أحدثت مهلة شهر، التي منحها مجلس محافظة كربلاء للنازحين بالعودة إلى مناطقهم، صدمة لدى العراقيين الذين بدأوا يشعرون أن بلدهم لم يعدا مفتوحا لكل أبنائه، وأنه صار مقاطعات مفككة كل واحدة تنغلق على نفسها لاعتبارات طائفية أو عرقية.
ويثير موقف مجلس محافظة كربلاء تساؤلا كبيرا لدى العراقيين: كيف يرفض نازحين عراقيين هجّرتهم الحرب ويقبل بوجود العشرات من المؤسسات الإيرانية المشبوهة التي تتخذ من المناسبات الدينية غطاء بشكل يجعل المئات من منسوبيها موجودين في المحافظة باستمرار.
وأعلن مجلس محافظة كربلاء الجمعة أنه قرر إعادة النازحين الذين تحررت مدنهم إلى مناطقهم الأصلية، ممهلا إياهم مدة شهر للعودة.
وقال رئيس المجلس نصيف الخطابي إن “القرار يشمل النازحين الذين تحررت مناطقهم”، مشيرا إلى أن هذا القرار “جاء من أجل الحفاظ على الوضع الأمني في العراق بصورة عامة ومحافظة كربلاء بصورة خاصة”.
واضطر الملايين من العراقيين إلى مغادرة منازلهم هربا من العنف والحرب بعد هجوم شنه داعش الذي سيطر في عام 2014 على أجزاء كبيرة من الأراضي العراقية.
وأعلن رئيس اللجنة القانونية في مجلس محافظة كربلاء محفوظ التميمي أن القرار “يشمل نازحي الأنبار بكافة أقضيتها ونواحيها بما فيها مدينة الفلوجة، ولا يشمل النازحين من محافظة نينوى الذين لم يتم تحرير مدنهم حتى الآن”.
ورفضت وزارة الهجرة والمهجّرين في الحكومة العراقية السبت قرار محافظ كربلاء ووصفت الخطوة بالعودة القسرية التي تتنافى مع الدستور الذي ينص على حرية السكن والانتقال بالنسبة إلى العراقيين.
وقال جاسم محمد وزير الهجرة إن “عدم عودة العديد من الأسر النازحة إلى مناطق سكناها الأصلية المحررة يعود إلى عدم جهوزيتها على مستوى الخدمات والأمن، فضلًا عن تضرر المنازل جراء العمليات العسكرية بتلك المدن”.
وطالب الوزير “المحافظات التي تنوي إجبار الأسر النازحة على المغادرة والعودة إلى مدنها الأصلية بالعدول عن هذه الخطوة”، لافتًا إلى أن وجودهم “لن يشكل أيّ خطر يوحي بتغيير ديمغرافي للمحافظات المضيفة”.
ولأول مرة تثار قضية التغيير الديمغرافي بين العراقيين في ما عدا إقليم كردستان الذي سعى إلى إحداث تغيير في المدن والبلدات القريبة بهدف ضمها إلى الإقليم الذي يحوز الآن على حكم ذاتي أشبه بالانفصال.
وقال مراقبون عراقيون إن السبب الرئيسي لهذا الموقف يعود إلى كون النازحين يأتون من الأنبار ذات الغالبية السنية، وأن وجودهم قد يحدث تغييرا ديمغرافيا يمسّ من هوية كربلاء ذات الغالبية الشيعية والتي تضم عدة مزارات وتعتبر مقدسة لدى شيعة العراق.
واعتبر مراقب سياسي عراقي أن العراقيين دأبوا قبل غزو 2003 على التنقل بحرية بين مختلف المدن والمحافظات بما في ذلك كربلاء، وأن ذلك لم يمثل أيّ عائق أمام الأنشطة الدينية، لافتا إلى أن غلبة التفكير الطائفي، والذي دعمته الأحزاب الدينية ومن ورائها إيران، شجع المحافظات على السعي لتذويب الهوية العراقية الجامعة مقابل خلق هوية جديدة لا ترتبط بمفهوم الوطن.
وتساءل المراقب في تصريح لـ”العرب”: إذا كان رئيس مجلس محافظة كربلاء متضايقا من وجود أعداد كبيرة من العراقيين في المحافظة ويريد التخلص من الأعباء التي يمثلونها، فلماذا يقبل بزيارة الملايين من الإيرانيين الذين يثير وجودهم الكثير من الشبهات.
وساهم توافد الإيرانيين إلى المزارات الشيعية بالعراق في خلق مجتمعات مصغرة تضرب الهوية العراقية في مقتل وتروّج لقيم وسلوكيات تتناقض مع قيم العراق.
ومن الواضح أن غزو 2003 والصراعات الطائفية التي يغذّيها نجحا في كسر الإحساس بالانتماء المشترك بين العراقيين وخلق بدائل طائفية وعرقية تريد كل واحدة منها الاستحواذ على الأرض.
وما يساعد على إنجاح خطط الانفصال والتفكيك التي صارت مطمحا لأغلب المحافظات هو سكوت رئيس الوزراء حيدر العبادي الذي بدا همه في الأسابيع الأخيرة هو استرضاء الميليشيات.
وصار الشغل الشاغل للعبادي هو ملف إعدام المعتقلين المتهمين في قضايا إرهابية وبعضهم من دول خارجية مثل السعودية والكويت. ومن عادة أي رئيس وزراء أن يبتعد عن القضايا المثيرة للخلاف أو التي توتر العلاقة مع محيطه الإقليمي، لكن العبادي يفعل عكس ذلك ويسعى لإثارة غضب محيطه من بوابة قضية الإعدام.
وأفاد بيان صادر عن مكتبه السبت أن العبادي أمر بتشكيل لجنة من ممثلين عن الأمانة العامة لمجلس الوزراء ومجلس القضاء الأعلى ورئاسة الجمهورية ووزارة العدل تتولى حسم “ملف المحكومين بالإعدام وتحديد المعوقات والأسباب التي تؤدي إلى تأخير تنفيذ أحكام الإعدام”.
صحيفة العرب اللندنية