يتمتع مؤلفو قناة الانشقاق في سورية التابعة لوزارة الخارجية الأميركية بالشجاعة لاستطاعتهم التحدث. وكما هو واضح فإنهم مرتعبون من الحالة الإنسانية وهم يشعرون بالحنق على نحو مفهوم من أعوام من فشل السياسة في البلد. لكن هل هم محقون؟
لقد ركز الكثير من رد التعليقات على رسالة أخبار قناة الانشقاق في سورية (بما فيها ردي) على قضايا إجرائية- ما إذا كان الانشقاق يعكس على سبيل المثال حالات عدم اتفاق في داخل وزارة الخارجية الأميركية نفسها، أو بين الوزارة والبيت الأبيض: وما إذا كانت سورية ستصبح موضوع حملة: وكيف سترد إدارة اوباما. وذلك لا يخدم المؤلفين نظراً لأنهم تقدموا بتوصية محددة حول موضوع يتسم بالجدية—أن تنخرط الولايات المتحدة في صراع مسلح مع دولة أخرى.
يجب على أي رسالة من قناة انشقاق افتراض معرفة واسعة للموضوع الكامن. ولا توجد أي طريقة تستطيع مذكرة تقع في ثلاث صفحات ونصف الصفحة أن تقدم تفسيرا عقلانياً كاملاً يبرر الذهاب للحرب وتلك ليست بمهمتها. لكن صانعي السياسة والمعلقين يحملون المؤلفين مسؤولية وزن وجهات نظرهم بعناية. ولو أننا تعلمنا شيئاً ما من الورطة التي هي الحرب في العراق فإنه يجب أن يكون استخدام القوة من دون وجود هدف استراتيجي محدد بوضوح والتزام طويل الأمد من المرجح أن ينتج أجساماً مكسورة ومالا مهدورا ونفوذا دوليا متضائلا.
تعيد مذكرة قناة الانشقاق بإسهاب وتعزز بديهية دبلوماسية: إن المفاوضات مع خصوم قاسين (مثل نظام الأسد الذي يواجه تهديداً أمنياً وجودياً) صائرة إلى فشل من دون وجود رافعة. وتستحق توصيتهم القيام بحملة قصف موسعة لخلق ضغط تكتيكي كان قد استخدم عدة مرات في التاريخ الأميركي. ومع ذلك، فإن منفعته في السياق السوري تعتمد على ما إذا كان قصف أهداف نظام الأسد يعزز نفوذنا في المفاوضات ويضعف النظام وما إذا كان سيسبب بدلاً من ذلك انهيار الجهود الدبلوماسية لتأسيس ركائز مباحثات السلام الفعلي.
ومن الطبيعي أن تكون هناك أسئلة قانونية حول ما إذا كانت هذه الحملة تعتبر مشروعة بموجب القانون الأميركي والقانون الدولي: اعتبارات أخلاقية لضرر جمعي محتمل: وأسئلة سياسية حول الحقوق المقصورة على السلطتين التنفيذية والتشريعية، وقرار موازنة يتعلق بما إذا كان سيتم انفاق مال دافع الضرائب على نزاع اختيار في وقت عدم يقين اقتصادي، والمسؤولية الكبيرة لأوباما أو الرئيس المقبل للزج بالجنود الأميركيين من الرجال والنساء نحو الخطر.
على أنه من الضروري تقييم تلك المعايير. وعلى أي حال، نحتاج في المقام الأول إلى معرفة الوجهة التي سنمضي إليها. ويعرف المؤلفون أن نظام الأسد الأقل مقدرة على مهاجمة المدنيين والأكثر رغبة في التقيد بوقف لإطلاق النار هدف قريب الأمد. لكن وقفاً لإطلاق النار في وسط الركام وحيث الأسد ما يزال متربعا على السلطة وحيث داعش طليقة وحيث المؤسسات المدنية مهشمة يعتبر هدفاً يائسا على نحو مزعج لست متأكداً من أن معظم الأميركيين سيدعمون استخدام القوة إذا كان هذا الشرط هدفنا.
وإذا ذهب المؤلفون بعيداً جداً في اقتراح استخدام محدد للقوة قبل تعريف هدف استراتيجي ملحّ فهم لا يذهبون لبعد كافٍ في تفسير ما تمس الحاجة لفعله. (أشك في أنهم يعرفون، لكن الدعوة لانخراط يكون حتى أكثر درامية ربما تكون قد بدت حتى أصعب من الطرح على نحو ملّح في مذكرة قصيرة تقدم للمتشككين.)
إلى ذلك، أتقاسم الحنق مع مؤلفي قناة الانشقاق. فقد عملت في موضوع عن سورية عندما كنت مديراً لموظفي مجلس الأمن القومي في العامين 2011-2012. وكنت فخوراً لأننا بنينا ائتلافات واسعة متعددة الجنسيات وراغبة في إدانة الأسد وعزله.
كان لجهودنا في الأمم المتحدة أثر قليل في إقناع دمشق بوقف الأعمال العدائية أو بالسعي لمحصلة متفاوض عليها. وحتى العقوبات الاقتصادية القوية والدعم المحدود للمجموعات المسلحة التي تقاتل بالوكالة في داخل سورية لم يكونا قادرين على فعل ذلك.
وفي الأثناء، أشك في أن كاتبي المذكرة يعتقدون بأن لا حل سلمياً ممكنا طالما ظل الأسد قابضاَ على السلطة لأنه لاعب ماكر ولأن تواجده غير مقبول عند الناجين من وحشيته على حد سواء. وبعد خبرة السنوات القليلة الماضية، فإنني أوافق على ذلك. لكن إذا كانت تلك الحالة فما يهم ليس مجرد خلق نقل للسلطة وإنما أيضاً أن تتمتع السلطات الجديدة بمصداقية كافية وسلطة وكفاءة وسيطرة وموارد والتزام بتحقيق الرفاه للشعب السوري ورؤية ودعم لوجستي لتجنب أي جولة أخرى من الفوضى العارمة في سورية ( أو أي دولة أو مجموعة من الدول تنجم من تحت الركام).
وإذا كان الهدف هو “وضع حد لهذا الصراع مرة وإلى الأبد” كما يقول مؤلفو المذكرة في آخر سطر لهم فإن ما تمس الحاجة له عندها هو بناء الدولة- بالرغم من سقوط تلك العبارة منذ المغامرات الأميركية الفاشلة في أفغانستان والعراق- ويجب علينا الانخراط بالكامل في المهمة الآن، حتى قبل الفترة الانتقالية.
ومن المفهوم أن احتمال بناء مجتمع سوري عامل من الصفر مثبط للهمة. وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن الحكم البعثي يقوم على الحزب الواحد الذي استطاعت قلة من المؤسسات المدنية أن تنجو من سطوته وسيطرته. وكانت المجزرة الطائفية في الأعوام القليلة الماضية قد سممت الجو الخاص بالتعاون البين مجتمعي. ومن المستوى الأخفض تجب إعادة بناء وظائف الدولة والمجتمع المدني وإصلاحها وتمويلها. ومن غير الممكن فعل ذلك في داخل سورية إلا في المناطق المستقرة التي تشغلها مجموعات مسلحة غير راديكالية. إلى ذلك، يجب تعريف وتدريب ودفع رواتب وأجور المعلمين والعمال الطبيين والاجتماعيين وأفراد الشرطة وفرق الإطفاء وعمال المياه/ والصحة والمرافق الأخرى ورجال الأعمال الصغيرة وإداريي البلديات المحلية من كل الشرائح المجتمعية.
حتى لو انتهى الصراع في سورية وغربي العراق بمعجزة غداً فسوف تستغرق عملية بناء الأمة في الساحل الشمالي للبحر الأبيض المتوسط أجيالاً. ومن السياسة الخارجية الأميركية ستتطلب العملية ثلاثة أشياء تعتبر في بعض الأحيان مفقودة: الصبر والتواضع والتزام طويل الأمد. وتمس الحاجة إلى الشروع في العملية الآن لأنه وكما شاهدنا في العراق فإن بناء الأمة لا يتم بشكل تلقائي بعد فترة انتقال سياسي. ويعتبر وجود إطار عمل متحكم ومنظم شرطاً ضرورياً لعملية انتقالية ناجحة.
لذلك تحتاج سورية راهناً إلى “إدارة محلية في المنفى” أكثر مما تحتاج إلى “حكومة في المنفى” على مستوى سياسي. وبينما ستكون الموارد المطلوبة لتأسيس مؤسسات تدريب مشتركة ضخمة، شيء واحد لا يجب أن يفتقر له الجهد هو السوريون. ويجب إقناع اللاجئين السوريين الذين يتمتعون بمهارات مفيدة بالمشاركة. ويجب تدريب اللاجئين السوريين الذين لا يتمتعون بمهارات مفيدة مباشرة. ويجب أن يكون السوريون الذين يوجدون خارج البلد جزءاً من جهد دولي لإصلاح وطنهم الأم.
لقد قدّم مؤلفو قناة الانشقاق السوري خدمة ممتازة عبر إبراز فشل سياستنا السورية والتسبب في إجراء نقاش مستحق لتكتيكاتنا. ولقد شخصوا بشكل صحيح أن مفاوضينا يفتقرون إلى الرافعة التي تمكّن من التوصل إلى صفقة سلام مستدامة كما ذكّرونا بالتزامنا الأخلاقي بالعمل أكثر مما هو ببساطة المراقبة برعب. لكن إذا كان الهدف هو إصلاح سورية، هذه الدولة التي تبعث على الحنق والحزينة الفاشلة فعندها تمس الحاجة لاستصدار قرار عن ما إذا أو كيفية استخدام القوة ضد النظام إذا كنا مستعدين لبناء شيء ما في مكانه.
جوزيف كاسيدي
صحيفة الغد