أعادت هجمات بروكسل التي وقعت في الشهر المنصرم ملف مراقبة الحدود الخارجية والداخلية للاتحاد الأوروبي إلى رأس أولويات الحكومات والمؤسسات في دوله، بعد أن كان النقاش يدور حول استراتيجية جديدة لإعادة تشغيل منطقة شينغن.
ويتسع الجدل في أروقة الاتحاد الأوروبي بشأن مدى فاعلية هذا النظام الخاص بحرية العبور للسلع والأفراد داخل مجاله، بعد أن كشفت الهجمات الأخيرة في أوروبا عن شبكات تجنيد وتخطيط للهجمات عابرة للحدود، فضلا عما أظهرته أزمة تدفق اللاجئين من ثغرات في أنظمة المراقبة.
ملف شائك
يقول الخبير في الشؤون الأوروبية دانييل غوميز للجزيرة نت إن مجموعة من التدابير اتخذت لتعزيز الحدود الخارجية، وكان الاتفاق مع تركيا في القمة الأوروبية الأخيرة حول تسيير ملف الهجرة واللجوء، فبدت الطريق معبدة نحو فتح الحدود الأوروبية الداخلية بما يسمح بتشغيل نظام شينغن من جديد.
وأشار غوميز إلى ضغط المفوضية الأوروبية، التي نشرت خريطة طريق بعنوان “عودة إلى روح شينغن”، من أجل وضع حد في أقرب وقت ممكن للضوابط المؤقتة التي تفرضها بعض الدول الأعضاء في منطقة شينغن.
وحسب خريطة طريق المفوضية لا تعرقل الضوابط على الحدود حرية حركة المواطنين فقط، بل تشكل أيضا تكلفة اقتصادية ضخمة.
ووفقا لتقديرات المفوضية، يؤدي إعادة مراقبة الحدود في منطقة شينغن إلى تكاليف مباشرة فورية تتراوح بين 5 و18 مليار يورو سنويا، مع تأكيد أن هذه التكاليف تؤثر في البداية على بعض القطاعات لتنتقل حتما إلى الاقتصاد الأوروبي بأكمله.
خيار صعب
ويبدو الاختيار صعبا بين أمرين؛ الاحتفاظ بأحد أهم الإنجازات التي يفخر بها الاتحاد الأوروبي أي حرية الحركة للسلع والمواطنين، وتوفير الأمن على حساب الحريات الشخصية، بعد الهجمات التي شهدتها باريس وبروكسل في الأشهر والأسابيع الماضية.
وإذا كان الإجماع هو على ضرورة إعادة النظر في العمل بنظام شينغن فإن وجهات النظر حول الإصلاحات الضرورية تختلف حسب التوجهات السياسية.
“علينا أن نعترف بأن شينغن هو جزء من الحل وليس المشكلة”، هكذا يرى رئيس كتلة الاشتراكيين الديمقراطيين في البرلمان الأوروبي جياني بيتيلا، ويضيف للجزيرة نت “سنتغلب على مخاوف المواطنين الأوروبيين فقط من خلال تطبيق استراتيجية أوروبية مشتركة، فهذه هي الطريقة الوحيدة لمواجهة الأفكار العنصرية التي بدأت تنتشر في أوروبا”.
لكن النائبة الأوروبية الهولندية فيكي مايير تؤكد في المقابل على أهمية الرقابة على الحدود، وأنه “إذا كنا نرغب في حماية الأوروبيين، فإن الوقت قد حان لقبول أن الحل الوحيد هو إغلاق حدودنا وإعادة جميع من يسمون بطالبي اللجوء إلى بلدانهم”.
حل وسط
وبين هذا وذاك يطرح المفوض الأوروبي للهجرة والشؤون الداخلية والمواطنة ديميتريس أفراموبولوس حلا وسطا لنظام شينغن، ويؤكد أنه يحتاج إلى إضافة جملة من التدابير الهامة لجعله أكثر فاعلية.
ويقول أفراموبولوس “يجب على جميع الدول الأعضاء تطبيق القواعد المتفق عليها، أي وضع حد لسياسة التساهل في نقط المراقبة. كما يجب علينا معالجة أوجه القصور الخطيرة في مراقبة الحدود الخارجية، فمنطقة دون ضوابط داخل الحدود الداخلية لا تكون قابلة للحياة إلا إذا كانت حدودها الخارجية محمية”.
لكن الهوة تظل شاسعة بين آراء عدد كبير من السياسيين والمواطنين العاديين، فقد أبرز استطلاع للرأي نشر هذا الأسبوع أن ربع الفرنسيين والبلجيكيين والهولنديين والإيطاليين فقط يعتقدون أن المزايا تتجاوز السلبيات بشأن انضمام بلدانهم إلى الاتحاد الأوروبي، وهو ما يعده البعض تشاؤما ساهمت الهجمات الأخيرة في تعزيزه، وقد تكون نتائج الاستفتاء البريطاني المقبل أول تعبيراته العملية.
لبيب فهمي
الجزيرة نت