وافق البرلمان الألماني في الثاني من يونيو/حزيران 2016، على مشروع قانون رمزي يعترف بدور ألمانيا في ما جرى للأرمن خلال الحرب العالمية الأولى، ويصف دور العثمانيين آنذاك بأنه “إبادة جماعية”.
وسارعت تركيا إلى التنديد بتبني مجلس النواب الألماني القرار، مؤكدة أنه يشكل “خطأ تاريخيا”، حيث تقول أنقرة إن القتلى الأتراك لا يقلون عددا عن الضحايا الأرمن عندما ثاروا على الحكم العثماني.
ولم تشارك المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ووزير الخارجية فرانك والتر شتاينماير، ورئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي زاغمار غابرييل، وأغلب أعضاء حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي؛ في جلسة التصويت على “القرار الرمزي”.
كما تحفظ على مشروع القرار بعض المسؤولين الألمان، على غرار وزير الخارجية فرانك فالتر شتاينماير الذي قال المتحدث باسمه إنه “يأمل” في ألا يؤدي إلى “تأزيم العلاقات لفترة طويلة مع تركيا”.
ويؤكد الأرمن أن 1.5 مليون منهم قتلوا بطريقة منظمة قبيل انهيار السلطنة العثمانية بين عامي 1915 و1917، لكن أنقرة ترفض هذا الادعاء وتقول إن حوالي 350 ألف أرمني ومثلهم من الأتراك المسلمين قتلوا عندما انتفض الأرمن وتحالفوا مع القوات الروسية ضد الدولة العثمانية.
وقد تعاون القوميون الأرمن مع القوات الروسية بغية إنشاء دولة أرمنية مستقلة في منطقة الأناضول، وحاربوا ضد الدولة العثمانية إبان الحرب العالمية الأولى التي انطلقت عام 1914.
وعندما احتل الجيش الروسي شرقي الأناضول، انشق بعض الأرمن الذين كانوا يخدمون في صفوف القوات العثمانية وانضموا إليه. كما عطلت الوحدات العسكرية الأرمنية طرق إمداد الجيش العثماني اللوجستية، بينما عمدت العصابات الأرمنية إلى ارتكاب مجازر ضد المدنيين في المناطق التي احتلتها.
ومع استمرار هجمات المتطرفين الأرمن، قررت الحكومة العثمانية في 24 أبريل/نيسان 1915، إغلاق ما يعرف باللجان الثورية الأرمنية، ونفي بعض الشخصيات الأرمنية البارزة. واتخذ الأرمن من ذلك التاريخ ذكرى لإحياء “الإبادة الأرمنية” المزعومة في كل عام.
وقررت السلطات العثمانية في 27 أيار/مايو 1915 تهجير الأرمن القاطنين في مناطق الحرب والمتواطئين مع جيش الاحتلال الروسي، ونقلهم إلى مناطق أخرى داخل أراضي الدولة العثمانية.
ولقي عدد كبير من الأرمن مصرعهم خلال رحلة التهجير بسبب ظروف الحرب والقتال الداخلي، وبسبب المجموعات المحلية الساعية للانتقام.
وتقول تركيا إن هؤلاء القتلى سقطوا خلال حرب أهلية ترافقت مع مجاعة، وأدت إلى مقتل ما بين ثلاثمئة ألف وخمسمئة ألف أرمني، فضلا عن عدد مماثل من الأتراك حين كانت القوات العثمانية وروسيا تتنازعان السيطرة على الأناضول.
وتطالب أرمينيا واللوبيات الأرمنية في أنحاء العالم بشكل عام، تركيا بالاعتراف بما جرى خلال عملية التهجير على أنه “إبادة عرقية”، وبالتالي دفع تعويضات. كما أقر عدد من المؤرخين في أكثر من عشرين دولة -بينها فرنسا وإيطاليا وروسيا- بوقوع إبادة.
في المقابل، ترفض أنقرة إطلاق صفة “الإبادة العرقية” على أحداث 1915، وتصفها بـ”المأساة” لكلا الطرفين، وبأنها “أحداث مؤسفة أودت بحياة أرمن وأتراك مسلمين”، وتدعو إلى تناول الملف بعيدا عن الصراعات السياسية، وحل القضية عبر منظور “الذاكرة العادلة” الذي يعني باختصار التخلي عن النظرة الأحادية.
وتشدد تركيا على أنها دعت أرمينيا إلى فتح أرشيف الدولتين بهذا الخصوص، لكن الأخيرة ترفض ذلك وتعتبر أن القضية “غير قابلة للنقاش”.
وفي وقت سابق، وصف البابا فرانشيسكو الحادث بأنه “إبادة جماعية”، وتلا ذلك إقرار البرلمان الأوروبي رسميا هذه العبارة لوصف ما جرى للأرمن.
وأبدى المسؤولون الأتراك -وعلى رأسهم الرئيس رجب طيب أردوغان– استياءهم من تلك التصرفات، لكنهم أكدوا أن بلادهم لا تعيرها أدنى أهمية لعدم استنادها إلى أي دليل تاريخي أو قانوني.
ويقول مدير مركز دراسة العلاقات التركية الأرمنية في جامعة أتاتورك بمدينة أرضروم، إيرول أوغلو، لوكالة الأناضول، إن الدولة العثمانية عام 1915 لم تصدر قانون “الترحيل والإسكان” لأهداف دينية أو قومية، بل لإبعاد “العصابات الأرمنية” التي ارتكبت مجازر في حق المسلمين وخاصة النساء والأطفال والمسنين. واتهم الأرمن بمحاولة “خلط الأوراق وتضليل الرأي العام للتغطية على جرائمهم تلك”.
كما نشرت صحيفة ميللي التركية وثائق تاريخية قالت إنها تكشف رفض دول أوروبية طلب الدولة العثمانية إرسال قضاتهم للانضمام إلى لجنة التحقيق التي أسستها للتحقيق في أحداث 1915، وكشف الضباط الذين استغلوا وظيفتهم لتهجير الأرمن، حيث رفضت هولندا وسويسرا والدانمارك وإسبانيا المشاركة، بدعوى أن هذه “اللجنة لا تناسب مصلحتها وغير ضرورية”، بحسب الصحيفة.