بعد مرور نحو ربع قرن على نهاية الحرب الباردة، عادت تلوح في الأفق من جديد، بطرق وأنماط مغايرة، وهي مرتبطة بالأساس بالتطورات الأخيرة في سوريا. هذه «الحرب الباردة الجديدة»، إن اندلعت على وجه شامل، تتصف بعدة سمات، يمكن ذكرها على النحو التالي:
1- إنها حرب لن تلعب فيها الأيديولوجيا الدور الأساسي، فالصراع الذي دار بين الاشتراكية والرأسمالية خلال الحرب الباردة السابقة لن يكون له محل من الإعراب في الحرب الباردة الجديدة، إن بدأت بقوة، واستمرت زمناً كسابقتها.
2- إنها حرب تتم في ظل ثورة رهيبة في الاتصالات والمعلومات، الأمر الذي سيجعل للجوانب التقنية والناعمة دوراً كبيراً في إدارتها، وليست بالأساس الركائز الخشنة للقوة.
3- تأتي هذه الحرب في ظل تراجع التسلطية والشمولية في العالم، وتقدم النظم الديموقراطية والمدنية، الأمر الذي سيجعل للشعوب قولاً فيها على العكس من الحرب السابقة التي كانت تعكس إرادات النظم الحاكمة، بل إرادة أشخاص بأعينهم داخل الدول التي انخرطت في هذه الحرب بدرجات متفاوتة.
4- هذه الحرب، إن قامت، فإنها ستعطي الإرهاب مدداً جديداً، فالقوتان الأساسيتان المتصارعتان، وهما الولايات المتحدة الأميركية وروسيا ستستخدمان مجموعات إرهابية بصيغة أو بأخرى، وفي أماكن متفرقة، بحيث تقوم كل منهما بالاستعانة بالإرهابيين في مكان، ومكافحتهم في مكان الآخر، لكن في الحالتين فإن التجمعات والمجموعات والتنظيمات الإرهابية، ستستفيد من هذا التناقض، لاسيما أنها إما بها تنظيمات دولية عابرة للدول، أو أنها تمثل شبكات بينها صلات وهمزات وصل في التفكير والتمويل.
5- هذه الحرب تأتي في ظل تصاعد النزعات الطائفية والشعوبية والعرقية التي تضع بعض الدول الوطنية في مشكلات عميقة حيال مسائل الانصهار والاندماج والقبول الطوعي بالتوحد. وبالقطع فإن هذه النزعة ستجد في عودة الحرب الباردة ما يغذيها، وقد تستغل الدول الكبرى المتصارعة، عرقيات أو أتباع مذاهب أو طائفة في تحقيق مصالحها، الأمر الذي يضر بالتماسك الداخلي لعدد من الدول، لاسيما تلك الواقعة في أتون المعركة.
6- هذه الحرب ستكون فيها نقاط ارتكاز أكثر سخونة من سابقتها، وهي مناطق الاضطراب الرئيسية، مثل ما هي الحال في سوريا وأوكرانيا، وقد تدخل ليبيا واليمن، وغيرهما ضمن هذا النطاق، وبالقطع فإن الوضع بين الكوريتين سيكون في الصدارة.
7- يبدو دور العوامل الداخلية كبيراً في هذه الحرب، إن قامت على وجه تام، فبينما يعتقد المسؤولون في روسيا أن فتح جبهات في الخارج سيلفت انتباه الشعب الروسي بعيداً عن قضايا داخلية ملحة، نجد أن مراكز قوى الولايات المتحدة لاسيما المركب الصناعي العسكري قد تريد حرباً واسعة لدفع عجلة الاقتصاد الذي يتعرض حالياً لمشكلات مبرحة وجارحة، فالحرب ستتيح لأقطاب المال والسياسيين أن يلقوا بالتكئة أو اللوم على الحرب حين تقع كارثة اقتصادية في البلاد، وقد تمكنهم قلة ضالعة في صناعة القرار من تحقيق مكاسب اقتصادية أو سياسية.
8- هذه حرب لم تبدأ بالمراكز وتمتد للأطراف، بل بدأت في الأطراف وانتهت إلى المراكز، فمن قبل بدأت الحرب الباردة بتنافس أيديولوجي واقتصادي واستراتيجي بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي المنهار، بعد أن خرج البلدان قوتين عظميين من الحرب العالمية الثانية، ورثتا بريطانيا وفرنسا. أما هذه الحرب فبدأت من الدول الطرفية، إذ تعسكرت الثورة السورية، وتحولت إلى حرب أهلية، فصراع طائفي فإقليمي، ومنها إلى تدخل دولي.
9- تأتي هذه الحرب في ظل افتقاد دول العالم الثالث القدرة على اتخاذ موقف محايد أو غير متورط، تجلى فيما سمي «حركة عدم الانحياز»، فهذه المرة قد لا تحبذ دول كثيرة، أصبحت تمتلك ناصية قرارها، الدخول في هذه اللعبة بين واشنطن وموسكو، ولكنها قد لا تجد ما يلح عليها كي تبحث عن تكتل دولي في وجه الفريقين المتصارعين.
10- تأتي هذه الحرب مع صعود قوى دولية جديدة، مثل الصين والهند والاتحاد الأوروبي، بينما كانت الحرب السابقة تجري ضمن قطبية ثنائية واضحة المعالم والقوام. وهذه القوى قد تتدخل لتخفف من غلواء تلك الحرب، أو تهملها باحثة عن مصالحها بعيداً عن التوتر والصراع الضاري، وقد تدخل أطراف فيها، وهو الاحتمال الأرجح، ولكن بالقطع هذا المتغير المهم سيكون له تأثيره الكبير على إدارة الصراع بين الكرملين والبيت الأبيض في المستقبل.
عمار علي حسن
صحيفة الاتحاد