لا يمكن لنا أن نمر بسهولة على ذلك الاجتماع التاريخى الذى عقدته الحكومة الإسرائيلية فى هضبة الجولان السورية المحتلة يوم 17 إبريل الحالى، فهذا الاجتماع لم يكن فقط مجرد رسالة إسرائيلية للعالم العربى والمجتمع الدولى عبر عنها رئيس الوزراء ناتانياهو بتصريح مفاده أن إسرائيل لن تنسحب من الجولان وستبقى تحت سيطرتها للأبد , بل أن هذا الاجتماع كما أراه ما هو إلا مقدمة جادة لقرار إسرائيلى مرتقب يتم التمهيد له بكل وضوح لحسم مصير هذه المنطقة المحتلة .
قبل أن نتعمق فى أسباب وتداعيات هذا الاجتماع علينا أن نعود إلى قرار سبق أن وافق عليه الكنيست الإسرائيلى فى 14 ديسمبر 1981 وهو تطبيق القانون والإدارة والقضاء الإسرائيلى على الجولان وهو قرار يقترب نسبياً من قرار الضم (توجد بالجولان أربع قرى درزية يقطن بها نحو 25 ألف شخص حصل بعضهم على الهوية الإسرائيلية بالفعل) كما أن إسرائيل لم تترك الجولان بعيدة عن سياساتها الاستيطانية وإن كانت بوتيرة أقل عن الضفة الغربية والقدس حيث قامت ببناء نحو 30 مستوطنة يقطن بها نحو 60 ألف مستوطن من أهمها مستوطنة (كاتسرين) التى تعد مركزاً تجارياً وصناعياً ضخماً .
فى نفس الوقت من المهم أن نشير إلى أن إسرائيل احتلت فى حرب 67 حوالى ثلثى هضبة الجولان التى تبلغ مساحتها 1860 كم مربع، ثم تم فى أعقاب انتصار حرب أكتوبر 73 توقيع اتفاق فض الاشتباك على الجبهة السورية فى 31 مايو 74 انسحبت إسرائيل بمقتضاه من جزء منها اشتمل على مدينة القنيطرة (لازالت إسرائيل تحتل نحو 1200 كم مربع من الجولان) , كما أن رئيس الوزراء الإسرائيلى الأسبق اسحاق رابين تبنى مبدأ التسوية السياسية مع سوريا ودخل فى مفاوضات جادة معها وصلت نتائجها إلى مرحلة متقدمة (وديعة رابين) إلا أنه فى أعقاب اغتياله عام 1995 توقفت المفاوضات رغم أن هناك جهوداً قد بذلت بعد ذلك بسنوات ولكنها اصطدمت بخلافات ولاسيما تجاه مشكلة تحديد خط الحدود وبحيرة طبريا.
وفى تقديرنا أن هذا التصعيد الإسرائيلى يرتبط بالضعف الشديد الذى يعانى منه الموقف العربى بشكل غير مسبوق وانشغال العديد من الدول العربية بمشاكلها الداخلية الحادة, إضافة إلى تقدير إسرائيل بأن رد الفعل العربى لن يخرج عن إطار الشجب والإدانة. كذلك التوافق الأمريكى الروسى على حل الصراع الراهن فى سوريا واحتمالات التوصل لتسوية بصورة قد لا تتمشى مع المصالح الإسرائيلية, وفى كل الأحوال فإنه لا يبدو أن سوريا سوف تعود إلى نفس قوتها السابقة فى ظل أى تسوية لاسيما بعد كم الدمار والتهجير الذى لحق بها وكذا تخليها عن أحد أدوات الردع الهامة التى كانت تمتلكها فى مواجهة إسرائيل وأعنى بذلك السلاح الكيماوى .
التراجع الحاد فى أولويات تسوية الصراع العربى الإسرائيلى على المستوى الدولى الذى لم يعد يعبأ سوى بتأمين مصالحه الاقتصادية فى المنطقة ومواجهة الإرهاب حتى أن العالم كاد ينسى أن هناك أرضاً عربية محتلة اسمها الجولان . كما أن الأوضاع التى شهدتها المنطقة العربية خلال السنوات الأخيرة والتداعيات التى تركتها ـ ولازالت ـ دفعت بإسرائيل إلى إعادة تأكيد عقيدتها العسكرية والأمنية والتى تتمثل فى أن الحفاظ على الأمن القومى الإسرائيلى لن يتم إلا من خلال إسرائيل نفسها دون الاعتماد على قوى خارجية أو الوثوق فى أية تعهدات من أى طرف .
تاريخ الاحتلال الإسرائيلى لهضبة الجولان السورية والذى يقترب من عامه الخمسين يشير إلى أن الأوضاع فى الجولان اتسمت طوال هذه الفترة بالهدوء , كما أن التقييم الإسرائيلى للقدرات السورية لإستعادة الجولان يؤكد غياب تام لهذه القدرات، ومن ثم ترى إسرائيل عدم وجود ما يمنعها من اتخاذ إجراءات أكثر تصعيداً لاسيما فى ظل وجود حكومة متشددة متناغمة تتبنى هذا النهج وقادرة على اتخاذ قرارات متطرفة. علاوة على الأهمية الإستراتيجية المتزايدة للجولان ارتباطاً بنظرية الأمن القومى الإسرائيلى , إضافة إلى ما تمثله من ضمان للأمن المائى الإسرائيلى (تعد بحيرة طبريا أحد المصادر الرئيسية للمياه فى إسرائيل) .
من ثم فمن الواضح أن إسرائيل تسير حالياً فى مسارين متوازيين استثماراً للأوضاع العربية المتردية , ويتمثل المسار الأول فى زيادة قدراتها العسكرية والأمنية بأحدث الأسلحة والمعدات تحسباً لأية مخاطر إقليمية (خاصة إيرانية) , أما المسار الثانى فهو إعادة رسم خريطة التسوية السياسية للصراع العربى الإسرائيلى بالشكل الذى يؤمن حدودها مستقبلاً وذلك من خلال تهويد مدينة القدس وضم أجزاء هامة من الضفة الغربية (خاصة منطقة غور الأردن والكتل الاستيطانية الكبرى) لمنع إقامة دولة فلسطينية متواصلة الأطراف مع استمرار السيطرة على الجولان وعدم التفريط فيها.
إذن فلاشك أن الموقف الإسرائيلى الداخلى والمتغيرات الإقليمية وطبيعة الاهتمامات الدولية تخدم فى مجملها موقف حكومة ناتانياهو وتتيح أمامها الفرصة لاتخاذ خطوة تالية (فى وقت ليس بعيد) بإعلان قرار ضم الجولان بصورة رسمية ثم اتخاذ الخطوات القانونية اللازمة لترجمة هذا القرار لواقع جديد من خلال عرضه على الكنيست بعد فترة من قرار الحكومة حتى تكون ردود الفعل الخارجية قد تم احتواؤها خاصة من جانب الولايات المتحدة التى لا ترغب فى دخول متغيرات جديدة على الصراع العربى الإسرائيلى حتى لا تعوق الجهود الأمريكية إذا ما رغبت فى استئناف تحركها بعد الانتخابات الرئاسية , ومن المؤكد أنه فى حالة اتخاذ إسرائيل هذا القرار فإن موقف واشنطن سيقتصر على عدم الاعتراف بالقرار ليس أكثر من ذلك وهو نفس الموقف الذى اتخذته بعد ضم إسرائيل للقدس عام 1980 أى منذ 36 عاماً .
ويتبقى أمامنا سؤال حيوى مفاده ماذا نحن فاعلون بعد تصريحات ناتانياهو وقبل أن يقدم على اتخاذ قراره المرتقب بضم الجولان، فهل نملك نحن كعرب أكثر من قرار الشجب ومطالبة العالم بالتحرك، أعتقد أننا فى مرحلة تزداد صعوبة وتعقيداً نتحمل جميعنا مسئولية ما آلت إليه أوضاعنا العربية , وفى النهاية ليس أمامنا سوى التحرك العاجل لطرح قرار فى مجلس الأمن يطالب إسرائيل بالانسحاب من الضفة الغربية والجولان مهما كانت نتائج التصويت على القرار وهذا أضعف الإيمان إلى أن يقضى الله أمراً كان مفعولاً.
اللواء.محمد إبراهيم
صحيفة الأهرام المصرية