مصالح متقاطعة: لماذا تتسع الخلافات تدريجيًّا بين روسيا وإيران والأسد؟

مصالح متقاطعة: لماذا تتسع الخلافات تدريجيًّا بين روسيا وإيران والأسد؟

4426

يبدو أن التحالف بين روسيا وإيران ونظام الأسد لم يمنع ظهور خلافات حول بعض المحاور الرئيسية، وهو ما أشار إليه الرئيس الإيراني حسن روحاني بقوله أن “علاقات إيران وروسيا لا تخلو من التناقضات”، لا سيما في ظل رغبة موسكو في الوصول إلى تسوية للأزمة السورية ربما لا تتوافق، بشكل كامل، مع مصالح إيران، فضلا عن دعمها لأطراف داخلية سورية على غرار الأكراد، وإشارتها إلى إمكانية تأسيس دولة فيدرالية في سوريا. ورغم ذلك، فإن ثمة حرصًا من جانب تلك الأطراف على ضبط حدود هذه الخلافات، لا سيما في ظل التهديدات التي تُواجه مصالحهم في سوريا.

مؤشرات متعددة: 

تكشف مؤشرات رئيسية ثلاث عن وجود خلافات بين الأطراف المساندة لنظام الأسد، وهو ما يمكن تناوله على النحو التالي:

1- حديث الرئيس السوري بشار الأسد عن إجراء انتخابات برلمانية في أبريل 2016، وعن رغبته في استعادة سيطرته على كامل الأراضي السورية، وهو ما يتعارض مع الجهود التي تبذلها روسيا للوصول إلى تسوية، لا سيما وأن تلك التصريحات وجهت إشارة إلى قوى المعارضة والأطراف الداعمة لها بأن النظام السوري لا يبدو مستعدًّا للوصول إلى تلك التسوية، ويسعى فقط إلى كسب مزيد من الوقت، وإضفاء شرعية على إجراءاته السياسية على غرار إجراء الانتخابات البرلمانية. وقد دفع ذلك مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين، في 18 فبراير 2016، إلى تأكيد أن “بيان الأسد يتناقض بوضوح مع الجهود الدبلوماسية الروسية”.

2- رفض إيران المبادرة التي تقدمت بها روسيا لتأسيس دولة فيدرالية في سوريا، حيث أكد الرئيس الإيراني حسن روحاني أن “التنسيق مع روسيا لا يعني أن طهران توافق على كل خطوة تقوم بها موسكو في سوريا”.

3- سعى موسكو إلى دمج الميليشيات المسلحة التي قامت طهران بتكوينها وتدريبها، مثل كتائب “أبو الفضل العباس” مع قوات النظام السوري، وهو ما لا يلقى قبولا من جانب إيران التي تعتبر أن وجود تلك الميليشيات ربما يساهم في ضمان مصالحها في سوريا على المدى البعيد.

4- تزايد مخاوف طهران تجاه التداعيات التي يمكن أن يفرضها الدعم الروسي للأكراد في سوريا، والذي يبدو جليًّا في توفير سلاح الجو الروسي غطاء جويًّا لتقدم الميليشيات الكردية في شمال سوريا، وهو ما يعزز من احتمالات انفصال الأكراد وتكوين دولة كردية في المستقبل، وذلك بتفاهم بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، وهو التفاهم الذي تعزز مع إصدار قرار مجلس الأمن رقم 2268 الذي دعم اتفاق وقف “الأعمال العدائية” في سوريا، بالإضافة إلى الخطوات الأخرى التي اتخذتها روسيا على غرار فتح ممثلية للإدارة الذاتية للأكراد في موسكو، والسعي لبناء قاعدة عسكرية في المناطق التي تخضع لسيطرة الأكراد، حيث أشارت تقارير عديدة إلى أن الخبراء الروس يعملون على إعادة تأهيل مطار القامشلي لتحويله إلى قاعدة عسكرية روسية.

5- تصاعد حدة الضغوط التي تمارسها روسيا على نظام الأسد من أجل دعم جهودها للوصول إلى تسوية سياسية للأزمة السورية، والموافقة على المشاركة في المفاوضات التي سوف تجري مع المعارضة في جنيف في 14 مارس 2016 حسب تصريحات المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا.

أسباب مختلفة:

يمكن تفسير اتساع نطاق الخلافات بين روسيا ونظام الأسد وإيران في ضوء عوامل عديدة. يتمثل أولها، في تزايد مخاوف موسكو من التداعيات المحتملة التي يمكن أن يفرضها الوصول للاتفاق النووي بين إيران ومجموعة “5+1” في 14 يوليو 2015، خاصة على صعيد تزايد احتمالات حدوث تحسن في العلاقات بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، بشكل ربما يدفعهما إلى إجراء مباحثات جديدة حول الملفات الإقليمية المختلفة، ومن بينها الملف السوري، وهو ما يبدو أنه دفع روسيا إلى التحرك بشكل منفرد في الملف السوري من أجل توجيه رسائل لكل من طهران وواشنطن بأنها طرف لا يمكن تجاهله في الجهود المبذولة للوصول إلى تسوية للأزمة السورية.

وينصرف ثانيها، إلى قدرة موسكو على تحويل مسارات الأزمة السورية لصالحها، فضلا عن إجراء تغييرات في التصورات الدولية لتسوية الأزمة السورية، وهو ما يبدو جليًّا في إصرار موسكو على تقسيم المعارضة السورية إلى “معتدلة” و”متطرفة”، وعلى استثناء تنظيم “داعش” و”جبهة النصرة” فقط من اتفاق وقف إطلاق النار، وهو ما يبدو أنه لم يلق ارتياحًا من جانب إيران أو الأسد، خاصة أن الطرفين كانا يسعيان لتوسيع نطاق التنظيمات الإرهابية لتشمل تنظيمات أخرى إلى جانب “داعش” و”جبهة النصرة”.

 ويتعلق ثالثها، بما أشارت إليه اتجاهات عديدة حول وجود خلاف نسبي في مواقف طهران وموسكو من مستقبل الأسد في الحكم، حيث تبدي إيران، على ما يبدو، شكوكًا تجاه إمكانية تخلي موسكو عن الأسد في مرحلة ما، وهو ما أشار إليه قائد الحرس الثوري الإيراني الجنرال محمد علي جعفري بقوله: “قد لا تهتم موسكو ببقاء الأسد كما نهتم نحن”. وقد كشفت بعض التقارير عن أن موسكو باتت ترى أن بقاء الأسد لفترة طويلة قد يعرقل جهودها للوصول إلى تسوية سياسية للأزمة السورية بما يتوافق مع مصالحها في سوريا والمنطقة.

وفي النهاية يمكن القول إن نطاق الخلافات بين شركاء الأسد، لا سيما روسيا وإيران، ربما يتسع تدريجيًا، خاصة أن بعض الاتجاهات داخل إيران باتت تشير في الوقت الحالي إلى أن التدخل الروسي في الصراع السوري أدى إلى تقليص نفوذ إيران في سوريا، إلا أن ذلك لا ينفي في المقابل أن ثمة حرصًا من جانب موسكو وطهران والأسد على ضبط حدود هذه الخلافات لكى لا تفرض تأثيرات سلبية على التقدم الملحوظ للقوات النظامية في بعض المناطق، أو على الموقع التفاوضي للنظام خلال المفاوضات القادمة في جنيف.

وحدة العلاقات الإقليمية

المركز الاقليمي للدراسات الاستراتيجية