نشر موقع “المونيتور” مقالًا للكاتبة اللبنانية الفرنسية، منى العلمي، تحت عنوان “هل يتخلى لبنان عن السياسات الطائفية”، تتناول فيه الانتخابات البلدية اللبنانية وتصويت الناخبين لصالح المستقلين وتخليهم عن الفصائل والأحزاب السياسية. ويتناول المقال أيضًا المظاهرات العراقية التي تخطت المشاكل الطائفية إلى المشاكل المحلية وانعدام الأمن والخدمات الحكومية.
عبر الساخطون عن استيائهم من الانتخابات المحلية التي جرت في لبنان في شوارع العراق. فهما دولتان تعانيان من الطائفية والتهديدات المستمرة للإرهاب. كما شهد كل منهما صعود حكام فاسدين. في لبنان، سجلت الانتخابات المحلية في مايو انخفاضًا في دعم الأحزاب التقليدية، بينما في العراق، فقد هزت الاحتجاجات المنددة بالفساد المستشري في الحكومة أنحاء البلاد. هل هناك أمل في طريق ثالث جديد في الشام؟
اختتم لبنان الانتخابات البرلمانية في 29 مايو. وفي طرابلس، عاصمة الشمال، فازت قائمة على رأسها أشرف ريفي، وزير العدل السابق المنتمي لحركة المستقبل، بأغلبية مقاعد المدينة ضد قائمة تحالف يدعمها شخصيات سنية كبيرة، تضم شخصيات من أصحاب المليارات ورئيس الوزراء السابق، نجيب ميقاتي، وسعد الحريري، والملياردير محمد الصفدي وعائلة كرامي صاحبة النفوذ.
وقال بول خليفة، المحلل ورئيس تحرير “المجلة” التي تصدر بالفرنسية، لموقع المونيتور: “لقد أظهرت الانتخابات بشكل واضح استياء الناخبين اللبنانيين من سياسات الفصائل المحلية”. “ففي عدة مناطق في أنحاء البلاد، رفض مؤيدو الحزب اتباع تعليمات قياداتهم. فمثلًا، حصلت قائمة “بيروت مدينتي”، والتي تضم مستقلين محدودي الموارد، على 40% من أصوات الناخبين في مدينة بيروت، أمام قائمة أخرى يدعمها 11 فصيلًا لبنانيًا. كما ظهر الاتجاه نفسه في مناطق المسيحيين والدروز؛ حيث كانت الأحزاب منفصلة عن قواعدها الشعبية”.
حدث تمرد مماثل في المناطق الشيعية، معاقل حزب الله وحركة أمل، التي انتابها السخط هي الأخرى ولكن بنسبة أقل من المناطق الأخرى. وقد ظهر الدعم القوي لحزب الله في فوز الحزب في مناطقة التقليدية، مثل بعلبك والهرمل والضاحية (الضاحية الجنوبية ببيروت) وجنوب لبنان. لكن الشيطان يمكن في التفاصيل. ولكن المفاجئ في الأمر هو أنه على الرغم من إحكام حزب الله قبضته على مناطقه وعلى الرغم من احتكاره للسلاح، إلا أن القوائم المستقلة والعائلية وكذلك الحزب الشيوعي اللبناني قد نجحوا في المنافسة والفوز بعدد لا بأس به من الأصوات، وقد فازوا بالفعل في بعض المناطق.
ووفقًا لمقال نشر على موقع لبنان الجديد، فقد نجحت قائمة المجتمع المدني “بعلبك مدينتي” في الحصول على 45% تقريبًا من الأصوات في بعلبك ووادي البقاع، الذي يعد أحد معاقل حزب الله. وفي مدينة الهرمل، واجه حزب الله قائمة مجتمع مدني أفزعها الفساد في مجلس المدينة.
وفي جنوب لبنان والنبطية، حصل الحزب الشيوعي والمستقلوم اليساريون على عدد غير مسبوق من الأصوات. فقد حاز الشيوعيون، وفقًا لما جاء في بيان الحزب في 23 مايو، انتصارات جزئية وكاملة في أكثر من 17 بلدية. وصرح المحلل التابع لحزب الله، قاسم قصير، لموقع المونيتور قائلًا: “لقد كان حزب الله قادرًا على الحفاظ على قاعدته الشعبية، ولكن كانت هناك حالات تمرد ضد أوامر الحزب”. وبالفعل كانت هناك ميول مثيرة للاهتمام في نتائج الانتخابات، فعلى الرغم من دعوة حزب الله لمؤيديه للتصويت للحزب، إلا أن كثيرين منهم قد تجاهلوا هذا “التكليف الشرعي”، وفقًا لما قالته مصادر مقربة من الحزب.
حالة عدم الارتياح التي سادت الانتخابات المحلية منبعها انتشار الفضائح البيئية والمتعلقة بالفساد مع حالة الشلل التي تعاني منها مؤسسات الدولة. فقد أشعلت مشكلة القمامة الاحتجاجات وتسببت في تأجيج الغضب بين المواطنين بسبب عدم قدرة المسؤولين على الوصول لحل دائم للأزمة. كما تضمنت فضيحة أخرى مزاعم وجود محطات إنترنت غير مشرعة يتربح منها شخصيات عامة. وفي الوقت نفسه، استمرت حالة الشلل التي أصابت مؤسسات الحكومة اللبنانية بسبب عدم قدرة الفصائل السياسية على انتخاب رئيس، والتي بدأت قبل عامين.
ويعتقد “خليفة” أن الطبقة السياسية في لبنان سوف تحاول ببساطة التمسك بالسلطة بدلًا من التعلم من الدرس الذي لقنه لهم الناخبون في الانتخابات البلدية. ومع ذلك فسوف تؤثر النتائج الأخيرة على الانتخابات البرلمانية في 2017، مع احتمالية تآكل القاعدة الشعبية للأحزاب لصالح المستقلين.
كما تحدث اضطرابات مماثلة مناهضة للطائفية في العراق. ففي 25 مارس، فر مئات من السياسيين العراقيين من المنطقة الخضراء، وفقًا لصحفية الإندبندنت؛ حيث اقتحم آلاف من المتظاهرين مقر الحكومة في بغداد، ليعبروا عن استيائهم من الظروف المعيشية القاسية والفساد. فالعراق يأتي في المرتبة الخامسة على مؤشر مدركات الفساد.
وصرح لؤي الخطيب، المدير التنفيذي لمعهد الطاقة العراقي، لموقع “المونيتور” قائلًا: “لقد اكتفى المتظاهرون من الوعود الجوفاء التي يعطيهم إياها السياسيون”. “فعلى مدار 13 عامًا خلال فترة ما بعد [صدام حسين]، لم تظهر آثار عائدات العراق التي تقدر بـ750 مليار دولار، فالخدمات العامة في حالة سيئة إن لم تكن منعدمة، والتضخم في ارتفاع مستمر، وقيمة الدينار العراقي آخذة في الانخفاض، ولم يعد بإمكان الحكومة توظيف المزيد من الناس في القطاع العام بسبب العائدات المنخفضة نتيجة لانخفاض أسعار البترول، كما أن القطاع الخاص قد أصيب بالشلل نتيجة اللوائح والإدارة السيئة”.
المتظاهرون من أتباع رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، الذي حارب ضد الاحتلال الأمريكي بعد عام 2003.
وقال ريناد منصور، الباحث بمعهد كارنيجي ببيروت، لموقع المونيتور: “لقد سئم الناس من الخدمات الحكومية السيئة، وانقطاع الكهرباء ومن النخبة السياسية العراقية التي تتظاهر بتمثيل الناس”. كما عبر أيضًا عن اندهاشه من استمرار التظاهرات طوال الوقت الذي استمرت فيه الحرب ضد تنظيم الدولة، ومن قدرة المتظاهرين على التحول من سياسات الهوية إلى التفكير في المشكلات المحلية الحقيقية.
وأضاف “منصور”، “لقد رأينا الاحتجاجات تؤلب الأكراد ضد الأكراد، والشيعة ضد الشيعة. كما تجاوزت المظاهرات الخطوط العرقية والدينية”.
وفي العراق، وصلت الأزمة إلى مستوى جديد، في ظل نفاد المال من الدولة بسبب انخفاض أسعار النفط ومبيعات البترول والغاز التي تمثل نحو 90% من عائدات الصادرات العراقية. يقول الخطيب: “أظن أن الركود سوف يستمر لشهور قادمة، حتى تنتهي العمليات العسكرية في الفلوجة والموصل”. “ولن يتم تنفيذ أية إصلاحات جادة قبل انتخاب حكومة جديدة بعد الانتخابات العامة في 2017”.
وتشير الأحداث الجارية في العراق ولبنان إلى احتمالية حدوث تغييرات جذرية في الدورات الانتخابية القادمة في كلا البلدين. يبدو أن التغيير يلوح في الشام؛ حيث لم تعد السياسات الطائفية مبررًا للفساد المتفشي وانعدام الفرص والعدالة والأمن.
وصرح وزير الداخلية اللبناني السابق، زياد بارود، لموقع المونيتور، قائلًا: “لا يمكن للأحزاب السياسية أن تزعم أنها الممثل الوحيد للشعب. فعليهم مشاركة السلطة مع العائلات والمجتمع المدني والمستقلين من الآن فصاعدًا. إن المزاج العام يتغير. ولم تعد الأغلبية الصامتة صامتة بعد الآن”.
منى العلمي
التقرير