تثير النجاحات التي يحققها الأكراد في سوريا والعراق قلق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي زادت مخاوفه الداخلية بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 يوليو.
ولا شك أن سيطرة أكراد سوريا، المدعومين أميركيا، على مدينة منبج وطرد داعش منها ترسل إشارات سلبية إلى أنقرة بأن حلم الإقليم الكردي في سوريا لم يعد بعيدا، وأن عليها أن تتعود على أمر واقع جديد وبرضا دولي.
وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن قوات سوريا الديمقراطية التي تحاول إخراج مقاتلي تنظيم داعش من مدينة منبج السورية تمكنت السبت “من السيطرة بشكل شبه كامل” على المدينة.
وتشكل وحدات حماية الشعب الكردية القوة الأكبر تأثيرا في قوات سوريا الديمقراطية. وقد شنت حملتها منذ شهرين بدعم من قوات أميركية خاصة لطرد داعش من آخر جزء تسيطر عليه على الحدود السورية التركية.
وقال شرفان درويش المتحدث الرسمي باسم المجلس العسكري في منبج المتحالف مع قوات سوريا الديمقراطية إن المعارك ما زالت مستمرة لكن 90 بالمئة من المدينة أصبحت خالية من التنظيم المتشدد.
وأضاف المرصد السوري الذي يقع مقره في بريطانيا “لا تزال عمليات التمشيط مستمرة في جيوب بوسط المدينة والقسم الشمالي من مركز المدينة حيث لا يزال عناصر تنظيم الدولة الإسلامية متوارين بمناطق وسط المدينة”.
وأشار مراقبون إلى أن رهان الغرب، والولايات المتحدة على وجه الخصوص، على الأكراد ناجم عن سياسات أردوغان في سوريا، وخاصة وقوف أنقرة وراء مجموعات متشددة تثير شكوكا دولية بشأن صلتها بالقاعدة وداعش المصنفتين إرهابيتين.
وأثبت أكراد سوريا أنهم كيان منظم وقويّ يمكن الرهان عليه في الحرب الدولية على الإرهاب بعد السيطرة على منبج، تماما مثلما نجحوا في طرد داعش من عين العرب (كوباني) منذ أكثر من عام.
وبدا إصرار الرئيس التركي على استثناء أكراد سوريا من مواجهة داعش وكأنه يهدف إلى تخفيف الضغوط على الجماعات المسلحة وجعلها طرفا رئيسيا في أيّ حلّ، وليس فقط لمخاوف بلاده من تصاعد نفوذ الأكراد، وهو ما أدّى إلى خلافات مع الولايات المتحدة التي تضع في أولويتها محاربة الإرهاب شرطا لأيّ حلّ سياسي.
ويجد أردوغان نفسه في وضع شبيه بما حصل مع الرئيس العراقي الراحل صدام حسين الذي عجز عن استيعاب الأكراد ليصبحوا في ما بعد ورقة ضغط خارجية على بغداد.
ويرى المراقبون أن هامش التحرك أمام تركيا لمواجهة تأثير الأكراد أصبح محدودا، فقد صار صعودهم كقوة إقليمية تحظى بثقة القوى الغربية أمرا واقعا، مشيرين إلى أن أكراد العراق صارت لديهم ثقة كبيرة بأنفسهم سياسيا وكقوة مقاتلة أثبتت كفاءتها في مواجهة داعش. ولا يستطيع الأتراك الآن أن يشتبكوا معهم من دون استثارة غضب الغرب.
ومع صعود طموحات أكراد “سوريا الديمقراطية” سيجد أكراد تركيا أن دورهم قد حان. وبدلا من كردستان العراق ستجد أنقرة على حدودها كردستان سوريا ثم ربما كردستان الكبرى.
وكانت أنقرة تسعى إلى إقامة منطقة عازلة داخل الحدود السورية لتطويق نزوع أكراد سوريا لإقامة إقليم مستقل، لكن هذا المسعى قوبل برفض صريح من روسيا، وضمني من الولايات المتحدة التي كانت تتخوّف من أن تمثّل هذه المنطقة منفذا لتسلّل المقاتلين الأجانب إلى سوريا.
ويسعى أكراد سوريا إلى استغلال الظرفية الحالية وحاجة كل من روسيا والولايات المتحدة لحليف مهمّ داخل سوريا، لتحقيق مكاسب لطالما حلموا بإنجازها كتكوين إقليم ذاتي.
وأعلنت روسيا لاحقا وقوفها بقوة إلى جانب الأكراد بعد توتر علاقتها مع تركيا بعد إسقاط إحدى مقاتلاتها على الحدود السورية التركية في نوفمبر الماضي، ولوّحت بالاعتراف بإقليم كردي بعد لقاء صالح مسلم رئيس الاتحاد الديمقراطي بميخائيل بوجدانوف ممثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
ولا يتوقع المراقبون أن تنجح زيارة الرئيس التركي إلى موسكو خلال الأسبوع الجاري في تغيير الموقف الروسي تجاهه ولا تجاه الأكراد.
وتشير تقارير مختلفة إلى أن روسيا التي رحّبت برسالة اعتذار من أردوغان ما تزال تساورها الشكوك بشأن رغبته في تطبيع العلاقة بين البلدين، وهو أمر مرتبط بتغيير موقفه ممّا يجري في سوريا ومراجعة دعمه للمجموعات المتشددة.
كما فشل الرئيس التركي، كذلك، في استمالة أكراد العراق رغم أنه سعى إلى دعمهم في صراعهم مع الحكومة المركزية. ولا يخفي إقليم كردستان العراق انحيازه لأكراد سوريا وتركيا، فقد بادر مسعود البارزاني رئيس إقليم كردستان العراق إلى المطالبة بوقف القصف الجوي التركي على مواقع الحزب الكردستاني التركي على الأراضي الواقعة تحت سيطرته.
صحيفة العرب اللندنية