على هامش اجتماعات الدورة الحادية والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، التقى باراك أوباما رئيس الولايات المتحدة الأمريكية بحيدر العبادي رئيس الوزراء العراقي، وحضر الاجتماع عن الجانب الأمريكي الوفد الدبلوماسي الذي سبق وزار العراق قبل عدة أيام وهم: نائب وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، بريت مكوريك المبعوث الخاص للرئيس الأميركي، ومدير مجلس الأمن القومي لشؤون العراق جوزيف هاريس، ووكيل وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى جوزيف بيننغتون. وعن الجانب العراقي حضر الاجتماع فلاح حسن وزير الزراعة والدكتور فؤاد حسين رئيس ديوان إقليم كردستان العراق. وهذا الحضور العراقي المتوازن قومياّ وطائفياً هو الأول من نوعه في الزيارات العراقية لرئيس الوزراء العراقي.
وتفيد المعلومات الخاصة التي حصل عليها مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية بشأن ذلك اللقاء، أن باراك أوباما اتفق مع حيدر العبادي على الخطوط العريضة لمعركة الموصل ضد تنظيم داعش الإرهابى، وأبدى الرئيس الأمريكي استعداده التام في دعم العراق إنسانيا وإعادة إعمار الموصل شريطة عدم مشاركة قوات الحشد الشعبي في معركة الموصل، وعدم تهميش سُنة وكرد العراق وتفعيل دورهم في العملية السياسية في عراق ما بعد داعش, ومن المفيد الاشارة الى ان مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية قد اشار الى هذين الشرطين في مقالة سابقة بعنوان “لقاء اوباما والعبادي المرتقب الواقع والمتحقق” .
من وجهة نظر السياسة الأمريكية أن عدم مشاركة الحشد الشعبي في معركة الموصل يعني عدم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، لاسيما أن الأمم المتحدة تتوقع جراء تلك المعركة نزوحاً واسعاً على نطاق غير مسبوق على مستوى العالم منذ سنوات عديدة. وبهذا الفهم ترى إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما أن معركة الموصل واستعادتها دون مشاركة الحشد ودون وقوع جرائم إنسانية ضد أبناء السنة في محافظة الموصل هي الفرصة التاريخية للعراق فهي بداية جديدة لديمقراطيته الفتية من خلال استعادة الانسجام التاريخي بين السنة والشيعة في البلاد. فلفترة طويلة جداً، استغلت المجموعات الإرهابية مثل “داعش”، فضلاً عن بعض القادة العراقيين الفاسدين -ودول أخرى في الشرق الأوسط الخلافات الطائفية بين اثنين من الفروع الرئيسية للإسلام من أجل خدمة مصالحها. الشىء الذي يثير الاستغراب أن تاريخ العراق الحديث والمعاصر لم يشهد أي اقتتال طائفي بين سُنة العراق وشيعته، بل كان هناك انصهار اجتماعي حتى الاحتلال الأمريكي للعراق في نيسان/إبريل عام 2003م فالاقتتال الذي شهده المجتمع العراقي في مرحلة دخلت فيها الانسانية مرحلة عالم ما بعد الحداثة وهذه إشكالية كبيرة جدا. وعليه فإن من يتحمل مسؤوليته السياسية والقانونية والأخلاقية هو من حكم العراق في مرحلة ما بعد عام 2003م.
فعودة هذا الانسجام التاريخي للعراقيين ليس فقط مطلب العراقيين والامريكيين بل أيضاً مطلب جميع دول جوار العراق، فبحسب المعلومات التي حصل عليها مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية، أن الوفد الدبلوماسي الأمريكي الذي سبق وزار العراق خلال الشهر الحالي، زار أيضاً دول جوار العراق إذ أكد مسؤولي تلك الدول في لقائهم مع الوفد الدبلوماسي الأمريكي على أهمية وحدة العراق وأن تقسيمه لا يصب في مصلحة العراق أولاً ولا دول الجوار ثانياً ولا منطقة الشرق الأوسط ثالثاً، ولا دول الجماعة الدولية رابعاً.
أما الشرط الثاني الذي فرضه باراك أوباما على حيدر العبادي لكي تستمر إدارته بدعم العراق في مواجهة تنظيم داعش هو عدم اقصاء أهل السنة في مرحلة ما بعد داعش، إذ تعتبر الإدارة الأمريكية ذلك مدخلاً لإعادة تأهيل النظام السياسي العراقي، هذا النظام الذي انحرف كثيراً عن مساره الديمقراطي بمعنى أن هذا سياسيي هذا النظام لم يرغبوا ببنائه على أسس ديمقراطية بل على أسس تعود لمراحل سابقة على بناء الدولة المعاصرة”دولة المواطن” إذ اعتمدوا على أساليب تتنافى تماماً مع أي نظام ديمقراطي وليد، وهذا ما حدث مع سُنة العراق في مرحلة ما بعد عام 2003م، اذ اعتبر هذا المواطن العراقي السُني من قبل الساسة الذين حكموا العراق على آنه “الآخر” الذي يجب اقصائه واجتثاثه. إذ أثبتت الممارسة العملية فشل هذه الأساليب في إعادة بناء الدولة بل أثبتت أنها كفيلة في هدمها، وهذا واقع العراق الحالي، لذلك اشترط باراك أوباما على حيدر العبادي على دمج السُنة دمجاً حقيقياً وليش شكلياً في العملية السياسية العراقية في مرحلة ما بعد داعش.
ويظل من الثابت، وفق المحللين السياسيين والعسكريين، أن الولايات المتحدة ذاهبة إلى جبهة الموصل لا من أجل إنقاذ سمعة الجيش العراقي، بل من أجل الحيلولة دون انهيار العراق إذا ما قرر سكان المدينة الانفصال عن الدولة الأم والالتحاق بإقليم كردستان أو الانضمام إلى تركيا، هربا من حكومة بغداد، التي اتسمت سياساتها السابقة بنزعة طائفية، سببت الكثير من الشعور بالقهر لدى سكان المدينة المليونية.
ولاكمال مسرح العمليات العسكرية معركة الموصل التقى جوزيف فاتل قائد القيادة الوسطى الأمريكية مع مسعود بارزاني رئيس إقليم كردستان العراق، واتفقا المسؤولين على كافة الترتيبات العسكرية بما يتعلق فيها، وبحسب المعلومات الخاصة التي حصل عليها مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية فإن مسرح العمليات العسكرية لمعركة الموصل ضد تنظيم داعش الإرهابي سيكون جاهزاً في العشرين من تشرين الأول/ أكتوبر من العام الحالي، أما قرار بدء تلك العمليات فهو مناط بالقائد الأعلى للقوات المسلحة العراقية. في هذا السياق ومن أجل التحضيرات السياسية لمعركة الموصل على المستوى العراقي، ستعقد لجنة مشتركة بين الحكومة الاتحادية العراقية وحكومة إقليم كردستان العراق للتوصل إلى اتفاق سياسي يرضي الجانبين . وبهذا الترتيب السياسي والعسكري ينتظر العراق ودول الجوار والتحالف الدولي ساعة الصفر العسكرية لبدء العمليات الحربية ضد تنظيم داعش وتحرير العراق منه، ومع هذا التحرير المنتظر سيطوي العراق صفحة تاريخية مؤلمة تعد من أسوأ صفحاته في تاريخه المعاصر، والمرجو أن يبدأ مرحلة جديدة أساسها الفهم الصحيح لفلسفة التاريخ أي أخذ العبرة والدروس من التجارب السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية المريرة التي مرّ بها في مرحلة ما بعد عام 2003م، وليعيد بناء عراق يستوعب جميع مواطنية من زاخو إلى البصرة. والسؤال الذي يطرح في هذا السياق هل سيلتزم حيدر العبادي رئيس الوزراء العراقي بشروط باراك أوباما رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، أم ستمارس عليه ضغوطات داخلية وخارجية لعدم الالتزام؟
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية