«تنتقد الأوجلانيين، أنتَ مع البارزانيين. تنتقدُ البارزانيين، أنتَ مع الأوجلانيين. تنتقدُ أوجلان، أنتَ أردوغاني. تنتقدُ البارزاني، أنتَ خائن. تنتقدُ الاثنين معاً، أنتَ طالباني. تنتقدُ البارزاني وأوجلان والطالباني، «إخسَ عليك»، أنتَ لستَ كردياً!»، هذا ما كتبه صحافي زميل كُردي على صفحته الفايسبوكية، وفيه ملخّصٌ للواقع الكردي المتشرذِم والمنقسِم على ذاته حتى الدمار، وضياع الحلم القومي بدولة كردية.
واقع يُذكّرني بالانقسامات اللبنانية المتـــعدّدة الانتماءات والتــبــعيات الخارجية، في عجزها المُعيب عن توحيد الكلمة والمطالب ورصّ الصفوف، حتى في أحلك الظروف المصيرية، عندما يكون الكيان اللبناني في دائرة الخطر الوجودي.
يدخلُ الصراع السوري مرحلة ضبابية، تُظلّل فيها خيالات الدولة الكرديــــة الموعــــودة التــــحرّكات الديبلوماسية والمفاوضات الإقليمية والدولية الناشطة لبلورة الخريطة الجديدة للمنطقة، وما يُمكن أن ينتجَ منها من إعادة رسم للحدود، وتفكّك دول، وقيام أخرى، خصوصاً بعد تكاثر الحديث عن تداعي دولة «داعش»، وانهيارها قريباً.
عقدة العقد في الصراع السوري، هي الدولة الكردية. الغرب لا يُمانع نشوءها، في حين ترتعب دول الجوار وتتكاتف لوأدها، قبــل أن تولد. تحوّلات أخيرة في التحالفات بين الأطراف المختلفة، وفي صفوف الحلف الواحد، يفرضُها الخوف من قيام دولة كردية تصيـــر سابـــقة في المنطقة، وتفتحُ شهيّة قوميات أخرى على المطالبة بالاستقلال. تركيا المذعورة شرّعت أبوابها علانيةً للروسي، وجدّدت تحالفاتها العسكرية مع الإسرائيلي، وفتحت خطوطاً تفاوضية سرّية مع جيرانها، وأبدت استعداداً للكلام مع بشار الأسد نفسه، فقط لتضمن إجماعاً حول رفض قيام الدولة الكردية.
والواقع أن «الدول لا تقوم على أساس الأحلام، بل المعطيات البشرية والجغرافية»، كما يقول ديبلوماسي مخضرم. وعلى رغم أن الدولة الكردية هي حلم الأكراد منذ أكثر من ١٤٠٠ عام، وقد سكنت قصائد شعرائهم وروايات كتّابهم بحنين محرّك للعواطف، إلا أنه لا الجغرافيا ولا الاقتصاد ولا الظروف الإقليمية تسمح بقيامها. فوقوع هذه الدولة بين سلاسل من الجبال الشاهقة والعصيّة يفرّق بين المجموعات الكردية جغرافياً وثقافياً وسياسياً، ويزيد من النفور الكردي – الكردي. وتوافر النفط لا يعني أبداً توافر الموارد المادية للدولة التي لا تملك أيّ منفذ على البحر، بل تظلّ أسيرة رضا الدول المجاورة عليها لتصدير النفط واستيراد البضائع اللازمة.
يبقى أمل الأكراد كبيراً في إرادة القوى العظمى السماح بقيام الدولة الكردية، وما تردد من أن أميركا يمكن أن تدعم قيام دولة كردية، كخطوة تمهيدية لقيام دولة كردستان الكبرى التي من شأنها أن «تضمن وجود دولة صديقة وحليفة للولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، وتستثمر تعاطف الملايين من الكرد مع أميركا، في منطقة استراتيجية تواجه كراهية عربية متنامية للأميركيين».
حتى الآن، تبدو حظوظ نشوء دولة كردية متناصفة الى حدّ كبير. حظوظ قد ينقضها تبدّل في التحالفات الراهنة وانقلابات استراتيجية عليها. فهل تضيع الفرصة على الأكراد بالتقاط لحظة تاريخية يمكن أن تصنع تاريخ دولتهم العتيدة، كما ضاعت في العشرينات، يوم أُعيد تقسيم المنطقة بين الحلفاء المنتصرين في الحرب العالمية الأولى، من دون أن يُلحظ هؤلاء بدولة مستقلّة، وبعدما تخلّت عنهم حليفتهم بريطانيا إرضاءً للصديق التركي أتاتورك؟ هل يعيد التاريخ نفسه اليوم وإن تغيّر اللاعبون؟.
فاديا فهد
صحيفة الحياة اللندنية