استقطاب مأمول: لماذا توسعت حكومات الإقليم في تنمية المناطق المهمشة؟

استقطاب مأمول: لماذا توسعت حكومات الإقليم في تنمية المناطق المهمشة؟

4408

تُسارع دول عديدة بمنطقة الشرق الأوسط في الآونة الأخيرة لإنجاز مخططات طموحة لتنمية المناطق المهمشة اقتصاديًّا، والتي في الوقت نفسه إما تشهد نزاعات مسلحة، أو توترات سياسية مزمنة. وعلى ما يبدو فإن الجهود التي بذلتها حكومات الإقليم، مثل تركيا، لتنمية جنوب شرق البلاد، أو تونس لتنمية المناطق الحدودية، أو المغرب لتنمية الصحراء الغربية؛ تأتي في إطار رغبتها بصفة أساسية في تخفيف حدة التوترات السياسية أو النزاعات المسلحة القائمة بهذه المناطق.

وتسعى تلك الحكومات من خلال هذه الجهود إلى تحييد مشاركات الجماعات المحلية في أية انتفاضات محتملة، أو الدخول في صراعات مسلحة مع الدولة. بيد أنه ينبغي العلم بأن نجاح مثل هذه المخططات يخضع لعدة اعتبارات تتصل بتوفير التمويل اللازم لها، والأكثر أهمية في هذا الصدد ربما تحقيق المستوى الأمني المطلوب من أجل دفع عملية التنمية الاقتصادية بهذه المناطق، وهى أمور من الصعوبة توفيرها في الوقت الراهن نظرًا للضغوط المالية والأمنية التي تتعرض لها الدول السابقة بشكل مؤثر.

مظاهر التفاوت:

واقع الأمر إن بعض الأقاليم الداخلية لدول المنطقة تبدو أكثر توترًا من الناحية السياسية والأمنية مقارنة ببقية مناطق الدولة. ولعل السمة الرئيسية التي تجمع هذه المناطق انخفاض مستويات التنمية الاقتصادية بها، وتفاوت التنمية الاقتصادية بشدة عن بقية أجزاء الدولة. فولاية القصرين التونسية التي انطلقت منها احتجاجات شعبية كبيرة في يناير 2016، هى إحدى ولايات الداخل التونسي، والتي يرتفع فيها معدل الفقر أربعة أضعاف متوسط المعدلات في المناطق الساحلية بحسب البنك الدولي. وبالمثل، فإن المحافظات التي تقع في شرق وجنوب شرق تركيا، والتي يقطنها الأكراد، هى الأقل تنمويًّا دون غيرها من المحافظات التركية، وبناء على تقديرات معهد الإحصاء التركي، يقع قرابة 33.8% من فقراء البلاد في عام 2014 بالمناطق السابقة. والأمر نفسه يتكرر في الحالة المغربية؛ حيث تُشير بعض التقديرات إلى أن نحو 50% من سكان منطقة الصحراء الغربية يقعون تحت خط الفقر.

متغيرات جديدة:

كما هو معلوم، تبدو ظروف إقليم الشرق الأوسط محاطةً بكثير من المخاطر السياسية والاقتصادية والاجتماعية على حد سواء منذ اندلاع الثورات العربية في عام 2011، وذلك إما بسبب صعود الجماعات الإرهابية مثل “داعش” من ناحية، وتعقد فرص تسوية النزاعات المسلحة في كلٍّ من العراق وسوريا من ناحيةٍ أخرى. وكنهج وقائي، تحاول حكومات الإقليم اتخاذ المدخل التنموي نهجًا عامًّا في محاولة منها قد تنجح إما لاستقطاب الجماعات المحلية ذات المطالب الفئوية أو السياسية أو الاقتصادية أو الحقوقية، أو تحييد دورها على أقل تقدير بشكل مؤقت. وفي غضون الشهور الماضية، أظهر إقليم الشرق الأوسط عدة حالات للعنف السياسي والاحتجاجات والتوترات الأمنية بمناطق ما يمكن تسميتها الهشة سياسيًّا واقتصاديًّا. ففي يناير الماضي، انطلقت احتجاجات شعبية بتونس من محافظة القصرين الحدودية إلى باقي المحافظات التونسية تطالب بتحسين المستوى المعيشي، وتوفير الوظائف. بينما تركيا هي الأخرى، كما هو معرف، تواجه في الوقت الراهن نزاعًا مسلحًا مع حزب العمال الكردستاني، والذي على إثره انهارت عملية السلام التي بدأتها الحكومة التركية مع الحزب في عام 2013. فيما تعزز المغرب أيضًا من جهودها التنموية في إقليم الصحراء الغربية من أجل مواجهة جبهة البوليساريو التي تُصعِّد من مطالبها بالاستقلال.

جهود التنمية: 

تُسارع عدة حكومات بالإقليم لإنجاز مخططات تنموية أعلنت عنها في الشهور الماضية. فقد أطلقت المغرب في نوفمبر 2015 استراتيجية تنموية لتنشيط اقتصاد الصحراء المغربية بقيمة 77 مليار درهم مغربي، أى ما يعادل 7.8 مليارات دولار. وتنفيذًا لهذا المخطط، من المتوقع أن تضخ الحكومة المغربية في المستقبل القريب استثمارات بقيمة 1.85 مليار دولار لتنمية قطاع الفوفسات بالصحراء الغربية.

ومع تصاعد حدة النزاع بين حزب العمال الكردستاني والحكومة التركية؛ تعهَّد رئيس الحكومة التركية أحمد داود أوغلو مؤخرًا باستثمار 8.8 مليارات دولار في محافظات جنوب شرق تركيا التي يقطنها الأغلبية الكردية. وفي إشارة هامة لمعالجة خسائر النزاع الدائر، من المتوقع أن تقوم مؤسسة إدارة التنمية السكنية في تركيا بإنشاء ما يزيد عن 43 ألف وحدة سكنية تعويضًا عن المنشآت المدمرة.

 وخلال الاحتجاجات الشعبية الأخيرة، أقرت الحكومة التونسية حزمةً من الإجراءات من أجل احتواء غضب المحتجين، لعل أهمها استيعاب 5000 عاطل عن العمل ضمن برامج التشغيل الحكومية، وكذلك دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة بولاية القصرين.

وظائف متعددة:

من دون شك، فإن التوجه التنموي للدولة قد يلعب -نظريًّا- دورًا هامًّا في تخفيف حدة التوترات السياسية القائمة. وكما هو معروف فإن ضعف دور الدولة التنموي أو فشلها في توفير الخدمات العامة يؤدي إلى تآكل شرعية السلطة. ومن هذا المنطلق، فإن المدخل التنموي الذي يُعد مظهرًا من مظاهر الدور السيادي للدولة، قد يُساهم في استقطاب الجماعات المحلية، والتخفيف من حدة ثورتها على أقل تقدير. ويتصل بذلك بكون المدخل التنموي يُقدِّم رسالة شديدة الأهمية لسكان المناطق الهشة باتجاه الدولة لدمجهم في معطيات القرار السياسي والاقتصادي، وفي الوقت نفسه يعمل على الحد من الأنشطة غير المشروعة كالتهريب وتجارة المخدرات وغيرها من الأمور التي تمارسها الجماعات المحلية هناك. علاوة على ذلك، يسمح للدولة بتعزيز نفوذها ويحافظ على العمق الاستراتيجي للسلطة داخل كافة أجزاء الدولة.

معايير النجاح:

من أجل نجاح الأطروحات التنموية المعروضة سابقًا ينبغي الأخذ في الحسبان الاعتبارات التالية:

1-استقرار الأمن: من دون شك فإن ضمان الترتيبات الأمنية اللازمة للجهود التنموية سيبث الثقة كثيرًا حيال هذه المشروعات، كما سيخلق بيئةً محفزةً للاستثمار في تلك المناطق. وعلى النقيض، من دون توفير بيئة استثمارية آمنة، سيكون المستثمرون أقل استعدادًا لتحمل المخاطر القائمة. وثمة مؤشرات عديدة على ذلك، ففي إطار النزاع الأخير الدائر بين حزب العمال الكردستاني والحكومة التركية، أوقفت أكثر من 10 شركات صناعية في محافظة ديار بكر نشاطها، علاوة على تأثر أنشطة البناء والسياحة على وجه الخصوص.

2-توفير التمويل: تبدو الأطروحات التنموية عالية التكلفة، وفي الوقت ذاته يبدو أن الظروف الاقتصادية لدول مثل تونس والمغرب وأيضًا تركيا غير مواتية لتقديم الدعم المالي اللازم، فالدول السابقة تتعرض لضغوط مالية متزايدة. وتواجه كل من المغرب وتونس عجزًا في موازنتها بلغ 5% و5.5% في المتوسط بالأعوام الثلاثة الماضية على التوالي.

ومن أجل تنفيذها سريعًا، قد تلجأ حكومات الإقليم لتشجيع القطاع الخاص المحلي أو الأجنبي لتحمل الأعباء المالية اللازمة بالمشاركة معها. ولكن ربما لن تكون مشاركة القطاع الخاص بالسهولة المطلوبة؛ إذ من المحتم أنه سيواجه مخاطر أمنية وسياسية في آن واحد. وفي هذا السياق، وعلى الرغم من أن شركة “توتال” الفرنسية تقوم بأعمال استكشاف قبالة ساحل الصحراء الغربية بعد موافقة الحكومة المغربية، فإن الموقف ليس متماثلا مع مستثمرين أو ممولين آخرين، فحتى الآن يرفض كلٌّ من بنك الاستثمار الأوروبي والاتحاد الأوروبي تمويل مشروعات واعدة للطاقة الشمسية بالصحراء.

3-الاستدامة: وأخيرًا، يستلزم نجاح عملية التنمية الاقتصادية في هذه المناطق التحقق من ثلاثة أمور: أولها، تحسين الخدمات ذات الأهمية للسكان كالصحة والتعليم وغيرها. وثانيها، استدامة الجهود التنموية من أجل الوصول بعملية التنمية الاقتصادية إلى مرحلة مرضية للسكان. وثالثها، التعبئة العامة لسكان المناطق المهمشة، وإشراكهم في عملية التنمية، وهى أحد العوامل الهامة لإنجاح عملية التنمية. وفيما يتعلق بالأمر الأخير، لعل تركيا تواجه مأزقًا حقيقيًّا في استكمال خططها بإقامة نحو 12 سدًّا بجنوب شرق البلاد إثر تعرضها لهجمات متكررة من جماعات كردية مسلحة، لا سيما مشروع سد سيلوان على نهر بطان.

ومن دون شك، فإن التوجّه التنموي الذي تتبناه بعض دول المنطقة في الوقت الراهن سيغير من الخريطة الاقتصادية لهذه المناطق، وهو ما سينعكس على تهدئة الأوضاع السياسية بها، ولكن ذلك لا ينفي في المقابل أن تلك الدول ستواجه تعقيدات سياسية وأمنية عديدة عند اتخاذ خطوات إجرائية في هذا السياق.