبإطلاقها طوراً وعوداً بالحد من صادراتها من دون أن تعمل لتنفيذ هذه الوعود. مثلاً، تراجع سعر النفط في 1998، إثر قرار اتخذته «أوبك» في 1997 بزيادة إنتاج النفط، وتزامن ذلك مع تراجع مستويات الطلب على النفط في أعقاب الأزمة المالية في آسيا وروسيا. وآنذاك، هبط سعر النفط من ذروة بلغت 25 دولاراً للبرميل مطلع 1997، إلى أقل من 10 دولارات للبرميل آخر 1998، ما جعل «أوبك» تطالب بفرض قيود على إنتاج الدول المنتسبة إليها وتلك لا تشكل جزءاً منها.

وصدر في آذار (مارس) 1999 إعلان عن «أوبك»، وعن أربع دول غير منتسبة إلى المنظمة (النرويج، وروسيا، والمكسيك، وعُمان) بخفض إنتاجها النفطي بواقع 2.1 مليون برميل يومياً، على أن تساهم الدول غير المنتسبة إلى «أوبك» في هذا التخفيض بواقع 388 ألف برميل، مع الإشارة إلى أن روسيا، حتى هي، وعدت بخفض إنتاجها بنسبة سبعة في المئة (أي بنحو 100 ألف برميل يومياً)، لكن الإنتاج الروسي واصل ارتفاعه في الواقع في صورة مستدامة للفترة المتبقية من العام.

خلال 2001، نشبت أزمة جديدة مع انخفاض الأسعار من 36 دولاراً للبرميل في أعقاب هجمات 11 أيلول (سبتمبر)، وبلغت حداً أدنى وصل إلى 20 دولاراً للبرميل مع تواصل تدهور الوضع الاقتصادي حول العالم. ووعدت «أوبك» بخفض إنتاجها بواقع 1.5 مليون دولار يومياً، لكن فقط إن قامت الدول غير المنتسبة إليها بخفض إنتاجها مجدداً، بما يعادل مجموعه 500 ألف برميل يومياً هذه المرة. وهنا، كانت مطالبة «أوبك» بالحصول على دعم الدول الأخرى موجهاً في معظمه إلى روسيا. وكان مجمل الإنتاج الروسي ارتفع من حد أدنى يقل عن ستة ملايين برميل يومياً في كانون الثاني (يناير) 1999 إلى ما لا يزيد على 7.3 مليون برميل يومياً في تشرين الثاني (نوفمبر) 2001، ما أرغم «أوبك» على التنازل عن حصة في السوق العالمية.

بيد أن النرويج، التي بلغ إنتاجها 3.4 مليون برميل يومياً، كانت وعدت بخفض إنتاجها بما يتراوح بين 100 و200 ألف برميل يومياً، في حين أن روسيا التي زاد إنتاجها بواقع الضعف كانت عرضت في الأساس خفض إنتاجها بما لا يزيد على 30 ألف برميل يومياً. وبالتالي، اجتمع مسؤولو النفط الروس بميخائيل كاسيانوف، الذي كان آنذاك رئيس وزراء روسيا، في آذار (مارس) 2002، واتفقوا على خفض الإنتاج الروسي بواقع 150 ألف برميل يومياً، مع أن المعيار الفعلي المعتمد لخفض الإنتاج لم يكن واضحاً آنذاك. وعلى رغم صدور مزيدٍ من الوعود عن نائب رئيس الوزراء فيكتور خريستنكو، اكتفت الشركات مجدداً بتجنب نظام «ترانسنفت» الرسمي وأخرجت النفط من الدول باعتماد طرق أخرى – على غرار القطارات، ومراكب النقل، والشاحنات – في ظل ارتفاع الإنتاج والصادرات بنحو 300 ألف برميل يومياً على امتداد الأشهر الستة التالية.

وشهد العامان 2008 و2009 ثاني أكبر انخفاض لأسعار النفط عن ذروة بلغت 147 دولاراً للبرميل، إلى حد أدنى وصل إلى 39 دولاراً للبرميل في فترة لا تتعدى ستة أشهر، ما حفز مزيداً من التفاعل بين روسيا و»أوبك». والأهم في هذه المناسبة هو أن إيغور سيتشين، الذي كان آنذاك نائب رئيس مجلس وزراء مسؤولاً عن الطاقة، بقي يشجع على خفض إنتاج «أوبك»، من دون أن يقدم أي وعود بالمساعدة من الجانب الروسي، زاعماً أن روسيا خفضت إنتاجها وصادراتها خلال 2009، مع أن الواقع يشير إلى أن مبيعاتها إلى الخارج ارتفعت بواقع 700 ألف برميل يومياً.

واضح أن روسيا اعتمدت على مر التاريخ سياسة ثابتة تعتمد السعر المطروح من دون المناقشة عندما يتعلق الأمر بسوق النفط، واعتبرت أن «أوبك»، خصوصاً السعودية، ستكون أول من يقوم برد فعل ويقلص الإنتاج بهدف إعادة التوازن إلى السوق. وتعزو روسيا سبب موقفها هذا إلى تأكيد شركات النفط الروسية على أن قدرتها على تعديل كميات النفط المتدفقة محدودة بالجغرافيا، إذ أن تقليص الإنتاج من الآبار في ظل درجات حرارة جليدية متدنية جداً في سيبيريا قد يؤدي إلى أضرار كبيرة لا يمكن معالجتها بسهولة. لكن واضح أيضاً أن الحكومة الروسية تفضل مواجهة «أوبك» تراجع الأسعار بتقليص إنتاجها بدلاً من القيام بنفسها بترتيبات معقدة بين الشركات الخاصة المتعددة.

ووُضِع حد لهذا الجدال مرة أخرى خلال الأشهر الماضية، عندما عارض مجدداً إيغور سيتشن، الرئيس التنفيذي لشركة «روسنفت»، وهي أكبر منتج للنفط في روسيا، تقليص الإنتاج الروسي، عازياً السبب إلى المشاكل العملية بالإضافة إلى شركات النفط الخاصة التي تشكل حاجزاً أمام التدخل الحكومي. إلا أن هذه الحجة مخادعة بعض الشيء إذ أن الدولة تسيطر على ما يزيد على 50 في المئة من الإنتاج من خلال حصصها في «روسنفت» و»غازبرومنفت» و»باشنفت».

وعلى خلفية تاريخ روسيا الحافل بعدم تقيدها بالوعود التي تقطعها لـ «أوبك»، ليس مفاجئاً أن تنظر السعودية، العضو الأكثر أهمية في «أوبك»، إلى أي اقتراح لعقد اجتماع يناقش خلاله تقليص الإنتاج بكثير من الشك والحذر. ضروري أخذ إطار السياسة العامة السعودية حيال إدارة سوق النفط في الاعتبار. ولطالما كان واضحاً منذ بداية تراجع أسعار النفط الحالي أي منذ تشرين الثاني (نوفمبر) 2014 أن السعودية لن تقلص إنتاج النفط من تلقاء نفسها، وأن أي تقليص للإنتاج يجب أن يكون نتيجة جهد جماعي بالتعاون بين الدول المنتجة من «أوبك» ومن خارجها.

قد تكون آفاق التعاون مع العراق وإيران متشعبة، لكن أساس التعاون واضح جداً ضمن إطار «أوبك». إلا أن الأكثر تشعباً هو فهم المنظار الروسي، خصوصاً بسبب الإشارات غير الواضحة التي بعثت بها الحكومة الروسية. ولا يقتصر الأمر على أن للشركات الخاصة الروسية دوافع مختلفة تبعاً لمستويات الاستثمارات الحديثة، فالوزراء في الحكومة لديهم أيضاً آراء متضاربة.

ونظراً إلى عدم الوضوح في هذه المسألة، يزيد تاريخ روسيا الحافل بوعود تقليص إنتاج النفط وعدم الالتزام بها في ما بعد من حال عدم الثقة بأي تسوية كان من الممكن التوصل إليها. وعلاوةً على ذلك، من شبه المستحيل بالنسبة إلى السعودية أو «أوبك» مراقبة أي تقليص تعد به روسيا، أو العمل بأي اتفاق ما لم يجرِ التقيد به.

جيمس هاندرسون وبسام فتوح

نقلا عن الحياة