ألقى الوزير الأوّل الفرنسي مانويل فالس خطابين يوم الثلاثاء 13 يناير أمام المجلس الوطني في حضور جميع أعضائه، كان الخطاب الأوّل تكريمًا لضحايا هجمات شارلي إبدو وهيبر كاشر، وفتح الخطاب الثاني نقاشًا تلاه تصويت على تمديد تدخّل القوّات الفرنسية في العراق بموجب المادة 35 (الفقرة ) من الدستور، الّذي يجبر الممثلين الوطنيين على السماح كلّ 4 أشهر بمتابعة العمليات.
وفي هذه المناسبة، أعطى الوزير الأوّل إجابته عن ثلاثة تساؤلات كبرى يطرحها الرأي العام للمسؤولين عن الدولة المشاركة في الحرب: لماذا تقاتل فرنسا؟ وأين تتواجد؟ وأي استراتيجية تتبعها؟
التحرّك هناك من أجل حمايتنا هُنا؟
أسباب التدخّل من ثلاثة مستويات. أوّلًا، كان من الضروري إنقاذ العراق ذي الوجود المهدّد من قبل الحرب الخاطفة من ألوية تنظيم الدولة الإسلامية الّتي هزّت الجيش العراقي في غضون بضعة أسابيع في يونيو 2014، وسيطرت على ثاني مدن البلاد، الموصل، وهدّدت العاصمة بغداد. ويتمثّل السبب الثاني في “وجوب التحرّك هناك من أجل حمايتنا هنا” على حدّ تعبير فالس أي بعبارة أخرى، مكافحة الإرهاب ليست قضية الشرطة، ولكن يجب أن تعالج من الجذور بوسائل عسكرية. وأخيرًا، هناك هاجس جيوسياسي حيث إنّ تقدّم تنظيم الدولة الإسلامية يهدّد بزعزعة استقرار الشرق الأوسط، وخاصة الدول الأربع الّتي تربطها بفرنسا صلات تاريخية: لبنان وسوريا والعراق والأردن.
ويهدّد تنظيم الدولة الإسلامية أيضًأ أوروبا، وتشهد أهمية التحالف ضدّ هذا التنظيم -32 دولة من بينها 6 دول عربية- على هذا القلق؛ إذ صرّح الوزير الأوّل الفرنسي “الخطر الإرهابي يبقى الأخطر“، مشيرًا إلى أنّ “صعود المقاتلين الفرنسيين بلغ نسبة +124 % في عام واحد“.
بعد قرابة الأربعة أشهر من الحملة [الدولية على تنظيم الدولة الإسلامية] أين توجد فرنسا؟ بدا الوزير الأوّل الفرنسي متفائلًا؛ فـ”موازين القوى قد تغيّرت، ولاسيّما في الأسابيع الأخيرة“، ودليله على ذلك أنّ مدينة كوباني على الحدود السورية التركية والّتي بدت محكومًا عليها بالسقوط في يد الجهاديين تمّت استعادة جزء منها، وكردستان ردّت الهجوم الخطير عن عاصمتها إربيل، وتمّت استعادة مدينة تكريت -معقل الديكتاتور السابق صدّام حسين. ورغم ذلك النصر ليس قريبًا والخطر لا يزال قويًّا في غرب بغداد، وفي المقابل الوسائل العسكرية الفرنسية جوية حصرًا.
وانطلاقًا من الإمارات العربية المتّحدة، يتقاسم سلاح الجوّ الفرنسي قاعدة مع القوّات الجوية الأمريكية ومؤخّرًا من الأردن، تقصف 15 طائرة بدون طيّار فرنسية من نوع رافال وميراج 2000 مواقع جهادية في العراق، ولكن ليس في سوريا، رغم أنّ الخصم نفسه متواجد على جانبي الحدود الّتي لم تعد موجودة في الواقع، وقد صرّح الوزير الأول الفرنسي: “لقد اخترنا عدم القيام بضربات جوية على سوريا ونحن نتحمّل مسؤولية هذا الخيار الّذي هو خيار شركائنا الأوربيين أيضًا. وبطبيعة الحال لا ننسى أنّ وضع عدّة مدن محاصرة مثل كوباني المعذّبة وحلب لا يمكن أن تجعل أي طرف منّا لا مبال وخطّنا لا يزال كما كان: لا بشار ولا داعش“؛ إلّا أنّ النائب المحافظ كلود غاوسغوين عبّر عن شعور جزء كبير من المجلس بلا شكّ من خلال اعتبار الـ “لا – لا” سخيفة.
مركزية الأزمة السورية
وقال رئيس الكتلة البرلمانية الاشتراكية الحائزة على أغلبية مقاعد المجلس برونو لورو من جهته أنّ المسار السوري في السياسة الفرنسية في الشرق الأوسط يكمن في تسهيل الانتقال السياسي بدون الرئيس السوري الحالي بشار الأسد وتكوين مقاتلين من القوّة الثالثة -الجيش السوري الحرّ- وتزويدهم بالأسلحة.
فهل هذا البديل موثوق في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية الّذي يظهر قوّة غير مسبوقة منذ ظهور تنظيمات مثل القاعدة أو طالبان أفغانستان؟ فقوّته تمتّد على أراضي واسعة في مساحة المملكة المتّحدة، يسكنها 6 مليون عراقي وسوري على الأقل، ويسيطر على جزء كبير من حقول الهيدروكربونات في سوريا وجزء من الحقول في شمال العراق؛ ممّا يضمن له 2 مليون دولار كعائدات بالعملة الأجنبية يوميًا، وقد حدّد وزير الدفاع الفرنسي إيف لو دريان أمام النوّاب من قبل “قدراته العسكرية -دبابات ومدرّعات وأسلحة ثقيلة وصواريخ- وقدرته على التدخل -حيث يقوم داعش بعمليات تقليدية وعمليات إرهابية أو عمليات في إطار حرب المدن على السواء- وأيضًا بعده الدولي؛ فداعش قوّة قادرة على التجنيد الواسع في الخارج؛ إذ بالإضافة إلى المتطوّعين الفرنسيين -حيث يدور نقاش كبير حولهم- يجنّد هذا التنظيم شبابًا في المملكة العربية السعودية وفي المغرب وفي تونس وغيرهم؛ إذ يملك نحو 10 آلاف أجنبي من أصل 40 ألف مقاتل. علاوة على ذلك، يتمتّع داعش بقدرة كبيرة على إدارة الإعلام ويمتلك وسائل مالية مهمّة. ولا يقدر هذا التنظيم على تجنيد الشباب المعرضين للخطر بل أيضًا قادر على تجنيد مهندسين وتقنيين وعلماء كمبيوتر وجامعيين“.
أقنعت الاستراتيجية العامّة للحكومة الفرنسية في الشرق الأوسط مجلس النوّاب الّذي اعتمد بالإجماع سوى صوت واحد (لنائب عن الاتّحاد من أجل الحركة الشعبية) و13 امتناعًا عن التصويت من اليسار الديمقراطي الجمهوري. ورغم ذلك تساءل بعض النوّاب خلال النقاش عن مدّة الصراع ونتائجه. وطرح النائب الشيوعي عن دائرة الشمال جان جاك كاندلياي سؤالًا عن تحالف فرنسا ومملكات النفط في الخليج، ودعا إلى “النأي بالنفس” عنها. وطرح تساؤلًا آخر: لماذا تمانع فرنسا رفع حزب العمّال الكردستاني وحزب الاتّحاد الديمقراطي الّلذين يقاتلان ضدّ تنظيم الدولة الإسلامية في كوباني من قائمة التنظيمات الإرهابية؟
وعدّد النائب عن الاتّحاد من أجل الحركة الشعبية عن دائرة باريس بيار للوش المخاطر الّتي تواجهها فرنسا من خلال “مغامرتها” العراقية، فواشنطن تضمن “التنسيق” في العملية العسكرية في العراق وسويا أي إنّها توجّهها، وماذا تعرف فرنسا عن النوايا الأمريكية؟ وماذا سيحدث غدًا إذا ما خلفت إدارة جمهورية إدارة الديمقراطي باراك أوباما؟ إذ منذ مباشرة أعماله في بداية يناير لم يفعل الكونغرس -الذي يسيطر عليه الجمهوريون- شيئًا إلّا الضغط من أجل اقتراح تعزيز للعقوبات ضدّ إيران؛ ممّا يهدّد بنسف الاتّفاق الدولي حول تسلحه النووي العسكري. وكيف ستكون مكانة فرنسا في الشرق الأوسط إذا -مع نهاية الحدود الّتي وضعت بموجب اتّفاقات سايكس بيكو في 1916- انقسمت المنطقة إلى منطقة شيعية تسيطر عليها إيران وفضاء سنيّ يتواجه فيه تنظيم الدولة الإسلامية والمملكات المطلقة في الخليج العربي الفارسي؟
“الحرب ستكون طويلة” ومكلفة
أخيرًا، هل إنّ الجيش الفرنسي -المهزوم من 20 عامًا من وفورات الميزانية المتكرّرة- يمتلك الوسائل للقيام بثلاث حروب على الجبهات: الأولى في الساحل -والمهدّدة بالتمدّد في جنوب ليبيا- والثانية في العراق، والثالثة حول بحيرة التشاد حيث تواجه بوكو حرام، ثلاثة حلفاء لفرنسا هم الكاميرون والنيجر والتشاد؟ “هذا العام، ينقص مليار كتكلفة إضافية للعمليات الخارجية و3.5 مليار من الفواتير غير المسدّدة و2.5 مليار من الموارد الاستثنائية الّتي لن تكون في الموعد، أي ما مجموعه حوالي 7 مليار يورو وما يعادل القسط السنوي الكامل لمعدّات قوّاتنا المسلّحة باستثناء النووي” حسب بيار للوش. فهل أنّ حساباته مبالغ فيها؟
على أن حاملة الطائرات شارل ديغول في طريقها إلى الشرق الأوسط وأمام عدّة مئات من البحارة والطيارين أكّد رئيس الجمهورية الفرنسي غداة النقاش البرلماني أنّ 31.4 مليار يورو الموعودة للدفاع بموجب قانون البرمجة العسكرية ستكون “ملاذات آمنة”، ولكنّه لم يخف أنّ “الحرب ستكون طويلة في العراق، حيث يكمن الهدف في استعادة السيادة العراقية غلى كامل الأراضي“، وبالتالي ستستقرّ الحرب على “الجهاد العالمي” لفترة طويلة في حياة الفرنسيين.
أوريون XXI – التقرير