تعرف العلاقات الإيرانية الجنوب إفريقية تطورا ملحوظا وتقاربا وانسجاما فهل سيؤثر هذا التقارب على النفوذ الإيراني في القارة الإفريقية؟ وهل ستصبح القارة مساحة للاستقطاب السعودي الإيراني؟ هذا ما يحاول التقرير الإجابة عليه في ذوء ما تشهد العلاقات الإيرانية الجنوب إفريقية مزيدا من الانسجام.
على غرار العديد من الدول الإفريقية، فإن السياسة الخارجية لجمهورية جنوب إفريقيا تسعى إلى أن تكون عاكسة للتوجه العام للمواقف السياسية للاتحاد الإفريقي. إلا أنه ثمة منطقة اختلاف رئيسية تتمثل في واقع العلاقات القوية القائمة بين جمهورية جنوب إفريقيا وإيران. فخلال السنوات الأخيرة، اختارت جمهورية جنوب إفريقيا أن تتخذ موقفًا مختلفًا عن مواقف العديد من أعضاء الاتحاد الإفريقي الآخرين، بوقوفها إلى جانب إيران خلال التصويت على قرارات مهمة تتعلق بملفات إيرانية صادرة عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية.
لقد أصبح الاتحاد الإفريقي، مع تخفيف العقوبات الدولية المفروضة على إيران، يواجه خيارات جديدة بشأن تطبيع العلاقات الدبلوماسية مع طهران. ولا تلعب دولة جنوب إفريقيا، التي تتمتع بنفوذ كبير في الاتحاد الإفريقي، دورًا رئيسيًّا في هذه العملية وحسب، بل تدعو أيضًا باقي الدول الإفريقية وتشجعها على إقامة علاقات أوثق مع إيران، غير أن اتخاذ المملكة العربية السعودية -أقوى منافس إقليمي رئيسي لإيران- موقفًا معاكسًا قد يُعقِّد مواقف السياسة الخارجية للدول الأعضاء في الاتحاد الإفريقي. فللقضية ما يكفي من التعقيدات لتتسبب في خلاف داخل الاتحاد الإفريقي، بما أن دولًا مثل نيجيريا والسودان ومصر ستتخذ حتمًا مواقف مساندة للمملكة العربية السعودية داخل الاتحاد الإفريقي.
ترصد هذه الورقة موقف دولة جنوب إفريقيا تجاه إيران بدءًا من منتصف القرن العشرين وحتى يومنا هذا؛ ومن ثم ستستطلع النتائج المحتملة التي قد تُفرزها عودة إيران مجددًا إلى ساحة المجتمع الدولي، ومن ثم ستقيِّم الورقة مدى جدية التهديد الذي تشكِّله تلك العودة الإيرانية على إجماع دول الاتحاد الإفريقي حول أولويات سياسته الخارجية.
سياسة دولة جنوب إفريقيا الخارجية منذ عام 1994
ظل المجتمع الدولي، لسنوات عدَّة، يغضُّ الطرف عن السياسة الخارجية لجمهورية جنوب إفريقيا المخالفة للاتجاه السائد داخل الرأي العام الدولي. لكن هذا الوضع شهد تغيرًا سريعًا مع نفاد صبر العديد من البلدان وازدياد تذمرها من مواقف صُنَّاع السياسة الخارجية في دولة جنوب إفريقيا، وبخاصة منها مواقفها المتعلقة بإيران. وكان نيلسون مانديلا قد أشاد بكلٍّ من إيران وليبيا وكوبا، وانتقد بشدة أولئك الذين كانوا يختلفون معه متهمًا إياهم بـ”قِصَر النظر”. وأعلن مانديلا عن موقفه الاستفزازي ذلك خلال مؤتمر صحفي كان قد عقده بالاشتراك مع الرئيس الأميركي، بيل كلينتون. لم يواجه مانديلا، بعد ذلك المؤتمر الصحفي، أيَّ ردِّ فعل من المجتمع الدولي أو من كلينتون نفسه، وذلك على الرغم من سياسة العداء التي كانت تطبع المواقف السياسية للولايات المتحدة الأميركية تجاه تلك الدول وقادتها في حينه.
ومع ذلك، فإن ثمة موقفًا جديدًا اليوم بدأ يتبلور ويُنبئُ بوضع حدٍّ لفترة “شهر العسل” التي تمتعت بها سياسة دولة جنوب إفريقيا الخارجية منذ بزوغ فجر الديمقراطية الذي شهدته في عام 1994. يظهر ذلك في تعرضها، على نحو متزايد، لانتقادات علنية بسبب مواصلتها سلوك نفس السياسات الخارجية مع العديد من حلفائها.
ففي العام 2011، وُوجِه موقف جنوب إفريقيا المُربك من ملف القضية الليبية بسيل من الانتقادات الصادرة عن الأفارقة والعرب على حدٍّ سواء. وكانت دولة جنوب إفريقيا، بخصوص هذه القضية، ضالعة في محاولة عرقلة مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة عن اتخاذ القرار رقم 1973، ثم في وقت لاحق وبعد التصديق على القرار، انتقدت طريقة تنفيذه، حيث دعمت دولة جنوب إفريقيا، من موقعها كعضو لا يتمتع بحق التصويت في مجلس الأمن الدولي، القرار 1973 الذي أَذِن بتدخل حلف شمال الأطلسي في ليبيا. لكن، وبعد عدة أشهر، عاد الرئيس جاكوب زوما ليوجه سهام نقد لاذع لعملية الحلف، قائلًا: “لقد أُسيء استخدام القرار الأممي وتم توظيفه لتغيير النظام وتنفيذ اغتيالات سياسية وفرض احتلال عسكري أجنبي”(1).
يُعتبر دعم جمهورية جنوب إفريقيا لإيران، في موقفها من الحرب الأهلية الدائرة في سوريا، موقفًا سياسيًّا إضافيًّا مُخالفًا لمواقف غالبية حلفائها، كما يُعد التحالف الروسي-الإيراني الداعم لنظام بشار الأسد في سوريا، اختبارًا جديًّا لوحدة موقف السياسة الخارجية للاتحاد الإفريقي؛ إذ بتجاهلها لحجم الدمار الذي تسبَّب فيه نظام الأسد، فإن دولة جنوب إفريقيا تضع نفسها بقوة في خندق المؤيدين الرئيسيين للنظام السوري: روسيا وإيران، وهو ما يؤثِّر على موقف الاتحاد الإفريقي من الصراع في سوريا. وكانت دولة جنوب إفريقيا قد امتنعت عن التصويت على قرار مجلس الأمن بشأن سوريا، مدعية انحيازه إلى جانب المعارضة، وهو موقف أربك الدول الغربية وجعل باقي المراقبين في حيرة تامة(2).
لا شك في أن دولة جنوب إفريقيا واحدة من القوى المُعتبرة داخل الاتحاد الإفريقي وتمتلك قدرًا كبيرًا من النفوذ؛ ما يجعل لها تأثيرًا كبيرًا على القرارات المُتخذة داخله، كما تستضيف دولة جنوب إفريقيا أيضًا برلمان عموم إفريقيا، الذي يتخذ من مدينة ميدراند مقرًّا رئيسيًّا له، ويقع على بُعد بضعة كيلومترات فقط من العاصمة بريتوريا. وتجد قضية التدخل الإيراني في سوريا معارضة قوية داخل الاتحاد الإفريقي من قِبل العديد من الدول، وخاصة من مصر والسودان ونيجيريا -أبرز منافسي دولة جنوب إفريقيا-.
أمَّا القضية الأخرى التي تُخالف فيها جمهورية جنوب إفريقيا توجهات حلفائها، فتتمثل في تردي العلاقات بينها وبين الولايات المتحدة الأميركية على خلفية تنفيذ ما يُسمَّى بـ”قانون النمو والفرص الإفريقي” (AGOA)، وهو جزء من حزمة تشريعات وافق عليها الكونغرس الأميركي بهدف تحسين العلاقات الاقتصادية مع منطقة إفريقيا جنوب الصحراء. وكان الرئيس الأميركي، باراك أوباما، قد أوقف رسميًّا تنفيذ قانون النمو والفرص الإفريقي بتاريخ 15 مارس/آذار 2015، ووضع مهلة جديدة للسماح لمشروع تربية الدواجن الأميركي بالبدء بالعمل الفعلي داخل البلاد(3).
كان تراجع سمعة دولة جنوب إفريقيا عالميًّا على المحك أثناء زيارة الرئيس جاكوب زوما الأخيرة إلى المملكة المتحدة، حيث وصفته وسائل الإعلام المحلية بالرجل المنقطع بالكامل عن حقائق الواقع السياسي العالمي. وكان مستوى الاستقبال الذي لقيه الرئيس زوما بعيدًا بأشواط عن مستوى الاستقبال الذي حظي به سلفه، نيلسون مانديلا، عندما زار المملكة المتحدة للمرة الأولى بصفته رئيسًا للدولة في العام 1996. ومع أنه لا ينبغي أن تؤخذ تعليقات وسائل الإعلام البريطانية كمعيار سياسي، إلا أنها، مع ذلك، تعكس بالتأكيد التغير الطارئ على المواقف تجاه دولة جنوب إفريقيا على مرِّ السنين.
العلاقات بين دولة جنوب إفريقيا وإيران
لم تكن دولة جنوب إفريقيا، في السنوات الأخيرة، محايدة فيما يتعلق بالقضايا الإيرانية، بل على العكس من ذلك، تابعت تنفيذ أجندتها في موالاة إيران داخل المحافل الدولية، خاصة بصفتها عضوًا يتمتع بحق التصويت داخل الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA). وتجدر الإشارة هنا إلى أن جذور مثل هذه المواقف السياسية الحديثة لدولة جنوب إفريقيا تعود إلى تاريخ سابق؛ فالدعم الذي قدَّمته دول مثل إيران إلى جنوب إفريقيا، أثناء حقبة النضال ضد الفصل العنصري، لا يزال يفرض إملاءاته على علاقات دولة جنوب إفريقيا في حقبة ما بعد الفصل العنصري؛ حيث كان حزب المؤتمر الوطني الإفريقي (ANC) يُحافظ على علاقة صلبة مع القوى الثورية داخل إيران قبل إعلان قيام جمهورية إيران الإسلامية. وكان أوليفر تامبو، الرئيس السابق لحزب المؤتمر الوطني الإفريقي في المنفى، من بين أول من أرسل كلمات تهنئة إلى آية الله الخميني بعد إعلان انتصار الثورة في فبراير/شباط من عام 1979.
يمكن إرجاع تاريخ العلاقات الدافئة بين دولة جنوب إفريقيا وإيران إلى فترة حكم رضا شاه بهلوي، الذي وَجَدَ في منفاه في دولة جنوب إفريقيا بعد تخلِّيه عن العرش عام 1941، ملاذًا آمنًا حتى وفاته في العام 1946، ثم امتدت العلاقة مع إيران في عهد ابنه محمد رضا بهلوي، الذي زار جنوب إفريقيا في حقبة الفصل العنصري وخُصَّ باستقبال جيد من قبل رئيس الوزراء آنذاك، جون فورستر. وبعد ثورة عام 1979، قطعت إيران جميع العلاقات مع النظام العنصري في جنوب إفريقيا وفرضت عليه حزمة من العقوبات، ثم كان أن عادت العلاقات بين البلدين في عهد الرئيس نيلسون مانديلا، وكان محور ارتكازها يقوم على طموحات إيران النووية.
في العام 1997، ناقشت حكومة مانديلا بيع طهران خبراتها في مجال التخصيب، الذي هو جزء من برنامج دولة جنوب إفريقيا النووي، وكان جواد وحيدي، وهو مسؤول إيراني في مجلس الأمن القومي للجمهورية الإسلامية الإيرانية، قد أعلن في أحد تصريحاته أن دولة جنوب إفريقيا عرضت على طهران أيضًا بيع أوكسيد اليورانيوم المُركَّز، كما اقترحت عليها المشاركة في أنشطة تخصيب اليورانيوم المتوقفة، وأضاف أن ذلك تم تضمينه في مذكرة تفاهم موقَّعة في ديسمبر/كانون الأول عام 2005(4). وكان هذا التوجه جنوب الإفريقي مضادًّا للتوجه الدولي واسع النطاق المعارض لامتلاك إيران قدرات نووية.
بشكل عام، حافظت دولة جنوب إفريقيا على موقف واضح بشأن الطموحات النووية الإيرانية، وجادلت دولة جنوب إفريقيا بأن وكالة الطاقة الذرية، وليس مجلس الأمن الدولي، هي من يجب أن تُعيَّن مرجعًا للحكم على برنامج إيران النووي. وقد ارتكز هذا الجدل على دعامتين: أولاهما: أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية تمتلك خبرات فنية فريدة من نوعها يجعلها في وضع أفضل لاتخاذ قرار بشأن المسائل المتعلقة بالطاقة النووية. أمَّا الثانية، فهي أن تعامل مجلس الأمن الدولي مع البرنامج النووي الإيراني يشكِّل نوعًا من “مهمة زحف” للمجلس نحو المناطق الواقعة خارج صلاحيات ولايته الأساسية (5). وكانت دولة جنوب إفريقيا تفضِّل إجراء المفاوضات النووية داخل مؤسسات وكالة الطاقة الذرية الأوسع والمتعددة الأطراف، وليس في غرف مجلس الأمن الدولي الضيقة، والذي تُسيطر عليه دول الشمال. وتماشيًا مع هذا النهج الدبلوماسي، دعت دولة جنوب إفريقيا الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل مرارًا وتكرارًا لوقف تهديداتهما الموجَّهة ضد طهران وبرنامجها النووي، واقترحت إلغاء كل عقوبات الحظر، بما فيها تلك المتعلقة باستيراد الأسلحة وفرض القيود المالية، من أجل تشجيع فُرص الحل الدبلوماسي (6). ووفقًا لتفسيرات دولة جنوب إفريقيا، فإن دعمها لإيران يأتي في إطار دعمٍ أوسع تقدمه لبلدان جنوب الكرة الأرضية حتى يكون لها نصيب في عملية صنع القرار السياسي العالمي.
وهكذا إذن، فيما يتعلق بدولة جنوب إفريقيا، فإن الدعم الذي تقدمه لإيران ليس دعمًا محصورًا على وجه التحديد في مجال الطاقة النووية، بل نابعًا من موقف مبدئي محوره التضامن مع بلدان جنوب الكرة الأرضية عمومًا، وقد كان من نتائج هذه المساندة أن تهيأت أمام دولة جنوب إفريقيا بيئة مناسبة لتطوير أعمالها التجارية في إيران؛ فمنذ إعادة العلاقات الاقتصادية بين البلدين، زادت استثمارات دولة جنوب إفريقيا التجارية في العديد من القطاعات داخل إيران، كما ضخَّت شركة “ساسول” SASOL”” للطاقة، المملوكة للدولة، استثمارات كبيرة في إيران حيث أسَّست مشروعًا مشتركًا تحت اسم “آيرا ساسول” “Ayra SASOL” مع الشركة الوطنية الإيرانية للبتروكيماويات. ثم كان أن باعت “ساسول” في وقت لاحق أسهمها لصالح المشروع المشترك بمبلغ لم يُكشف عن قيمته بعد أن تلقت مبلغًا يُقدَّر بحوالي 300 مليون دولار أميركي برسم خفض القيمة التجارية للشركة. أمَّا عملاق الاتصالات السلكية واللاسلكية في جنوب إفريقيا: شركة “إم تي إن” MTN فلديها مصالح كبيرة في السوق الإيرانية حيث تمتلك %49 من أسهم شركة “إيران سيل” “Iran Cell”، غير أنه تم منع إعادة ما جنته من أرباح إلى البلد الأم – جمهورية جنوب إفريقيا- بسبب العقوبات الدولية المفروضة على إيران. وقالت شركة “إم تي إن” إنها تأمل في أن تُعيد إلى البلد الأم مبلغًا يُقدَّر بحوالي 1,1 بليون دولار من الأرباح المُتراكمة حالما يتم التوصل إلى إبرام صفقة بخصوص ملف إيران النووي مع القوى الدولية (7).
من المثير للاهتمام في هذا السياق، الإشارة إلى أن شركة “إم تي إن” تمثِّل أيضًا القوة المهيمنة في نيجيريا، لكنها وجدت نفسها مؤخرًا مُطالَبة بدفع غرامة تبلغ 5,2 بليون دولار بسبب انتهاكها لقوانين البلاد. والسؤال هنا هو عمَّا إذا كانت المشاكل التي تمر بها “إم تي إن” في نيجيريا هي محض مصادفة أم أنها مرتبطة، بشكل ما، بنشاطات الشركة في إيران؟ قد يكون هذا النزاع التجاري نذير يُنبئ بصراع أكبر بين هاتين القوتين الإفريقيتين، ربما يمتد في نهاية المطاف، إلى داخل إطار الاتحاد الإفريقي.
تداعيات العلاقات بين دولتي جنوب إفريقيا وإيران على الاتحاد الأوروبي
تمثِّل السياسة الخارجية حزمة من المبادئ التي تحدد العلاقات الخارجية لدولة ما مع الدول الأخرى، وأن تكون وسيلة لتحقيق مصالح أمة ما (8). ومع ذلك، فإن هذه الصيغة المعتادة لتوصيف السياسة الخارجية هي أكثر تعقيدًا داخل هيئات متعددة الجنسيات مثل الاتحاد الإفريقي، الذي يجب أن يأخذ بعين الاعتبار وجهات النظر المتباينة للدول الأعضاء.
في العادة، فإن لمعظم الدول الأعضاء في الاتحاد الإفريقي مصالح مشتركة ومُتجانسة، خاصة فيما يتعلق بملفات السلام والتنمية الاقتصادية والازدهار. كما أن البلدان الأعضاء تسعى إلى تبني مواقف سياسية خارجية موحَّدة، وترى في الاتحاد الإفريقي أداة لتعزيز مواقفها وإسماع صوتها. أمَّا ما هو أكثر أهمية من ذلك، فكون معظم الدول الإفريقية ضعيفة نسبيًّا سياسيًّا واقتصاديًّا، وغالبًا ما تكون مصلحة الأعضاء في رصِّ الصفوف حول القضايا الرئيسية، لأن تصديها منفردة لتلك القضايا سيكون غير ذي جدوى. بالإضافة إلى ذلك، نجد أن تعامل العديد من البلدان الأخرى، مثل الصين وروسيا والولايات المتحدة الأميركية، ومؤخرًا تركيا، مع إفريقيا موحَّدة، كما لو كانت دولة واحدة، قد زاد في تعزيز نمط التوحد داخل كتلة واحدة بشأن المواقف من مختلف القضايا.
إن احتمال تطبيع العلاقات مع إيران قد يهدِّد بعرقلة التوافق القائم حول المواقف السياسية الخارجية للدول الأعضاء الذي ساد داخل الاتحاد الإفريقي في معظم الأوقات. ومن المحتمل أن تُقاد قوى الاستقطاب داخل الاتحاد الإفريقي من قِبل كتلة الدول المعادية لإيران: السودان ونيجيريا ومصر. وكان السودان -حليف المملكة العربية السعودية المُقرَّب- قد قطع مؤخرًا علاقاته الدبلوماسية مع إيران في أعقاب الهجمات الأخيرة على السفارة السعودية في طهران (9). وكان السودان أيضًا من بين أوائل الدول التي سارعت إلى إغلاق سفارتها في طهران في إشارة علنية إلى التضامن مع الدول العربية التي ترى في إيران خطرًا مدمرًا على المنطقة.
من جهتها، تظل نيجيريا قلقة ومحتارة بسبب رؤية تزايد النفوذ الإيراني داخل حدودها. وقد اتهمت الحكومة النيجيرية رجل الدين النيجيري إبراهيم زكزكي -الزعيم الروحي للحركة الإسلامية الشيعية الأبرز في نيجيريا- بالوقوف خلف شنِّ حملة تخريبية داخل البلاد لحساب إيران. ووفقًا للمحلل السياسي المتخصص في قضايا نيجيريا داخل المجموعة الدولية لحل الأزمات، إنمادي أوباسي، فإن أهداف الحركة الإسلامية في نيجيريا مزدوجة؛ فهي أولًا تسعى “لضمان تطبيق أكثر صرامة للنظام القانوني والإداري الإسلامي … وثانيًا: تعمل على إنشاء دولة إسلامية في نيجيريا، كهدف نهائي لها” (10).
في السنوات الأخيرة، اقتربت نيجيريا أكثر من فَلَك المملكة العربية السعودية، وهي الآن جزء من الائتلاف الإسلامي ضد الإرهاب الذي شكَّله وزير الدفاع السعودي الأمير محمد بن سلمان عام 2015. ومن جهة أخرى، فإن موقع مصر راسخ ضمن التحالف، الذي تقوده المملكة العربية السعودية، الذي تعهَّد بمحاربة الإرهاب وصدِّ التقدم الإيراني في المنطقة (11).
نظرة استشرافية للمستقبل
اتخذت جنوب إفريقيا خطوات من أجل الحفاظ على مكانتها المُميزة داخل الاتحاد الإفريقي. وضغطت دولة جنوب إفريقيا بشدة لضمان انتخاب وزيرة خارجيتها السابقة، الدكتورة إنكوسازانا زوما، رئيسًا لمفوضية الاتحاد الإفريقي؛ ما يجعلها أقوى قائد سياسي لعموم إفريقيا وزعيم السياسة الإفريقية. وقد جلب تعيينها في هذا المنصب الهيبة إلى دولة جنوب إفريقيا، كما ضمن لها أيضًا موقفًا قويًّا للغاية داخل إطار الاتحاد الإفريقي.
تُعتبر الدكتورة زوما، بكل تأكيد، من مهندسي سياسة دولة جنوب إفريقيا تجاه إيران؛ فخلال حقبة تولِّيها منصب وزير الخارجية، اتخذت دولة جنوب إفريقيا موقفًا قويًّا مواليًا لإيران داخل الوكالة الدولية للطاقة الذرية وكذلك داخل مجلس الأمن الدولي. وقد نذرت الدكتورة زوما نفسها للدفاع عن إيران، حيث قالت، بعد أشهر من صدور القرار رقم 1747 الذي شدَّد العقوبات على إيران: إن استمرار المفاوضات، وليس العقوبات، هو أفضل طريق للتقدم نحو حلحلة القضية النووية الإيرانية “كُنَّا في مختلف المراحل السابقة قد طالبنا بالحوار والمفاوضات، وفي المرحلة الحالية من الأزمة فإننا نشجع جميع الأطراف على عدم ادِّخار أي جهد من أجل التوصل إلى حلٍّ شامل ودائم. لا ترغب جنوب إفريقيا ولا المجتمع الدولي في رؤية إيران تُطوِّر أسلحة نووية، لكننا أيضًا لا نتمنى أن نشهد اندلاع حرب بسبب برنامج إيران النووي” (12). لذا، فمن المنطقي أن نرجِّح استمرار العلاقة التي أسَّستها الدكتورة زوما مع بعض القوى داخل إيران، خلال توليها منصب وزير الخارجية، بعد عودة إيران إلى ساحة المجتمع الدولي. والأهم من ذلك، فإن ترؤُّس الدكتورة زوما مفوضية الاتحاد الإفريقي يأتي في الوقت الذي يتم فيه وضع سياسات للتسيير وسياسات خارجية جديدة، وهذا يعني أن مشاركتها في هذه المرحلة ستضمن أن تكون دولة جنوب إفريقيا مركز ومحور قوة الاتحاد الإفريقي، وذلك على الرغم من أن مقر الاتحاد الإفريقي يقع في إثيوبيا وليس في دولة جنوب إفريقيا.
من المرجَّح إذن أن تخلق عودة إيران إلى صف المجتمع الدولي، في هذا الوقت الذي تشهد فيه المنطقة مزيدًا من الاضطرابات والتنافس، حالة من الانقسام داخل الاتحاد الإفريقي. وفي الوقت الذي تحاول فيه إيران والمملكة العربية السعودية دفع أعضاء الاتحاد الإفريقي نحو اتباع اتجاهين متعاكسين، فإنه من المرجح أيضًا أن يشهد الاتحاد مزيدًا من الاستقطاب الحاد.
أخيرًا، سيكون من المهم بالنسبة لدولة جنوب إفريقيا، أن تعمل على تحقيق التوازن بين الولاء التاريخي لإيران من جهة، وبين مصلحتها الأكيدة في الحفاظ على الانسجام والتوافق داخل الاتحاد الإفريقي، من جهة ثانية.
_______ _______
* باحث بمركز الجزيرة للدراسات
ملاحظة: النص الأصلي باللغة الإنجليزية، وترجمه إلى العربية الباحث المتخصص في شؤون البلقان د. كريم الماجري.
مراجع
1 – انظر:
James, Kirchich, “South Africa stands with Qaddaffi,” The Atlantic, September 2011, www.theatlantic.com/international/archive/2011/09/south-africa-stands-with-qaddafi/244584/
آخر تاريخ لدخول الموقع كان في 20 فبراير/شباط 2016.
2 – انظر:
Khadija Patel, “Analysis: Tracking South Africa’s Syria Policy,” Daily Maverick, www.dailymaverick.co.za/article/2012-07-23-analysis-tracking-south-africas-syria-policy/ – .VsWsRZN94_U
آخر تاريخ لدخول الموقع كان في 20 فبراير/شباط 2016.
3 – انظر:
Eye Witness News, “Obama announces suspension of SA’s AGOA trade benefits,” http://ewn.co.za/2016/01/12/Obama-suspends-SAs-trade-benefits-under-Agoa آخر تاريخ لدخول الموقع كان في 20 فبراير/شباط 2016.
4 – انظر:
Amir Mizroch, “Analysis: Why is South Africa helping Iran?” Jerusalem Post, 2005, www.jpost.com/International/Analysis-Why-is-S-Africa-helping-Iran
آخر تاريخ لدخول الموقع كان في 20 فبراير/شباط 2016.
5 – انظر:
Fars News Agency, “South African Foreign Minister Dlamini Zuma in Iran, South Africa Review Ties,” 18 July 2008.
6 – انظر:
Discussion with an official from the Department of International Relations and Co-operation of the Republic of South Africa, Johannesburg, January 2016.
7 – انظر:
Reuters, “South Africa’s MTN gains on lifting of Iran sanctions,” www.cnbcafrica.com/news/southern-africa/2016/01/18/south-africas-mtn-gains-on-lifting-iran-sanctions/
آخر تاريخ لدخول الموقع كان في 20 فبراير/شباط 2016.
8 – انظر:
Melaku Mulualem, “The African Union and foreign policy,” www.africaportal.org/dspace/articles/african-union-and-foreign-policy
آخر تاريخ لدخول الموقع كان في 20 فبراير/شباط 2016.
9 – انظر:
Krishnadev Calamur, Sudan Cuts ties with Iran, widening Middle East’s Sunni’s – Shi’a divide, The Atlantic, www.defenseone.com/politics/2016/01/sudan-cuts-ties-iran-widening-middle-easts-sunni-shi-divide/124833/
آخر تاريخ لدخول الموقع كان في 20 فبراير/شباط 2016.
10 – انظر:
The Jerusalem Post, Saudi Arabia to lead Muslim Coalition against terrorism, http://www.jpost.com/Middle-East/Saudi-Arabia-to-lead-Muslim-coalition-against-terrorism-437341,
آخر تاريخ لدخول الموقع كان في 20 فبراير/شباط 2016.
11 – انظر:
Reuters, “Saudi Arabia to lead Muslim Coalition against terrorism,” www.jpost.com/Middle-East/Saudi-Arabia-to-lead-Muslim-coalition-against-terrorism-437341
آخر تاريخ لدخول الموقع كان في 20 فبراير/شباط 2016.
12 – انظر:
Michal Onderco, Iran’s Nuclear Program and the Global South: The foreign policy of India, Brazil and South Africa. (London, Palgrave Macmillan, 2015), 63.