يترقب الفاعلون السياسيون بالمغرب ما ستسفر عنه انتخابات مجلس النواب في أكتوبر/تشرين الأول المقبل. وبينما تسعى الدولة لتكريس ضبط المشهد السياسي لمنع تحقيق أي حزب لأغلبية كبيرة، تختلف رهانات الأحزاب السياسية حسب قوة الحزب، بين الفوز بالرتبة الأولى، أو ضمان تحالفات جيدة، أو مجرد البقاء بالمشهد.
مقدمة
تأتي انتخابات مجلس النواب المغربي، في أكتوبر/تشرين الأول 2016، في سياق سياسي داخلي يتسم باشتداد التنافس بين الغريمين السياسيين: حزب العدالة والتنمية وحزب الأصالة والمعاصرة، وظهور أزمة خفية بين حزب العدالة والتنمية والدولة من خلال مجموعة من إجراءات وزارة الداخلية، وترويج بعض الإشاعات من قبيل تجميد الملك لمهام رئيس الحكومة بسبب انتقاد هذا الأخير لما يُسَمِّيه بـ”التَّحَكُّم” وحديثه عن وجود دولتين إحداها يقودها الملك، والثانية لا يُعْرَف من يُحَرِّكُها؛ إضافة إلى إصدار وزارة الداخلية لعدد من البيانات ضد الحزب، وقيامها بإجراءات قضائية ضد بعض منتخبي الحزب.
أمَّا السياق الإقليمي فلا تختلف ملامحه المعقدة عن السياق الذي أُجريت فيه الانتخابات الجماعية والجهوية، في 4 سبتمبر/أيلول 2015؛ حيث تختلط فيه التحديات الاقتصادية بالمشاكل الأمنية والسياسية، وعسر عملية الانتقال الديمقراطي في بعض الدول. ومن بين أبرز ملامح هذه المرحلة في الدول التي انتصرت فيها جزئيًّا أو كليًّا انتفاضات “الربيع العربي” هو احتدام معارك سياسية تخوضها بعض القوى الرسمية وغير الرسمية ضد الأحزاب ذات التوجه الإسلامي التي اعتلت المشهد السياسي في هذه الدول. لذلك، يمكن القول: إن انتخابات أكتوبر/تشرين الأول المقبل لن تكون مجرد استحقاق انتخابي، بل هي أيضًا فصل من فصول النزال السياسي بين الأحزاب ذات التوجه الإسلامي وخصومها. وينظر المهتمون بالشأن السياسي المغربي إلى نتائج هذه الانتخابات على كونها مؤشرًا للتحقُّق من مدى تراجع وهج الأحزاب الإسلامية.
يهدف هذا التقرير إلى استقراء رهانات مختلف الفاعلين السياسيين المشاركين في العملية الانتخابية، بدءًا بالدولة التي سيشكِّل تكريس التوازن السياسي والتحكم المسبق في نتائج الانتخابات أبرز رهاناتها. كما يسعى التقرير أيضًا إلى تسليط الضوء على رهانات الأحزاب السياسية التي تختلف حسب موقعها السياسي وقوتها، بين أحزاب تتصارع على المقدمة، وأحزاب تسعى إلى تعزيز موقعها، وأحزاب تصارع من أجل البقاء في المشهد السياسي.
رهان الدولة: تكريس التوازن السياسي والتحكم المسبق في النتائج
تسعى الدولة خلال انتخاب أعضاء مجلس النواب، في أكتوبر/تشرين الأول 2016، إلى تكريس ضبطها للمشهد السياسي من خلال مجموعة من الإجراءات القانونية والتقنية والسياسية للحيلولة دون تحقيق أي حزب لأغلبية مريحة تسمح له بالتفاوض من موقع قوة على الحكومة القادمة. ويمكن اختصار رهان الدولة في هذه الانتخابات في ضمان استمرار التوازن في الحياة السياسية المغربية، لاسيما بين الأحزاب الكبيرة وخاصة حزبي العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة، وإلى حدٍّ ما حزب الاستقلال. إن المعادلة الصعبة التي تسعى الدولة لتحقيقها هي التوفيق بين رغبتها في رفع نسبة المشاركة في الانتخابات المقبلة التي ستخدم الأحزاب الكبرى لاسيما حزب العدالة والتنمية، وبين الرغبة في التحكم المسبق في نتائج الانتخابات والذي قد لا يتيسر مع ارتفاع نسبة المشاركة الانتخابية.
وفي سبيل ضبطها للمشهد السياسي، برزت خلال الشهور الأخيرة مؤشِّرات كثيرة على سعي الدولة لإضعاف حزب العدالة والتنمية أو على الأقل إنهاكه. من بين هذه المؤشرات منع وزارة الداخلية لبعض التجمعات الشعبية لحزب العدالة والتنمية، وإصدار الوزارة لبيانات ضد الحزب(1)، وقيام بعض ولاة وزارة الداخلية بالتضييق على منتخبيه(2)، وهذا ما جعل بعض المتتبعين يتخوفون على “المسلسل الديمقراطي” في المغرب الذي بدأ مع دستور عام 2011(3)، وهناك من يرى أن جهات في الدولة تعمل على تهيئة الرأي العام لقبول تراجع ولو نسبي لحزب العدالة والتنمية في هذه الانتخابات من خلال مجموعة من الإجراءات التقنية والسياسية.
والرهان الثاني للدولة في هذه الانتخابات هو التحكم المسبق في نتائجها من خلال وسائل مختلفة، ومن ضمنها نمط الاقتراع اللائحي المعتمد في المغرب الذي يكرِّس البَلْقَنَة الحزبية، ويؤدي إلى تَمْثِيلِيَّة فُسَيْفِسَائِيَّة في المجالس المنتخبة، ولا يتيح إمكانية نشوء أحزاب كبيرة أو حتى تحالفات سياسية متماسكة، ويضعف مركز رئاسة الحكومة.
ومن ضمن إجراءات الدولة لضبط الساحة السياسية أيضًا منع وزارة الداخلية نشر نتائج الاستطلاعات قبيل إجراء انتخابات أكتوبر/تشرين الأول المقبل، وذلك في بلاغ لها، يوم 22 أغسطس/آب 2016، بدعوى الحفاظ على “مصداقية ونزاهة المسلسل الانتخابي، ودرءًا لكل ما من شأنه الإسهام في توجيه إرادة واختيارات الناخبين”، رغم أن إجراء استطلاعات الرأي قبيل الانتخابات العامة أصبح تقليدًا مألوفًا في مختلف الدول الديمقراطية. وهناك من يفسر هذا المنع بكونه مُوَجَّهًا ضد حزب العدالة والتنمية الذي أظهرت مختلف استطلاعات الرأي التي أُجريت خلال الشهور الماضية حفاظ أمينه العام الذي يقود الحكومة الحالية على شعبية واسعة، وعلى رضى أغلب المستجوبين على سياسته واستعدادهم لتجديد الثقة فيه مرة أخرى(4). إن النتائج شبه المتطابقة لمختلف استطلاعات الرأي حول رئاسة الحكومة القادمة التي أعطت الأولوية للسيد عبد الإله بنكيران، قد تفسِّر إلى حدٍّ ما منع هذه الاستطلاعات بكونه مُوَجَّهًا ضد حزب العدالة والتنمية؛ لأن من شأن مثل هذه الاستطلاعات أن تؤثِّر على توجهات الناخبين لصالح هذا الحزب.
إن ما تهدف إليه وزارة الداخلية ليس إلحاق هزيمة كبيرة بحزب العدالة والتنمية، بل إنهاكه فقط ومنعه من الفوز بفارق كبير مقارنة بباقي المنافسين، وتكريس التوازن السياسي بين مختلف الأحزاب لاسيما بين حزب العدالة والتنمية وحزب الأصالة والمعاصرة.
رهان الأحزاب السياسية: بين الطموح لقيادة الحكومة والصراع من أجل البقاء
تختلف رهانات الأحزاب السياسية إلى حدِّ التضاد حسب موقعها في المشهد السياسي وقوتها. ويسعى حزب العدالة والتنمية، الذي يقود الحكومة الحالية، إلى جعل هذه الانتخابات استفتاءً على تجربته الحكومية، وهذا ما يفسِّر ترشيح الحزب لجُلِّ وزرائه ورموزه في هذه الانتخابات، وتغطيته لجميع الدوائر الانتخابية. ورغم الانتقادات الكثيرة الموجهة للحزب بسبب اتخاذ الحكومة التي يتزعمها قرارات مسَّت فئات اجتماعية مختلفة وأثارت جدلًا كبيرًا، فإن الحزب سيتسلح بما يراه إنجازات للحكومة الحالية وسيدافع عن حصيلتها. وستتمحور الحملة الانتخابية في هذا المجال حول أهم قرارات الحكومة الحالية خاصة إصلاح التقاعد، وإصلاح صندوق المقاصة، وإلغاء التوظيف المباشر، واقتطاع أيام الإضراب، وزيادة منحة الطلبة وعدد الممنوحين، وإقرار دعم مالي للأرامل والمعاقين، وتوسيع التغطية الصحية، وتنزيل قرار التعويض عن البطالة، وتخفيض ثمن بعض الأدوية. وبالإضافة إلى ذلك، سيشكل ما يسميه التصدي للتحكم موضوعًا رئيسًا لحملته الانتخابية.
وسيواصل حزب العدالة والتنمية استراتيجية التطبيع مع المؤسسة الملكية، وتأكيد صورته باعتباره حزبًا سياسيًّا إسلاميًّا معتدلًا وضامنًا لاستقرار الدولة والنظام الملكي. ومن دون شك فإن هاجس إرضاء الملك وتعزيز ثقته بالحزب قيَّد إلى حدٍّ ما حرية هذا الأخير في المساهمة في التنزيل السليم لمضمون دستور 2011، وجعل رئاسة الحكومة تتنازل طواعية عن بعض صلاحياتها الدستورية لصالح الملك خاصة في مجال التعيينات في بعض المناصب والسياسة الخارجية.
وسيركِّز حزب العدالة والتنمية على مواقعه الانتخابية القوية في المدن الكبرى التي تشكِّل الثقل الانتخابي الرئيسي للحزب. وكما فعل في التجربة الانتخابية الماضية، قدم الحزب أهم رموزه في هذه المواقع، بل وسيستعين خلال انتخابات أكتوبر/تشرين الأول المقبل بوافدين جدد. وإلى جانب تحصين مواقعه الانتخابية التقليدية، سيسعى الحزب إلى توسيع مجال المنافسة الانتخابية إلى البوادي والقرى ومزاحمة الأحزاب التي تعتمد أكثر على الأعيان في القرى.
وأما حزب الأصالة والمعاصرة، فسيسعى من جهته أيضًا إلى الحصول على الرتبة الأولى بهدف قيادة التجربة الحكومية القادمة، وهذا ما عبَّر عنه أمينه العام، السيد إلياس العماري، في أكثر من تصريح(5). وسيعتمد حزب الأصالة والمعاصرة على جيش من الأعيان وذوي النفوذ ورجال الأعمال وبعض الأسر الثرية، وسيركز أكثر على الدوائر الانتخابية التي لها امتداد في القرى والبوادي بعدما تأكد للحزب في الانتخابات الجماعية والجهوية الأخيرة أنه لا يحظى بتأييد انتخابي مهم في الحواضر، وأن البوادي هي مركز ثقله. ومع ذلك يراوده طموح الحصول على بعض المقاعد في المدن الكبرى، لذلك عمد إلى استقطاب رجال أعمال جدد إلى الحزب وجعلهم على رأس بعض لوائحه الانتخابية في المدن الكبرى مثل الدار البيضاء والمحمدية ووجدة والقنيطرة والصويرة.
ورغم الإعلان الصريح لقيادة حزب الأصالة والمعاصرة عن طموحها لتصدر نتائج انتخابات مجلس النواب المقبل، لكن يظهر أن وظيفة الحزب في هذه المرحلة هي كبح حزب العدالة والتنمية؛ مما يعني وجود تطابق بين استراتيجيتي الدولة وحزب الأصالة والمعاصرة في تحقيق التوازن في الساحة السياسية. ويجدر التذكير في هذا الصدد بأن حزب الأصالة والمعاصرة أعلن صراحة عند نشأته أن هدفه هو مواجهة الإسلاميين، وستكون هذه الوظيفة حاضرة في خطابات الحزب خلال انتخابات أكتوبر/تشرين الأول المقبل، وذلك بهدف إعاقة حزب العدالة والتنمية عن الحصول على أغلبية كبيرة.
إن التحدي الكبير الذي سيواجهه حزب الأصالة والمعاصرة في المستقبل هو التوفيق بين وظيفته في تحقيق التوازن في الساحة السياسية مع غياب استعداد فعلي لقيادة الحكومة خلال هذه المرحلة على الأقل، وبين إرضاء الكثير من أركان الحزب الذين يمثِّلون الأعيان ورجال الأعمال الذين التحقوا بالحزب لضمان مصالحهم ولا يتصورون وجودًا خارج إطار ممارسة السلطة. هذه الشبكة الواسعة من الأعيان ورجال الأعمال التي استقطبها حزب الأصالة والمعاصرة لا تحتمل البقاء في المعارضة لولاية نيابية أخرى حتى انتخابات 2021، وهذا قد يُدخل الحزب في أزمة تنظيمية قد تؤدي بالكثير من الأعيان إلى مغادرة سفينة الحزب.
ولا يُخفي حزب الاستقلال من جهته، بعدما تجاوز نسبيًّا أزمته الداخلية، طموحه في الصراع من أجل رئاسة الحكومة القادمة. وقد عبَّر أمينه العام، السيد حميد شباط، في أكثر من مناسبة، وبكل ثقة، عن أن حزبه هو الذي سيحتل الرتبة الأولى في انتخابات مجلس النواب، لكن يبدو من الصعب تحقيق هذا الطموح بالنظر إلى تراجعه الواضح في الانتخابات الجماعية والجهوية الأخيرة، وليس هناك حتى الآن أي مؤشر على إمكانية تصدره لنتائج الانتخابات.
وإلى جانب التنافس على المقدمة، فإن حزب الاستقلال سيعمل أيضًا جاهدًا على الظهور بمظهر الحزب المتماسك والمعافَى من المشاكل الداخلية، مما سيعزِّز أيضًا من موقع الأمين العام للحزب الذي يواجه مشاكل تنظيمية كثيرة كادت تعصف بوحدة الحزب خلال السنوات الثلاث الأخيرة، حتى شكَّك كثير من قياداته التاريخية في شرعية انتخابه.
هناك بوادر كثيرة لتصالح سياسي بين حزب الاستقلال وحزب العدالة والتنمية الذي سيؤول بدون شك إلى تحالف سياسي بعد الانتخابات القادمة. ومن بين هذه المؤشرات إعلان حزب الاستقلال المساندة النقدية للحكومة الحالية في أعقاب الانتخابات الجماعية والجهوية في أكتوبر/تشرين الأول عام 2015، ومساندة حزب العدالة والتنمية لمرشح حزب الاستقلال لرئاسة مجلس المستشارين في أكتوبر/تشرين الأول عام 2015، وعدم تصويت ممثلي حزب الاستقلال في مجلس المستشارين ضد مشروع إصلاح قانون التقاعد.
أما الصف الثاني من الأحزاب، والذي يضم كلًّا من حزب الحركة الشعبية وحزب الأحرار وحزب التقدم والاشتراكية، فسيسعى إلى تعزيز رصيده الانتخابي لتقوية موقعه التفاوضي عند تشكيل الحكومة القادمة. وسيعمل حزب الحركة الشعبية على الحفاظ على امتيازاته السياسية التي حصل عليها خلال المشاركة في التجربة الحكومية الحالية. ويتوقع أن لا تحدث مفاجآت مهمة في حصيلته الانتخابية في أكتوبر/تشرين الأول المقبل. وقد ترك الحزب الأبواب مفتوحة أمام كل التحالفات المحتملة سواء مع حزب العدالة والتنمية أو حزب الأصالة والمعاصرة. فحزب الحركة الشعبية، مثله مثل حزب الأحرار، وُجد ليشارك في الحكومة، وقد استأنس بهذا الخيار خلال مختلف التجارب الحكومية خلال العقود الأخيرة، وليس هناك ما يدعو إلى احتمال ترجيحه لخيار الانتقال إلى معسكر المعارضة مهما كانت نتائج الانتخابات.
أما حزب التجمع الوطني الأحرار (حزب الأحرار) فسيعمد إلى الاستفادة من مشاركته في النسخة الثانية من الحكومة بعد انسحاب حزب الاستقلال منها، وفي الوقت ذاته التملص من تحمل مسؤولية الجوانب السلبية للحكومة الحالية وهذا ما عبَّر عنه في أكثر من مناسبة؛ فقد اتسمت علاقة حزب الأحرار ولاسيما أمينه العام مع حزب العدالة والتنمية حتى بعد دخول حزب الأحرار إلى الحكومة بالتوتر في بعض الأحيان. نذكر على سبيل المثال اتهام الأمين العام لحزب التجمع حزب العدالة والتنمية بسعيه إلى الهيمنة والتحكم في قرار حزبه(6). كما صرَّح الأمين العام للحزب، السيد صلاح الدين مزوار، أيضًا بأن مشاركته في الحكومة الحالية لا تمنعه من الانفتاح على باقي الأحزاب الأخرى(7)، وهذا يعني ترك الباب مفتوحًا لمختلف التحالفات الممكنة بعد ظهور نتائج الانتخابات.
وأما حزب التقدم والاشتراكية فقد استفاد كثيرًا من مشاركته في الحكومة الحالية وتحالفه مع حزب العدالة والتنمية، وتوطدت علاقتهما كثيرًا خلال هذه التجربة الحكومية التي سيسعى الحزب خلال الانتخابات المقبلة إلى الدفاع عنها، واستثمار إنجازات وزرائه في الحكومة الحالية. ويُتوقع أن يوظِّف رموزُ الحزب وخطباؤه في الحملة الانتخابية القادمة لغة قريبة إلى خطاب حزب العدالة والتنمية لاسيما فيما يخص مواجهة ما يسمى “التحكم”؛ حيث يشعر الحزب أنه هو أيضًا مستهدف من جهات معينة سواء قبل تحالفه مع حزب العدالة والتنمية أو بعدها، وهذا ما يفسر بعض الخطابات الشديدة لأمينه العام، السيد نبيل بن عبد الله، خلال الشهور الماضية المنتقدة لحزب الأصالة والمعاصرة، والمدافعة عن خيار التحالف مع حزب العدالة والتنمية.
وأما باقي الأحزاب، وخاصة حزب الاتحاد الاشتراكي، فسينحصر رهانها في الصراع من أجل البقاء، وستشكِّل هذه الانتخابات امتحانًا صعبًا لقيادته الحالية؛ حيث شهد حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (الاتحاد الاشتراكي) خلال السنوات الأخيرة تراجعًا غير مسبوق في شعبيته السياسية بسبب الأزمات الداخلية التي تعصف به، وأيضًا نتيجة لتحالفاته المضطربة والمتقلبة. فإذا كان حزب الاتحاد الاشتراكي دائمًا يناصر بشدة الرفع من العتبة الانتخابية وإيصالها إلى 10 بالمئة قصد عقلنة المشهد الحزبي المغربي(8)، لكن مع تراجع كبير لشعبيته وخوفه من الالتحاق بخانة الأحزاب الصغيرة اندفع للمطالبة بإلغاء العتبة الانتخابية نهائيًّا في مذكرته في 10 فبراير/شباط 2016(9). ويعيش حزب الاتحاد الاشتراكي اليوم مرحلة صعبة في تاريخه السياسي، فبدلًا من التنافس على المراتب المتقدمة في انتخابات أكتوبر/تشرين الأول 2016، سينحصر طموحه في الحصول على الحد الأدنى من المقاعد الذي يسمح له بتشكيل فريق في مجلس النواب. ويتوقع أن تعمِّق النتائج الهزيلة التي قد يحصل عليها الحزب في هذا الاستحقاق الانتخابي أزمته الداخلية وتدفعه إلى مزيد من الضمور.
آفاق المشهد السياسي بعد الانتخابات
من خلال استحضار نتائج الانتخابات الجماعية والجهوية الأخيرة التي أثبت فيها حزب العدالة والتنمية استمرار شعبيته في الجسم الانتخابي، وأيضًا من خلال الاستئناس بمجموعة من استطلاعات الرأي التي أُجريت خلال الشهور الأخيرة فيبدو أن المشهد السياسي لما بعد انتخابات أكتوبر/تشرين الأول المقبل لن يختلف عن الخريطة الانتخابية التي أفرزتها انتخابات عام 2011، بل هناك احتمال أن تكون الحكومة القادمة أقوى وأكثر تماسكًا من التجربة الأولى بعد استعادة كلٍّ من حزب العدالة والتنمية وحزب الاستقلال لودِّهما خلال الشهور الماضية.
ورغم أن الكثير من المتتبعين يرون أن الدولة تريد ترجيح كفة حزب الأصالة والمعاصرة على حساب غريمه حزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة الحالية، لكن بالنظر إلى مصلحة الدولة في ضمان استقرار سياسي واجتماعي خلال السنوات القادمة فإن من الراجح أن الدولة تفضِّل خلال هذه المرحلة تكرار سيناريو 2011، وعدم تقديم حزب الأصالة والمعاصرة بديلًا سياسيًّا محتملًا على الأقل في هذه المرحلة. وما يهم الدولة أكثر ليس فوز هذا الحزب أو ذاك، بل ضمان التوازن السياسي بين مختلف الفاعلين السياسيين، وتحجيم قوة أي حزب سياسي يطمح إلى الحصول على امتيازات انتخابية كبيرة تسمح له بالتفاوض من موقع قوة مع الدولة وباقي الفاعلين السياسيين. لذلك، يبدو أن الدولة لا تسعى في نهاية المطاف إلى الإطاحة بحزب العدالة والتنمية، بل إنهاكه وإضعافه خلال المرحلة القادمة، وتسخين الحياة السياسية وإضفاء نوع من التنافسية على الانتخابات.
_________________________________________
سعيد الصديقي- أستاذ العلاقات الدولية والقانون الدولي بجامعة العين للعلوم والتكنولوجيا-أبو ظبي، وجامعة سيدي محمد بن عبد الله–المغرب
مراجع
1- مثل إصدار كلٍّ من وزارة الداخلية ووزارة المالية لبيان ضد الحزب فيما يُسمَّى أراضي “خدام الدولة”، وبيان وزارة الداخلية حول الموت الغامض لأحد مناضلي الحزب وابنه بإقليم الراشدية عندما شكَّك الحزب في نتائج التشريح الطبي.
2- يتهم حزب العدالة والتنمية بعض ولاة الداخلية بخدمة أجندة حزب الأصالة والمعاصرة، مثل والي جهة الرباط-سلا-القنيطرة الذي قام بمجموعة من الإجراءات التي يرى فيها حزب العدالة والتنمية حربًا بالوكالة لصالح غريمه السياسي، حزب الأصالة والمعاصرة، مثل رفع دعوى إلى المحكمة الإدارية، في 18 أغسطس/آب 2016، لعزل رئيس مقاطعة اليوسفية بمدينة الرباط الذي ينتمي لحزب العدالة والتنمية بدعوى خرق القانون التنظيمي للجماعات الترابية بعدم استجابته لطلب عقد دورة استثنائية طالب بها منتخبون من حزب الأصالة والمعاصرة. ويتهم أعضاء حزب العدالة والتنمية أيضًا والي الرباط بالسعي للإطاحة بعمدة المدينة الذي ينتمي للحزب وعرقلة عمله. وتجدر الإشارة إلى أن الوالي منع عمدة الرباط من حضور بعض الأنشطة الملكية، ورفض الميزانيات المقترحة من قبل مجلس المدينة وبعض مشاريعه. بالإضافة إلى ذلك، قام هذا الوالي بتحريك مسطرة عزل مستشار حزب العدالة والتنمية ونائب رئيسة مقاطعة حسان بالرباط، بدعوى “حضوره لجمع عام إحدى جمعيات الباعة المتجولين”، وهذا ما رفضته المحكمة.
3- بوعشرين، توفيق، “سبعة مؤشرات مقلقة”، موقع اليوم 24، 26 أغسطس/آب 2016،
http://www.alyaoum24.com/693781.html
4- فمثلًا في استطلاع رأي حول رئيس الحكومة المقبل أجرته مجلة (تيل كيل) الأسبوعية؛ احتلَّ عبد الإله بنكيران الصدارة متقدمًا على باقي المنافسين بفارق كبير. وأظهر استطلاع موقع (اليوم 24) حول سؤال: “هل توافقون أم لا على ولاية ثانية لبنكيران على رأس الحكومة؟”، أن 61 بالمئة من المشاركين موافقون على إعطاء بنكيران ولاية ثانية. وفي استجواب آخر أجراه موقع (هسبريس) الشهير حول إمكانية بقاء بنكيران رئيسًا لولاية ثانية في انتخابات أكتوبر/تشرين الأول 2016، رغب 61.33 بالمئة من المشاركين في الاستجواب في بقائه رئيسًا للحكومة لولاية ثانية.
5- انظر مثلًا: ضرار، طارق، “العماري: سنحتل الرتبة الأولى في الانتخابات وحزبنا يُحسَب له اليوم ألفَ حساب”، موقع فبراير، 27 أغسطس/آب 2016،
http://www.febrayer.com/375880.html
6- الراجي، محمد، “مزوار: بنكيران “ما كَايْحْشَمْشْ” .. وحزبه يسعى إلى التحكُّم والهيمنة”، هسبريس، 13 فبراير/شباط 2016.
http://www.hespress.com/politique/294644.html
7- المرجع نفسه.
8- انظر مذكرة الحزب بعنوان “مقترحات الاتحاد الاشتراكي ضمن مسلسل الإصلاحات الدستورية والسياسية” على موقع الأمين العام لحزب الاتحاد الاشتراكي التي يطالب فيها الحزب بالرفع التدريجي للعتبة في 3 سبتمبر/أيلول 2011.
http://www.drisslachguar.com/article-83275441.html
9- يمكن الاطلاع على مذكرة الحزب التي يطالب فيها بإلغاء العتبة في انتخابات أكتوبر/تشرين الأول 2016 على الرابط التالي:
http://www.lakome2.com/permalink/11307.html