لماذا فشل “جنيف”؟

لماذا فشل “جنيف”؟

441
قد يقول قائل إن “جنيف” توقف أو علق ولم يفشل. والحقيقة أنه فشل، مع أن إعلان فشله قد يتأجل أياماً أو أسابيع. هذه هي المرة الثانية التي يُفشل الحلف الأسدي/ الإيراني/ الروسي فيها الجهود الدولية لإيجاد حل للصراع الداخلي/ العربي/ الإقليمي/ الدولي، الدائر في سورية منذ نيف وخمسة أعوام، ويواجه احتجازاتٍ أقوى وأكبر بكثير من فرص حله بنجاح، منها تلاعب هذا الحلف بالحل ورغبته في إفشاله، لارتباط الحل بحساباتٍ تضمن لأطرافه حواراً بالنار والكلمات، ضد خصومها، من دون أن ينتقل إلى بلدانها بتكلفته الجسيمة التي لا تستطيع دفعها، ويمكن أن تخرج الأحداث عن سيطرتها.
فشلت جولة جنيف الحالية، لأسبابٍ أهمها أن الحلف الأسدي/ الإيراني/ الروسي لا يريد بعد حلاً سياسياً في سورية، لاعتقاده أن جهده العسكري يحسّن مواقعه، ويخدم مصالحه السورية المباشرة التي تحسن بدورها مصالحه البعيدة: الاقليمية والدولية، المتشابكة إلى الحد الذي يجعل حلها صعباً، بل مستحيلاً، عند المستوى الراهن من علاقات القوى: الميدانية والسياسية/ الاستراتيجية.

ليس هذا الاستنتاج اعتباطياً. إنه مبني على متابعة تصريحات أسدية وإيرانية وروسية قالت، بكل صراحة، إنها ترفض حل الصراع في طوره الراهن سياسياً، وتربطه بأهداف تتصل بالمطالب الخاصة بكل واحد من هذه الأطراف، فالأسد يرهن الحل بالقضاء المسبق على الإرهاب الذي قال، في حديثٍ معروف، إنه يضم ملايين السوريين، ممن يجب القضاء عليهم قبل قبول حل سياسيٍّ مع القلة من الشعب التي ستبقى، عندئذٍ، على قيد الحياة. بينما يكرّر المعتدلون من ساسة إيران أن الدفاع عن الأسد كشخص هو دفاع استباقي عن كراسيهم في طهران، ويقول الروس إن مشكلاتهم مع أميركا لن تحل دون ممارسة ضغوط عليها في سورية والمنطقة، وبما أن حل هذه المشكلات لم يتحقق بعد، فإن استمرار الحرب لاستمرار ضغوطها يصير مسألةً حتميةً، ولا يكون ثمة من مسوغ لحل سياسي، إلا إذا أردنا أن يهزم الروس في الصراع السوري، كما في علاقاتهم مع أميركا وبقية الدول الغربية.
لا داعي لإضاعة وقتنا على شرح ما تعانيه الأمم المتحدة من عجزٍ تجاه وضع سورية المعقد، والذي يتخطى قدرات المنظمة الدولية، وما تستطيع اتخاذه من مواقف حيال دولٍ تحتقرها، ولا تلتزم بقراراتها، بينها نظام الأسد المتهالك، ولكن المحمي إقليمياً وروسياً، والحصين بالتالي ضد قراراتها التي صدرت لكبح إجرامه، فلم يأبه لما قرّرته أو يبدي أي امتثال له واحترامٍ لمن قرّره! إذا أضفنا إلى ذلك ارتباط مصير المعارضة السورية بإراداتٍ غير سورية، وارتباط هذه الإرادات بحساباتٍ دوليةٍ، وتناقض مصالحها المباشرة والبعيدة، أدركنا أن فشل المفاوضات قد تسبب به التناقض بين غموض سياسات الأطراف المنخرطة في الصراع السوري والتباسها، ووضوح القرارات الدولية حول حله الذي يجعل أي التزام بتطبيقها جالباً للحل، بما أنها تحدّد بكل جلاء أدواته، وآليات بلوغه، وجداوله وفتراته الزمنية، ومساراته، وأهدافه ، ولا تتطلب من المتفاوضين غير أن يكونوا حسني النية، ويوافقوا على تطبيقها بحذافيرها.
يفتقر الأسد وملالي طهران وقياصرة روسيا إلى حسن النية. لذلك، يتنكّرون لقراراتٍ وافقوا عليها. أخص بالذكر هنا روسيا التي وافقت منذ يونيو/ حزيران عام 2012 على أن تشكيل الهيئة الحاكمة الانتقالية كاملة الصلاحيات التنفيذية بتراضي طرفي الصراع هو بداية الحل السياسي، لكنها عملت المستحيل، لمنع تطبيق ما وافقت عليه، لأسبابٍ سبق ذكرها، يتطلب تجاوزها تغييراً جذرياً في سياسات أميركا تجاه الثورة، كما في علاقاتها مع روسيا.
فشلت مفاوضات جنيف، لأنه لا مصلحة لأحد في نجاحها، ولا مصلحة لأحد من أصحاب القرار الدوليين في وقف الحرب ضد السوريين. السؤال هو: ما العمل، ومتى نبدأ، نحن السوريون، تعبئة قوانا لوقف موتنا وانتزاع مصيرنا من أيدي قتلتنا؟

ميشيل كيلو
صحيفة العربي الجديد