لم يكن الحديث عن المخاوف بحدوث انهيار اقتصادي وشيك خلال السنوات الماضية يأتي من فراغ ، ولم تكن المؤشرات تشير الى غير ذلك ،فالاقتصاد العالمي يعيش حالة مخاض عسيرة هو الأشد منذ الأزمة المالية العالمية العام 2008، اوقفت عجلت النمو وهددت العالم بانهيار اقتصادي مرعب اشبه ما يكون بتسونامي مدمر لن تنجو منه اي بلد في العالم .
الاقتصاد العالمي خلال السنوات القليلة الماضي تعرض لضغوطات هائلة ،واختلالات اربكت مساره واضعفت نموه ،وهو ما حمل الخبراء الى القول باحتمال انهيار اقتصادي كبير يلقي بتبعاته على كافة القطاعات الاقتصادية وعلى رأسها التجارة الدولية وأسعار النفط المنخفضة ، و تباطؤ الاقتصاد الصيني وتراجع النمو لأدنى مستوى له منذ بداية القرن الحادي والعشرين.
هذا الوضع المربك جعل صندوق النقد الدولي يطلق انذار بضرورة تضافر الجهود وتجاوز السياسات الخاطئة التي قادت الاقتصاد الى هذا الوضع الحرج .
وهنا يقول نائب مدير صندوق النقد الدولي ديفيد ليبتون (David Lipton) ان هناك رأي “خطير” متزايد وهو ان صناع السياسات في العالم استنفدوا خيارات دعم الاقتصاد او فقدوا الارادة للقيام بذلك، ورأى انه لمواجهة ذلك على القادة زيادة جهودهم بما في ذلك تقديم الحوافز المالية والنقدية، وتطبيق الاصلاحات الهيكلية الضرورية لدعم النمو.
وقال ليبتون في مؤتمر عقدته الجمعية الوطنية لاقتصاد الأعمال أن السياسة المالية الانفاق الحكومي وخفض الضرائب “يجب ان يحتلا مكانا اهم في السياسات”.
ويقول Ben Hackett ممثل مجموعة ICF الدولية ومنظمة HACKET إن الاقتصاد العالمي عقب الأزمة العالمية في عام 2008، كان يشهد نموًا بطيئًا، وهو الآن في مأزق، والتعافي في غرب اوروبا ضعيف، فضلا عن تراجع النمو في الاقتصاد الصيني وبالتالي ننتظر حدوث ركود.
ويتابع ديفيد ليبتون القول بأن الاقتصادات المتقدمة التي لديها مجال للمناورة المالية، واكد ان “المخاطر هي بكل وضوح اكثر من السابق، واصبح اتخاذ عمل مشترك اقوى اكثر ضرورة”.
وهنا نشير الى مقال لنا سابق حول الاسواق الناشئة ونتفق مع ليبتون بأن الاسواق الناشئة تواجه تحديات كبيرة خصوصا بعد خروج رؤوس اموال ضخمة قدرها معهد التمويل الدولي بــ 8.9 مليار يورو في حين استقطبت أسواق السندات الناشئة 5.3 مليار دولار.
وكما هو معلوم فإن اي محاولة لرفع الفائدة من جهة الفدرالي الاميركي خلال العام الجاري، سيزيد من معاناة الاقتصادات الناشئة وسيؤدي الى هروب الاستثمارات ورأس المال من هذه الدول.
التخوف الاكبر لدى خبراء الصندوق ليس فقط انخفاض اسعار السلع والتقلبات في البورصات العالمية، لكنهم يروا بأن الخوف هو ان يكون صناع السياسة ربما استنفدوا خياراتهم أو ربما فقدوا الإرادة.
واكد ليبتون انه “من اجل الاقتصاد العالمي اصبح من الالزامي على الدول المتقدمة والنامية تبديد هذه الفكرة الخطيرة من خلال انعاش روح العمل الجريء والتعاون الذي تميزت به السنوات الاولى من جهود الانتعاش”، وحذر الدول من الحماية التجارية واللجوء الى اضعاف العملة لتعزيز نموها قائلا ان هذه الاساليب “ستجعل الدول اضعف على المدى البعيد”.
وقد أكد صندوق النقد الدولي، أن هناك تراجعا في نمو الاقتصاد العالمي، وسط توقعات بأن يحقق نموا بنسبة 3.4 في المائة خلال عام 2016 الجاري وكذلك نموا قدره 3.6 في المائة عام 2017.
و قد دقت مجموعة العشرين ناقوس الخطر من تباطؤ الاقتصاد العالمي وحذر وزراء ماليتها من المخاطر التي يواجهها النمو “والصدمة التي يمكن أن يحدثها خروج محتمل لبريطانيا من الاتحاد الأوروبي”.
وفي هذه الظروف الاقتصادية القاسية، لابد من التعاون بين الاقتصادات العملاقة ورسم سياسة اقتصادية اكثر توازنا ومرونة ،و لابد من اعتماد الإصلاحات الهيكلية لتعزيز النمو، وعلى صناع القرار الحفاظ على السياسة النقدية واستخدام السياسة المالية، بهدف جذب الاستثمارات وتشجيع عودة الاستثمارات النازحة من الاسواق الناشئة ، وأن يسهم الجميع في تجاوز هذا المنعطف الحاد في مسار الاقتصاد الدولي و معالجة الازمات الاقتصادية والاختلالات التي تشهدها الاسواق العالمية لتفادي شبح الانهيار المالي العالمي .
عامر العمران
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية