منذ بداية الانتفاضة السورية قبل أكثر من خمس سنوات، توقع الكثير من الكتاب والمحللين السياسيين، عرباً وأجانب، سقوط الأسد واللحاق بغيره من السلطويين مثل بن علي ومبارك والقذافي، لكن لا يزال الأسد باقياً. بل إن المباحثات الدائرة في جنيف، والتي ستتواصل الشهر القادم، أسقطت شرط المغادرة الفورية للأسد، والسؤال المحوري (اللغز) هو: لماذا لم يسقط نظام الأسد؟ فهذا النظام قتل أكثر من ربع مليون من سكان البلد، وأجبر نصفهم على النزوح داخلياً أو خارجياً، كما هدَّم بنية بلده التحتية بحيث إن سوريا تحتاج الآن -في حال توقفت الحرب- إلى حوالي 39 عاماً لكي تصل إلى مستوى التنمية البشرية الذي أحرزته في عام 2010، أي قبل أقل من عام من بداية انتفاضتها؟ لماذا إذن، وكيف يستمر هذا النظام؟
السؤال مهم للغاية لأنه يساعدنا في تصحيح تحليلاتنا، حتى ولو كان علم استشراف المستقبل والتنبؤ به في المجال السياسي الاجتماعي لا يزال بعيداً عن الدقة واليقين.
وفي الإجابة على السؤال اللغز، سأقتصر على ثلاثة أسباب لاستمرار الأسد.
1- عدم تجذر المعارضة داخلياً، فرغم وحشية النظام وقتله معارضيه في عدة مناسبات، فإننا لم نسمع عن مظاهرات جماهيرية ضخمة تجوب شوارع المدن الرئيسية. قد يقول قائل: إن وحشية النظام هي السبب، لكن هذا لم يمنع المظاهرات الصاخبة في نهاية الثمانينيات من إسقاط حائط برلين، كما أنها أجبرت بن علي على الفرار، وكذلك رجال بوليس مبارك.
وحشية النظام السياسي قد تكون في الواقع سبباً في النزول للشارع. تجارب التاريخ تؤيد هذا، بل لم يحدث في سوريا أن تخلى عدد معتبر من الدبلوماسيين والعسكريين عن مناصبهم والانضمام لصفوف الثوار، كما حدث مع نظام القذافي. انقسام المعارضة والتغير بين صفوفها، أضاف إلى عدم تجذرها وافتقارها للقدرة على التجييش داخلياً.
2- تفكك المعارضة وعدم تجذرها انعكس أيضاً على المستوى الدولي، فمؤيدو المعارضة لم يسلكوا استراتيجية موحدة في الدعم المالي واللوجستي، بل إن بعضهم لم يقف إلى جانب المعارضة ككل، بل اختار بعض صفوفها. هذا بينما وقف إلى جانب الأسد حائط ضخم من المال والعتاد، من إيران وحرسها الثوري، إلى رجال «حزب الله» كجيش على الأرض السورية، فضلاً عن التدخل المباشر للترسانة الحربية الروسية. قارن هذا بالتردد الأميركي، أو إشكاليات التنسيق بين القاهرة والرياض تجاه نظام الأسد.
3- السبب الثالث قد يبدو غريباً، وهو التحالف غير المعلن بين نظام الأسد و«داعش»، بمعنى تسويق النظام السوري بواسطة حلفائه في موسكو وطهران على أنه السبيل الوحيد لقهر المنظمات الإرهابية التي تتسلح باسم الدين، وهنا يجب أن نلاحظ أن هذا ليس بالجديد، فقد دأبت النظم السلطوية على تقديم نفسها كحامية لما تسميه الاستقرار والالتزام بقواعد دبلوماسية تربط بين الدول في وجه منظمات فاشية ومتعصبة، ومتوحشة وهمجية.
ورغم أن سلوك هذه النظم السلطوية لا يقل فاشية في الداخل، فإن أحداثاً بربرية وهمجية مثل الهجوم الإرهابي في بروكسل، وقبله في باريس وتهديد النظام الاجتماعي الغربي.. يُشجِّع الكثيرين على قبول هذه النظم السلطوية، أخذاً بمنطق «أخف الضررين»، ومن هنا يكون من المتصور أن يقوم نظام الأسد مثلاً بدعم «داعش» أحياناً، لأن وجوده يصب في مصلحة النظام، على أساس أن الأسد وأعوانه هم حالياً «البديل الأفضل».
وهكذا هناك حالياً محاولة لرد الاعتبار لنظام الأسد، فبالإضافة للاتصالات غير المباشرة مع بعض العواصم التي ناوأته سابقاً، تتسابق وسائل الإعلام في فتح منابرها للأسد، في الشهور الثلاثة الأخيرة فقط استضافه تلفزيون التشيك، وكالة الأنباء الفرنسية والـBBC.. وقدمته على أنه يحارب الإرهاب من أجل العالم!
د.بهجت قرني
صحيفة الاتحاد