العلاقات التركية السعودية من الشراكة إلى التوتر

العلاقات التركية السعودية من الشراكة إلى التوتر

تكمن أهمية العلاقات التركية السعودية نظرًا للاعتبارات الدينية والتاريخية والمصير المشترك ويدعم ذلك قوة اقتصاد البلدين باعتبارهما ضمن مجموعة الدول العشرين ودورهما السياسي المؤثر في إدارة التوازنات الإقليمية وشبكة العلاقات التي يقيمانها على المستويين الإقليمي والدولي ولأن أولوية البلدين هي الحفاظ على السلام والأمن والاستقرار وخاصة في الشرق الأوسط.

وقد شهدت العلاقات التركية السعودية منذ مجىء حزب العدالة والتنمية لحكم تركيا في 18 تشرين الثاني/ نوفمبر200م، تقدمًا ملموسًا على المستوى الدبلوماسي والإقتصادي والأمني والعسكري، نتج عنه مستوى متميز من التوافق والتناغم في سياستهما الخارجية وعزز ذلك وجود ثقة متبادلة بين قيادتي الدولتين، مما أسفر عنه تزايد التعاون والتنسيق في تناول القضايا الإقليمية والإسهام في الجهود الدبلوماسية الرامية للمساعدة في دعم القضية الفلسطينية ورفض الاستيطان الإسرائيلي وتعزيز الاستقرار في العراق ولبنان واليمن وأفغانستان والسودان، كما تتعاون المملكة وتركيا فيما يخص التعاون المشترك عبر الأمم المتحدة ومنظمة المؤتمر الإسلامي وجامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي، حيث تعد آلية التشاور الاستراتيجي بين دول مجلس التعاون الخليجي الأولى من نوعها التي تقرها دول المجلس مع دولة خارجية، وكل هذا جاء نتيجة توافر وعي وإرادة مشتركة لدى النخبة السياسية في البلدين لتوسيع هذه العلاقات وتطويرها في شتى المجالات وصولا إلى مستوى العلاقات الاستراتيجية.

ومع مشهد التغيير العربي(الإنتفاضات العربية) اتفقت وتباينت بحدة موقفي الدولتين منهما كل وفق مصالح دولتيهما العليا، ففي الحالة السورية انسجم الموقف التركي مع السعودي في دعم الانتفاضة السورية للتخلص من حكم الرئيس بشار الأسد، أما في الحالة المصرية وخاصة بعد الإطاحة بالرئيس الأسبق محمد مرسي تباين موقفهما من تلك الإطاحة، دعمت المملكة العربية السعودية الإطاحه به، في حين رفضتها وبشدة تركيا.

تنبع أهمية دراسة العلاقات التركية السعودية من كونهما دولتين من الدول المحورية على المستوى في البيئة الإقليمية للشرق الأوسط، تركيا قوة إقليمية صاعدة ذات ثقل ديمغرافي، و وتمتاز بموقع استراتيجي، ساهم في تعدد دوائر( الأوروبية، الغربية الأطلسية، الشرقية الأوسطية، الأسيوية” آسيا الوسطى والقوقاز”، الاسلامية، البحر الأسود، البلقان) اهتمامات سياساتها الخارجية وتحركاتها. أما المملكة العربية السعودية تتصل بروابط استراتيجية تشمل الجزيرة العربية، والوطن العربي، والشرق الأوسط، والمحيط الهندي، فهي تمتلك أوراق قوة تستطيع من خلالها التأثير على مسار الأحداث في بيئتها الإقليمية

ولأن العلاقات بين الدول لا تسير على خط مستقيم، وأن تطورها بشكل إيجابي أو سلبي يعتمد على طبيعة التفاعلات الإقليمية والدولية ذات الإهتمام المشترك، لذا قسمت الدراسة إلى ثلاث مراحل رئيسة، الأولى:مرحلة التطور التاريخي العلاقات التركية السعودية، الثانية مرحلة الشراكة في العلاقات التركية السعودية ما بين عام 2002م إلى عام تموز/يوليو2013م، وتتناول الثالثة: مرحلة التوتر في العلاقات التركية السعودية مابين عام تموز/ يوليو2013م، وحتى يومنا هذا.

أولًا- التطور التاريخي للعلاقات التركية السعودية:

   بدأت العلاقات التركية السعودية، منذ ظهور عائلة آل سعود كلاعب سياسي في النصف الثاني من القرن الثامن عشر. ثارت عائلة آل سعود مرات عديدة ضد العثمانيين منذ نهاية القرن الثامن عشر وحتى العشرينيات من القرن العشرين حين تم إنشاء المملكة العربية السعودية كدولة مستقلة في أعقاب الحرب العالمية الأولى. اعترفت عائلة آل سعود بالفكر الوهابي في عام 1745، وكان ذلك بمثابة الشرعية اللازمة لبسط نفوذ الحركة، وقد كانت الحركة الوهابية أكبر تهديد ديني وسياسي للحكم العثماني في شبه الجزيرة العربية. فقد حارب الوهابيون، الذين حاولوا إقامة دولة على أساس الأفكار الدينية والثورية المتطرفة لعبد الوهاب، العثمانيين السنة التقليديين عدة مرات. وعندما قام عبد العزيز بن سعود بغزو معظم شبه الجزيرة العربية، بما في ذلك الحجاز، في بداية القرن التاسع عشر، هاجمت القوات العثمانية قوات الوهابيين وهزمتهم بمساعدة محمد علي من مصر. وبعد هزيمة الوهابيين تم إرسال بعض القادة الوهابيين إلى اسطنبول حيث تم إعدامهم. ومع ذلك، وفي فترة قصيرة جدا، استطاع تركي بن ​​عبد الله أن يجمع زملاءه الوهابيين، وأعلن “أول” دولة وهابية في عام 1821، و استمرت هذه الدولة حتى عام 1891. وعلى الرغم من أنها لم تكن دولة مستقلة، إلا أنها لم تخضع للسيطرة العثمانية. ثم تم تأسيس الدولة السعودية “الثانية” في عام 1902 بواسطة عبد العزيز بن سعود. وأثناء حرب البلقان والحرب العالمية الأولى، اتفق مع حكومة بريطانيا على الحفاظ على جميع الأراضي التي احتلها خلال حربه مع العثمانيين، وأن يقف بجانب بريطانيا ويدعمها ضد العثمانيين. عبد العزيز بن سعود، الذي استولى على منطقة الاحساء في عام 1913 والحجاز بعد الحرب العالمية الأولى نصب نفسه “ملك نجد والحجاز وتم الإعتراف بالدولة  السعودية “الثالثة” في عام 1927، وأُعيد تسميتها في عام 1932، وأطلق عليها اسم “المملكة العربية السعودية”.

    ومع التوقيع على معاهدة لوزان 24 تموز/يوليو1923م،، انتهجت جمهورية تركيا سياسة خارجية جديدة، واعترفت باستقلال الدول التي كانت تتبع الدولة العثمانية. وكانت من أوائل الدول التي اعترفت بالمملكة العربية السعودية ووقعت معاهدة صداقة معها. ومع ذلك، فإنه بسبب إختلاف الأنظمة والأيديولوجيات والسياسات الخارجية، فلم تبذل تركيا أو المملكة العربية السعودية أي جهد لتحسين العلاقات الثنائية، ونتيجة لذلك، فإن العلاقات بين البلدين لم تشهد أي تحسن طوال الفترة الكمالية. وعلى مدار القرن العشرين، زار الملك فيصل بن عبدالعزيز تركيا في عام 1966، وأمضى بضعة ساعات فقط لحضور مؤتمر دولي. ولم يقم أي ملك سعودي أخر بزيارة رسمية إلى تركيا خلال القرن العشرين.

وفي عقد السبعينيات من القرن المنقضي طرأ تحسن نسبي في العلاقات التركية السعودية، عندما دعمت تركيا الموقف العربي سياسيًا خلال حرب رمضان عام 1973م، ضد إسرائيل، وقد قابلت المملكة العربية السعودية ذلك بدعم التدخل التركي العسكري في الأزمة القبرصية في عام 1974م.

وخلال مرحلة الثمانينات فرضت الحرب العراقية الإيرانية والحرب في أفغانستان على كل من وأنقرة والرياض لأن تعطيا أبعادا استراتيجية لعلاقاتهما، وهو ما فهم آنذاك في الزيارة التي قام بها وزير الدفاع التركي إلى السعودية عام 1984 والتوقيع على اتفاقية للتعاون العسكري بين الدولتين، شملت تطوير الصناعة العسكرية برأسمال سعودي وخبرة تركية. فالتعاون بينهما  –أنذاك- كان يهدف إلى إضعاف خصمهما التاريخي(إيران)، خصوصا أمام مخاوفهما من امتداد آثار «الثورة الخمينية» إلى الداخل التركي والسعودي والخليجي بشكل عام، وذلك على الرغم من أنها ظهرت في موقف «الحياد» تجاه الحرب الإيرانية – العراقية.

 وتتلاقى  المصالح الجيوستراتيجية بالمفهوم الواسع عندما أقدم العراق على احتلال الكويت في 2 آب/ أغسطس 1990م ومن ثمة إخراجه بالقوة من قبل قوات التحالف بعد أن مثل تهديدا حقيقيا لأمن البلدين ومثّ بوادر ظهور كيان كردي في شمال العراق إلى زيادة الاهتمام التركي بالجوار العربي، ومن جهة أخرى أدت الظروف التي طرأت على النظام الدولي بعد تفكك الاتحاد السوفياتي واستقلال الجمهوريات الإسلامية وعودة الروح الإسلامية لشعوبها، لتنعكس إيجابياً على العلاقات التركية السعودية لأن جميع هذه الجمهوريات لها روابط تاريخية وعرقية ولغوية مع تركيا وكذلك دينية وثقافية وروحية مع المملكة بحكم أنها مركز العالم الإسلامي الروحي، كما تطابقت المواقف السعودية والتركية تجاه الأحداث في ناغورنو كراباخ والبوسنة والشيشان.

كان لأحداث الحادي عشر من أيلول /سبتمبر 2001م، انعكاسات مباشرة على أمن الشرق الأوسط بشكل خاص وأسهمت في تغيير وتعديل في سياسات المملكة وتوجهاتها الخارجية وأهمية فتح قنوات خارج نطاق علاقاتها التقليدية مع الولايات المتحدة، حيث بدأت المملكة بانتهاج سياسة جديدة تسعى لتنويع العلاقات مع دول العالم مثل الصين، روسيا، والهند، وحظيت تركيا باهتمام أكبر كونها دولة إسلامية وتمثل نموذجًا إسلاميًّا صاعدًا. ومع وصول حزب العدالة والتنمية إلى حكم تركيا في تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2002م، بدأت مرحلة جديدة من الشراكة والتوتر في العلاقات الثنائية.

 ثانيًا- مرحلة الشراكة:

وصل حزب العدالة والتنمية المنبثق عن حزب الفضيلة ذات المرجعية الإسلامية إلى السلطة في تركيا عبر الانتخابات البرلمانية التي أجريت في 18 تشرين الثاني/نوفمبر 2002م، وقد وصف ذلك الوصول بأنه” حدث تاريخي”، حيث تمكن ذلك الحزب من تشكيل حكومه بمفرده، ودون الحاجة إلى ائتلاف حكومي. وضع أحمد داود أوغلو رئيس وزراء تركيا الحالي والذي يعد المهندس الفكري لحكومة حزب العدالة والتنمية، لرئيس جمهورية تركيا الحالي التركي رجب طيب أردوغان لحكومة العدالة والتنمية أسس السياسة الخارجية التركية الجديدة، ويتعين على تركيا الالتزام بستة مبادىْ، حتى يتسنى لها تطبيق سياسة خارجية إيجابية وفعالة. المبدأ الأول هو: التوازن السليم بين الحرية والأمن، المبدأ الثاني: تصفير المشكلات مع دول الجوار( أي صفر مشكلات)، المبدأ الثالث فيقوم على: التأثير في الأقاليم الداخلية والخارجية لدول الجوار؛ أما المبدأ الرابع: فهو مبدأ السياسة الخارجية متعددة الأبعاد، ويرتكز هذا المبدأ إلى حقيقة أن العلاقات بين الدول ليست بديلة عن بعضها البعض، بل هي متكاملة فيما بينها، وهو مبدأ يضع علاقات تركيا الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الامريكية في إطار ارتباطها بحلف الناتو، وتحت مفهوم العلاقات الثنائية، كما يضع جهود تركيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وسياستها مع روسيا وأوروسيا على ذات الوتيرة من التزامن، باعتبارها علاقات تجري في إطار متكامل، وليست متضادة أو بديلة عن بعضها البعض، أما المبدأ الخامس هو: مبدأ الدبلوماسية المتناغمة، وأخيرا، المبدأ السادس فهو: أسلوب دبلوماسي جديد. وبالتوازي مع هذه المبادىء عملت حكومة العدالة والتنمية على تحسين العلاقات مع المملكة العربية السعودية.

وعلى الجانب ا السعودي مثل وصول الملك عبد الله للحكم في آب /أغسطس عام 2005م، فرصة إضافية لتحسين العلاقات لمواجهة النفوذ الإيراني في العراق عقب إحتلاله من قبل الولايات المتحدة الأمريكية في 9 نيسان/إبريل 2003م.

 كانت الزيارات رفيعة المستوى بين قيادات الدولتين أحد أبرز المؤشرات على تحسن العلاقات الثنائية بينهما. وقد كانت الزيارة الأولى للملك عبد الله بن عبدالعزيز إلى تركيا في عام 2006 علامة فارقة في تاريخ العلاقات التركية السعودية. وقد اعتبرت هذه الزيارة تاريخية لعدة أسباب. أولا: كانت أول زيارة يقوم بها مسؤول رفيع المستوى من المملكة العربية السعودية إلى تركيا، على الرغم من أن الملك فيصل قضى عدة ساعات فقط في اسطنبول لحضور مؤتمر دولي. لكن اتسمت الزيارة بمشاركة وفد كبير مرافق للملك. وعلى عكس الزيارات الملكية التقليدية، ذهب الملك عبد الله إلى أنقرة مع وفد كبير يضم وزراء و رجال أعمال و بيروقراطيين و أفراد من الأسرة الحاكمة. وخلال الزيارة تم التوقيع على اتفاقيات سياسية عديدة ووقع عدد من رجال الأعمال الأتراك والسعوديين على العديد من الاتفاقيات الاستثمارية. وتبادل رجال الأعمال من البلدين المعلومات حول فرص الاستثمار والعلاقات التجارية التي تشهد تحسنا ملحوظا. وقد أدى ذلك إلى قيام المؤسسات السعودية العامة والخاصة بالتخطيط للاستثمار بقيمة 25 مليار دولار في مجالات الطاقة والتمويل والسياحة والبترول والاتصالات وصناعة المواد الكيميائية في تركيا. وبعد لقاء الملك عبد الله، أعلن رئيس الوزراء التركي –آنذاك- رجب طيب أردوغان أن هناك العديد من رجال الأعمال والشركات التركية تعمل في مشاريع تبلغ قيمتها نحو 30 مليار دولار في المملكة العربية السعودية. كما أشار إلى زيادة أعداد رجال الأعمال والسياح السعوديين إلى تركيا، والذين وصل عددهم إلى نحو 32 ألف شخص في عام 2005، الأمر الذي يوضح تزايد الاهتمام السعودي بتركيا.

ثانيًا: اُعتبرت هذه الزيارة نقطة تحول، من حيث تحسن العلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين، حيث تم توقيع العديد من الاتفاقيات الهامة، فوقعت المملكة العربية السعودية وتركيا ست اتفاقيات في التشاور السياسي والتعاون في مجال تبادل محفوظات الدولة، والحفاظ على الاستثمارات وتشجيعها، ومنع الازدواج الضريبي، والتعاون في القطاع الصحي ونقل الركاب والبضائع. وكما كان من المتوقع أن هذه الزيارة لن تسفر فقط عن تحسن علاقات تركيا مع المملكة، ولكن أيضا ستجذب اهتمام البلدان العربية الأخرى، ولا سيما دول الخليج العربي للقدوم إلى تركيا.

ثالثًا: أضافت زيارة الملك لتركيا بعدًا جديدًا للعلاقات الثنائية وهو الأمن. فقد كانت المسائل الأمنية الوطنية والإقليمية قضية رئيسية، تمت مناقشتها خلال زيارة الملك عبد الله. حيث أن الفراغ الأمني ​​الإقليمي قد زاد في معظم دول الشرق الأوسط نتيجة للتطورات في العراق وإيران ولبنان وفلسطين. وعلاوة على أن المملكة تحاول تقليل اعتمادها على الولايات المتحدة الأمريكية في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر، بسبب تزايد حدة الانتقادات الغربية للإسلام والوهابية والحكومة السعودية. وبسبب القلق إزاء السياسات الأمريكية الإقليمية المتناقضة الأحادية التي تركز على الإسرائيليين، تحسنت العلاقات العسكرية و السياسية السعودية مع تركيا. وعلى الرغم من أن المملكة العربية السعودية لا تزال تعتمد على السلاح الأمريكي، إلا أنها بدأت في التشاور وتبادل وجهات النظر مع نظرائها الأتراك، وخاصة بشأن المشكلات الإقليمية مثل لبنان وفلسطين والعراق.

استمرت العلاقات الدبلوماسية بين تركيا والمملكة العربية السعودية في التحسن في عامي 2010م، 2011م، وتم تبادل الزيارات بشكل منتظم. فقد زار رئيس الوزراء التركي –آنذاك- رجب طيب أردوغان المملكة مرتين في كانون الثاني/ يناير وفي شهر آذار/ مارس  من العام 2010م. وخلال زيارته الثانية مُنح جائزة الملك فيصل العالمية، التي تعتبر بمثابة جائزة نوبل في العالم العربي. وذلك تقديرًا لمواقفه السياسية، ولا سيما موقفه الشجاع مع الرئيس الإسرائيلي” شمعون بيريز” أثناء قمة  منتدى دافوس في كانون الثاني/يناير عام 2009م.

وقد انعكس هذا التقارب الدبلوماسي بشكل إيجابي على مجال العسكري والأمني والإقتصادي، فالبنسبة للأول تم اعتماد تمرينات عسكرية مشتركة، توجت بتمرين مناورة نسر الأناضول في تركيا عام 2012م، بمشاركة القوات الجوية الملكية السعودية و6 دول متقدمة في مجال القوة  الجوية، حيث يعتبر هذا التمرين من أكبر المناورات العسكرية المشتركة  القتالية الجوية على مستوى العالم، حيث شاركت القوات الجوية الملكية السعودية بالعديد من طائراتها الهجومية والدفاعية والمساندة، بالإضافة إلى العديد من الأطقم الجوية والفنية والإدارية التي من شأنها دعم الجاهزية القتالية للقوات الجوية المشاركة في هذا التمرين مع نظيراتها القوات الجوية التركية.

أما بالنسبة الثانية، فالتعاون الأمني بين تركيا والمملكة العربية السعودية صبّ في مواجهة إيران واتخذ هذا التعاون عدة أشكال، أولهما: شرعت تركيا والمملكة العربية السعودية في إقامة تعاون “سني” في مواجهة الكتلة الشيعية الإقليمية التي تقودها إيران. على سبيل المثال، بناء على دعوة من باكستنان، وهي دولة سنية، اجتمع وزراء الخارجية من سبع دول سنية هي؛ باكستان، وتركيا، والمملكة العربية السعودية وماليزيا وإندونيسيا ومصر والأردن، في إسلام أباد في 25شباط/فبراير عام 2007م، لمناقشة إقامة جبهة مشتركة لحل المشكلات الإقليمية. وفي إعلانهم المشترك، أعطوا الأولوية للقضية الفلسطينية ووحدة الأراضي العراقية، والسياسة اللبنانية. واتفقت الدول السبع أيضًا على أنه يجب حل الملف النووي الإيراني من خلال الوسائل السلمية. ثانيهما: دعمت تركيا والمملكة العربية السعودية قائمة السيد إياد علاوي في الإنتخابات النيابية العراقية التي جرت في العام 2010م، لمواجهة النفوذ الإيراني بعد أن تيقنا بأن رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي ما هو إلا “رجل إيران” في العراق. ثالثهما: وقفا وبقوة إلى جانب الإنتفاضة السورية لإسقاط حكم الرئيس بشار الأسد لقطع الطريق على مواصلة إيران تمدد نفوذها باتجاه شرق البحر المتوسط.

أما بالنسبة للتعاون الإقتصادي، فقد تنوعت أوجهه، ففي عام 2003م،تم إنشاء مجلس الأعمال السعودي التركي، وفي عام 2005م، تم إنشاء صندوق الاستثمار من أجل تشجيع الاستثمار ات الخاصة والحكومية القادمة من دول الخليج إلى تركيا، وازداد  التعاون بين القطاع الخاص والشركات الرائدة في كلتا الدولتين. على سبيل المثال، قام البنك الأهلي التجاري، وهو أكبر بنك في المملكة العربية السعودية بدفع1.8 مليار دولار أميركي وحصل على 60 في المئة من أسهم بنك “فايناس قاتيليم” التركي المملوك لمجموعات “أولكر، بويداك”. وحصل بنك الزراعة  على رخصة مصرفية في عام 2008م، أنشأ سبعة فروع في المملكة العربية السعودية بالإضافة إلى الفرع الموجود في مدينة جدة.

أما فيما يتعلق بالتبادل التجاري بين تركيا والمملكة العربية السعودية، فقد بلغ في نهاية عام 2013م، إلى 10 مليارات دولار أميركي، وفي مجال قطاع البناء وصلت خدمات المقاولات التركية في المملكة العربية السعودية خلال المدة الواقعة ما بين 2002م-2012م، إلى 12.7 مليار دولار أمريكي، وبلغت الاستثمارات السعودية في تركيا حتى نهاية عام 2013م، إلى 2 مليار دولار أمريكي. أما في مجال السياحة، فقد بلغ عدد السياح السعوديين إلى تركيا في نهاية عام 2013م، إلى  400 ألف سائح، وبلغ عدد الحجاج والمعتمرين الأتراك إلى الديار المقدسة في المملكة العربية السعودية في عام 2013م، فقط إلى 800 ألف تركي.

وعلى الرغم من هذا التقارب الذي وصل إلى مستوى الشراكة بين الدولتين إلا أن التحولات السياسية في مصر التي تمثلت في الإطاحة بالرئيس الأسبق محمد مرسي في 3 تموز/يوليو عام2013، أثرت وبشكل سلبي على علاقاتهما الثنائية.

ثالثًا- مرحلة التوتر:

كان سقوط حكم الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك وقع كبير على المملكة العربية السعودية لأنها ليست فقط خسارة حليف ولكنها أيضًا غيرت من موازين القوى في الشرق الأوسط التي كانت حتى ذلك الحين لصالحها، في حين كان رئيس الوزراء التركي_ آنذاك- ورئيس الجمهورية التركي الحالي رجب طيب أردوغان، أول مسؤول رفيع المستوى على مستوى الشرق الأوسط طالب الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي بالتخلي عن حكم مصر.

ولم يؤثر هذا التباين بشكل سلبي على العلاقات التركية السعودية لأنه بالنظر إلى حسابات القوى الإقليمية، يتضح أن المملكة العربية السعودية  كانت بحاجة إلى تركيا، القوة الإقليمية  الوحيدة القادرة على ملىء الفراغ  وشريك  في مواجهة النفوذ الإيراني.

دخلت كلتا الدولتين التركية والسعودية في حالة ترقب ما ستؤول إليه الأمور في الدول التي أطاحت بحكامها، وقد أفضت تلك الحالة في تمدد النفوذ التركي من خلال وصول ” الإسلام السياسي” إلى الحكم في بعض الدول العربية ومنها مصر، وشكّل ذلك تهديدًا على الحكم الملكي في منطقة الخليج العربي، لأن ظهور حكومات إسلامية منتخبة يؤدي إلى تآكل شرعية الملكيات الوراثية الإقليمية.

لذلك لم يكن مستغربًا أن تلقي، التحولات السياسية في مصر في 3 تموز/يوليو2013م، بظلالها على العلاقات التركية السعودية. فقد رحبت ودعمت المملكة العربية السعودية في سقوط حكم الرئيس”الإخواني” الأسبق محمد مرسي، والذي عدت سقوطه انقاذًا لمصر من “الإسلام السياسي”، وقدمت مع بعض دول الخليج(الكويت، الإمارات) دعمًا ماليًا بقيمة 12 مليار دولار أميركي. ودعمت كل القوى المناوئة للإخوان المسلمين من صحافة إلى مثقفين وفنانين. فهي تأمل بهذا السقوط أن تعود مصر إلى سابق عهدها كحليف أمني وسياسي مع دول الخليج العربي، وتراهن على تشكلها كرافعة ضد تركيا وإيران تحت مسمى”العروبة”. في حين اعتبرت تركيا ما وقع في مصر في ذلك التاريخ انقلابًا وطالبت بالإفراج عن الرئيس الأسبق محمد مرسي وإعادته للحكم. ولم تكتف عهد هذا الحد بل بدأت الحكومة التركية بمختلف مستوياتها والصحافة الموالية لها، بالتهجم على وزير الدفاع –آنذاك- ورئيس الجمهورية الحالي عبدالفتاح السيسي قائد التحول السياسي في التاريخ المشار إليه آنفاً. حيث وصفته صحيفة” يني شفق” ب” بينوشيه مصر” في إشارة إلى قائد الإنقلاب العسكري في تشيلي ” يبنوشيه”. أما رئيس الوزراء السابق ورئيس الجمهورية الحالي رجب طيب أردوغان وصف ما حدث في مصر بعد 3تموز/يوليو 2013م، في الآتي” إن الديمقراطية والإرادة الشعبية تُقتلان في مصر، واليوم تقتل الأمة” وأضاف قائلًا” إن صمت العالم لن يؤدي إلى صمت تركيا لأن الصامت عن الحق شيطان أخرس والذين يقفون مع الإنقلابيين الآن هم شركاء لهم فيما يفعلون” في إشارة واضحة للموقف السعودي. كما طالب أردوغان وقياديو حزبه العدالة والتنمية الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي ” أكمل الدين إحسان أوغلو” بتقديم استقالته بحجة أن موقفه ليس كافيا تجاه الأحداث الجارية في مصر، كما انتقد نائب رئيس الوزراء”بكير بوزداغ” ومساعد رئيس حزب العدالة والتنمية “حسين تشيليك” موقف” إحسان أوغلو” وأكدا على “أن المنظمة التي تقدم لها السعودية القدر الأكبر من الدعم المالي فشلت تجاه التطورات الحالية بمصر” وإزاء انتقادات تركيا المستمرة للوضع المصري الجديد جمّدت الإمارات والسعودية صفقات تجارية مع تركيا ومشروعات كهربائية تزيد قيمتها على 12 مليار دولار أميركي.

الخلاصة:

منذ التحولات السياسية التي جرت في مصر في 3 تموز/ يوليو2013م، ظهرت وقائع سياسية أمنية  جديد كتمدد تنظيم الدولة الإسلامية”داعش” في العراق وسوريا، وبروز الحوثيين بقوة على المشهد السياسي اليمني، والاتفاق الأميركي الإيراني بشأن الملف النووي والذي كان برعاية عُمانية يستوجب على  تركيا والمملكة العربية السعودية أن تضع خلافاتهما بشأن المشهد المصري جانبًا، للتعامل مع المستجدات الإقليمية، ومن هنا يمكن أن تفهم  الزيارة التي قام بها وزير الخارجية التركي” جاويش أوغلو” إلى المملكة العربية السعودية استجابة للدعوة التي وججها إليه وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل.

وفي هذا السياق فمن المتوقع أن تسود أحد المشاهد التالية في العلاقات التركية السعودية:

– تسارع الأحداث في المنطقة, والتغير الحاصل في موازين القوى, قد يدفع نحو مزيد من التقارب التركي السعودي, الذي أشارت له زيارة وزير الخارجية التركي إلى المملكة, ويظهر أن مسار العلاقات سيأخذ منحى إيجابيًا  خلال المرحلة المقبلة, في حال تجاوزت السعودية بعض الإشكاليات في ترسيم العلاقة, وتجاوز التحولات السياسية في مصر  خاصة بعد 3تموز/يوليو2013م.

ويأتي هذا الانفتاح في ظل قناعة كلا الدولتين بأهمية الدور الملقى على عاتق كل منهما, في ظل تداعي عدد من الأنظمة في المنطقة, وتزايد النفوذ والإختراق الخارجي لسياساتها.

– ويبقى مشهد استمرار توتر العلاقات حاضرًا بين الدولتين, في حال استمر المملكة العربية السعودية في وضع الحرب ضد “الإسلام السياسي“ على رأس سلم أولوياته, وسيعزز هذا الموقف الإنطباعات الشخصية العدائية التي تسيطر على الملك عبدالله تجاه رئيس الجمهورية التركية طيب اردوغان, والتباين الحاصل في الموقف السعودي والتركي من عدة قضايا مثل الموقف من مصر وغزة والنظرة إلى حركةحماس.

د.معمر فيصل خولي

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية