هناك العديد من المغالطات المتعلقة بالإرهاب والتي يتم تناولها أحيانًا على أنها مسلمات وحقائق، وذلك على الرغم من أنها لا تستند إلى أسس وحقائق واقعية أو دراسات علمية مُحكمة.
وقد يعود ذلك الخلطُ إلى طبيعة الظاهرة وآليات تداولها على المستوى الإعلامي أو على مستوى العامة، فكثيرًا ما يتم الاعتماد على الملاحظة والتكهن للخروج باستنتاجات حول أسباب الإرهاب ودوافع القائمين به الاجتماعية والاقتصادية. وتحاول السطور التالية تصحيح عدد من هذه المغالطات الشائعة في فهم الإرهاب، والتي تشمل:
المغالطة الأولى: أعضاء الجماعات الإرهابية هم شبان فقراء ينقصهم التعليم والثقافة
كثيرًا ما يتم الربط بين الإرهاب والفقر ونقص التعليم، وتعد هذه العلاقة واحدة من أكثر المغالطات شيوعًا فيما يخص الإرهاب، ويستند هذا الربط على منطق أن الجهل يأتي من رحم الفقر، فالفقراء لا يُلحقون أبناءهم بالمدارس، بل يُسارعون إلى دفعهم لطلب الرزق، وهو ما تنتج عنه في النهاية أجيال تفتقر إلى التعليم الكافي، وهو ما يجعل هذه الأجيال أكثر عرضة للتأثر بما يُمارَس عليهم من عمليات “غسل المخ”، فالحرمان الناتج عن الفقر واللا عقلانية الناتجة عن الجهل تجعلهم يتقبلون الأفكار الخرافية والمتشددة.
وعلى الرغم من منطقية وعقلانية هذا التأويل على المستوى النظري؛ فإنه حتى الآن لم يتمَّ التوصل إلى دلائل علمية ترجح صحة هذه العلاقة. فقد كانت واحدة من أهم النتائج التي توصل إليها القائمون على المؤشر العالمي للإرهاب (2014) وفقًا لما ورد في التقرير الخاص بالمؤشر الذي يقوم بتحليل حوادث الإرهاب في 162 دولة حول العالم – أنه لا توجد علاقة إحصائية دالة بين الفقر والمستوى الاقتصادي والتعليمي للإرهابيين.
وفي محاولة للتعرف على إمكانية وجود علاقة بين الإرهاب والفقر وتدني المستوى التعليمي؛ قام كلٌّ من كروجر ومالكوفا في عام (2003) بإجراء دراسة تحليلية بعنوان “التعليم والفقر والإرهاب: هل هناك علاقة سببية بينها؟”، وقد قررا أنه على الرغم من أن العديد من الدراسات البحثية المنشورة في اقتصاديات الجريمة تُرجح وجود علاقة بين الفقر ونقص التعليم وما يمارس من أنشطة غير قانونية، خاصة جرائم الممتلكات، وعلى الرغم أيضًا من أن الإرهاب يُعد نوعًا من أنواع الجرائم – فإن التراث البحثي في مجمله لم يرجح وجود علاقة مشابهة بين الفقر والإرهاب أو نقص التعليم والإرهاب.
ولعل المتأمل للخلفية الاجتماعية والاقتصادية للمنضمين للجماعات الإرهابية يلاحظ أن هذا الربط لا يستند إلى أدلة واقعية، فالعديد من منفذي العمليات التفجيرية في الولايات المتحدة الأمريكية لم يأتوا من خلفية فقيرة، بل ينتمون إلى عائلات متوسطة أو ثرية، وأن أسامة بن لادن نفسه كان ينتمي لعائلة شديدة الثراء، وأن مئات الشبان الذين يأتون من مختلف دول أوروبا للجهاد في سوريا ليسوا من أبناء الطبقات الفقيرة، وقد تلقوا تعليمًا جيدًا.
المغالطة الثانية: معظم منفذي العمليات الإرهابية ينتمون للإسلام
منذ وقوع هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، انتشرت حول العالم قناعة مؤداها أن ما حدث له علاقة بالدين الإسلامي، وأن التطرف الديني هو الدافع الرئيسي وراء ما وقع وما سيقع من هجمات إرهابية، وقد وجد هذا التصور صدى واسعًا امتد ليشمل هجومًا على الأديان بشكل عام.
وقد حاول الخبراءُ في مجال الإرهاب والأديان تطوير نظريات معقدة حول الدور الذي يلعبه الدين فيما يقع من عمليات إرهابية على مستوى العالم، توصلوا من خلالها إلى أن الدين بشكل عام ليس هو الدافع الحقيقي لما يحدث من عنف، فالدين هو عامل واحد من بين مجموعة من العوامل السياسية والثقافية والنفسية والاجتماعية التي تلعب دورًا في ظهور وانتشار الإرهاب؛ حيث يُعرِّفُ الخبراءُ القائمون على قاعدة بيانات المؤشر العالمي للإرهاب الإرهابَ بوصفه “التهديد أو الاستخدام الفعلي لقوة غير مشروعة أو غير مصرح بها من قبل أشخاص غير تابعين للدولة بهدف تحقيق أهداف سياسية، أو اقتصادية، أو دينية، أو اجتماعية، من خلال نشر الخوف أو الإكراه أو الترهيب”، أي لم يقتصر التعريفُ فقط على الأهداف الدينية كما هو شائع، ومن هنا يبدو أن الصياغة الصحيحة للعلاقة تكمن في الربط بين الإرهاب والتطرف بكافة أشكاله، سواء كان دينيًّا أو سياسيًّا أو اجتماعيًّا، أو غيرها.
وقد أظهر تقرير نشرته وكالة الاستخبارات الأمريكية أن نسبة ضئيلة من الحوادث الإرهابية التي وقعت في الولايات المتحدة الأمريكية في الفترة من 1980-2005 قد ارتكبها مسلمون، حيث بلغت نسبة الحوادث التي ارتكبها مسلمون 6% فقط من مجمل الحوادث.
المغالطة الثالثة: المرأة تلعب دورًا هامشيًّا يقتصر على الدعم والمساندة للإرهاب
لقد لعبت المرأة -ولا تزال- دورًا هامًّا داخل الجماعات الإرهابية المنظمة، فقد تخطى دورُها مجرد الدعم أو الدعاية أو التجنيد، وامتد إلى القيادة والمشاركة الفاعلة في التخطيط والتنفيذ للعديد من العمليات الإرهابية في الآونة الأخيرة. فعلى الرغم من سعي قيادات تنظيم القاعدة إلى إبقاء النساء بعيدات عن القيادة والتنفيذ وأنشطة الخط الأمامي فيما تنفذه الجماعة من عمليات إرهابية، فإن التنظيم اعترف لأول مرة باستخدام النساء في تنفيذ عمليات انتحارية من قبل “أبو مصعب الزرقاوي” زعيم تنظيم القاعدة في العراق، وتزايدت بعدها أعداد نساء التنظيم المشاركات جسديًّا داخل المعارك.
ومن أبرز الأسماء التي ترددت مؤخرًا في هذا الصدد “ندى القحطاني” المعروفة باسم “الأخت جليبيب”، والتي كونت تنظيمًا يضم مجموعة من النساء تطلق على نفسها اسم “صحابة جينان”، وقد أصدرت مؤخرًا بيانًا قالت فيه: “إن قرار المرأة للقتال في ساحة المعركة هو مسألة خاصة بها، وأن للمرأة الحرية في القتال طالما أنها لا تشارك في أنشطة خاطئة”، وهناك أيضًا من تنظيم القاعدة “وفاء آل شهري” أرملة عضو تنظيم القاعدة السابق في شبه الجزيرة العربية “سعيد الشهري”، والتي كتبت في مايو 2010 مقالا تدعو فيه المرأة السعودية للانضمام لتنظيم القاعدة.
ويعتبر هذا المقال خطوة رئيسية في تطور جناح القاعدة من الإناث في منطقة الجزيرة العربية. وهناك أسماء أخرى كثيرة من نساء تنظيم القاعدة مثل “هالة القصير” التي تعتبر واحدة من أبرز عناصر التنظيم وأكثرهن نشاطًا في تأمين التمويل، وتأمين المجندين الجدد، بمن فيهم الأعضاء الذين سيذهبون في وقت لاحق لتنفيذ هجمات انتحارية.
ولا يجد تنظيمُ داعش حرجًا في تجنيد النساء ودفعهن لصفوف القتال وتنفيذ العمليات الإرهابية للتنظيم، ويظهر ذلك بوضوح في منطقة مثل الرقة، التي صار اسمها “إمارة الرقة”.
ولا تقل ممارسات الكتائب النسائية الداعشية وحشية عن ممارسات المقاتلين، ومن أبرز أسماء نساء داعش “أم المقداد” المعروفة بـ”أميرة نساء داعش”، وهي المسئولة عن تجنيد الفتيات والسيدات في محافظة الأنبار العراقية، ومنهن أيضًا “أم مهاجر” وهي المسئولة عن كتيبة “الخنساء” في الرقة بسوريا، والتي تتكون من ٦٠ امرأة، وتشتهر نساء تلك الكتيبة بوضع “اللثام الأسود” على وجوههن، وحمل الأسلحة دائمًا.
المغالطة الرابعة: العمليات الإرهابية تنفذها جماعات منظمة لها خطط مسبقة
هناك صورة نمطية يتم من خلالها تصوير النشاط الإرهابي على أنه نشاط منظم ناتج عن استراتيجيات وخطط معدة مسبقًا من قبل جماعات أو تنظيمات إرهابية لها طابع تنظيمي، وهذا ليس الواقع في جميع الأحوال، فهناك العديد من الهجمات التي يقوم بتنفيذها أشخاص يعملون فرادى دون قيادة أو تنظيم، حيث يعتمدون على أساليبهم الخاصة في تنفيذ العمليات التي يقومون بها دون أن يخضعوا لتوجيهات خارجية.
وقد تحدث الرئيس الأمريكي “باراك أوباما” في الذكرى العاشرة لهجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 عن خشيته من العمليات الإرهابية التي تقوم بها “الذئاب المنفردة”، ويقصد بمصطلح “الذئاب المنفردة” الأشخاص الذين يكونون على استعداد للتحرك والهجوم بصفة منعزلة، دون انتمائهم إلى جماعات إرهابية منظمة، وقد صرح أوباما قائلا: “إننا في حاجة لأن نحتاط بشكل أكبر من العمليات الإرهابية التي ينفذها شخص يعمل منفردًا أكثر من خوفنا من الهجمات الإرهابية المنظمة”.
ولعل المخيف في الأمر أن “الذئب المنفرد” قد يكون قادرًا على تنفيذ عمليات أكثر خطورة من العمليات التي تنفذها الجماعات مع عدم القدرة على كشفه مسبقًا أو التنبؤ به، ويمكن إدراج العديد من التفجيرات التي وقعت في العديد من الدول في الآونة الأخيرة ضمن إرهاب الذئب المنفرد، لأن الذي نفذ العديد منها أشخاص عاديون ليس لديهم سجل سياسي أو جنائي لدى أجهزة الأمن.
وقد قام تنظيمُ داعش بتوزيع منشور تحت عنوان “الذئب المنفرد” على عناصره يتضمن خطة التنظيم التي يعتزم تعميمها خلال الفترة القادمة، وتضمَّن المنشور القول بأن “العمليات الفردية تسبب إحباطًا وارتباكًا لدى أجهزة الدولة، لأنه لا يمكنهم التوصل لأفراد الجماعة والتنظيم والبحث عن الخيوط لإحباط أي عمل ثانٍ، أو إيقاف المنفذين الذين خططوا وجهزوا ونفذوا، وإنما الأمر كله تم بشخص”.
وقد ورد في المنشور الذي أصدره التنظيم لقياداته في جميع الدول العربية، واستهدف تعميمه في مصر على وجه الخصوص أن “أهم وأقوى وأجلّ أنواع الجهاد في الزمن الحالي هو الجهاد الفردي المنفرد “الذئب المنفرد” وفيه فائدة كبيرة ونتائج جيدة في القضية الجهادية والإسلامية، ففيه يكون المسلم الموحد المجاهد قنبلة موقوتة تنضج على نار هادئة لا يعرف الكفار متى تنفجر عليهم، وبأي لحظة وكيف”، محددًا لأنصاره ما يجب عليهم أن يفعلوه كي يكون كلٌّ منهم “ذئبًا منفردًا”، ومن ذلك اللجوء إلى “أن تخفي تدينك واستقامتك، لأن الأجهزة الأمنية والمخابرات دائمًا ما تراقب المساجد، فالأفضل أن تقلل ذهابك للمساجد، فمثلا أن تصلي أيامًا ولا تصلي أخرى في المسجد، وألا تصلي السنن والنوافل بالمسجد، لأنه غالبًا ما يكون هناك لأجهزة الأمن عيون”.
المركز الاقليمي للدراسات الاستراتيجية