فرضت معركة الموصل نفسها على المشهد العراقي والإقليمي والدولي. العوامل التي تؤثر فيها متعددة ومتداخلة ومعقدة.
المعركة الميدانية مهمة لا شك،ولقد نجح العراقيون للمرة الأولى في أن يخوضوا معركة مشتركة من الجيش العراقي وقوات البيشمركة في وجه عدو مشترك وواحد هو تنظيم «داعش». ربما تسهم معركة تحرير الموصل في توثيق الرابطة الوطنية بين العراقيين الذين عانوا الأمرّين منذ العام 1990 وليس فقط منذ العام 2003.
ذلك أن الوحدة الجغرافية، كما الوحدة الاجتماعية ضرورية جداً في هذه المرحلة.
صحيح أن العراق فقد وحدته الجغرافية السابقة عندما أقر العراقيون ومعهم الأمريكيون النظام الفيدرالي، ونشوء شبه دولة كردية مستقلة،ولكن هذا لا يعني الإمعان في سياسة المزيد من التقسيم في كل المناطق الأخرى من البلاد.
لقد عاش العراق على امتداد فترة ما بعد هزيمة الدولة العثمانية في ظل الانتداب الانجليزي، والإنجليز معروف عنهم أنهم أرباب رسم سياسات التفرقة وبث الفتن. والأمريكيون استعانوا بخبرات الإنجليز عام 2003 لضمان نجاح احتلالهم للعراق، بل لكيفية تقسيمه، كما اقترح نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن، إلى ثلاثة كيانات كردية وسنية وشيعية. مع ذلك فإن العراقيين نجحوا في تجاوز الكمائن، وبنوا دولة تشارك فيها الجميع أو على الأقل لم تعرف هذا النفس الطائفي أو العرقي الذي ساد لاحقا، نتيجة لسياسات دولية في المنطقة رأس حربتها «إسرائيل» وقوامها قاعدة «فرق تسد» التي انتهجها البريطانيون،فكانت النزاعات مع الأكراد وكان تحريك الغرائز المذهبية بين السنة والشيعة، وكان نبش الخصوصية التركمانية. وقس على ذلك بشأن الأقليات الأخرى الدينية والعرقية.
إذا كانت المسؤولية الأولى تقع دائما على أصحاب البيت العراقي، فلا يجب أن نهمل الدور الخارجي في إثارة النعرات والانقسامات،وهذه سياسة مورست حيث يوجد النفط والطاقة والموارد الطبيعية. فحين لا ينقاد بلد ما غني بثرواته لرغبات وأطماع الخارج، فإنه يواجه شتى أصناف المكائد، سواء بزرع الفتن وتأجيجها أو إذا لم تنجح هذه الخطة، اللجوء إلى التدخل العسكري المباشر،كما حصل في العراق تحديداً، عام 1990 وعام 2003.
لقد كانت ثروة العراق نقمة عليه منذ أن نشأ كدولة مستقلة. فاتفاقية 1926 مع بريطانيا وتركيا منحت تركيا عشرة في المئة من عوائد نفطه على مدى 25 سنة.
ومن ثم كانت الحروب بين الدولة والأكراد، ومن بعدها الحصار في التسعينات وبعد ذلك في العام 2003.
ورغم انسحاب الأمريكيين بعد ذلك، إلا أنهم تركوا لهم ركائز نفوذ نفطية وعسكرية صلبة، لا تميز العراق عن أي بلد آخر تحت الوصاية الخارجية.
كذلك ليس بالضرورة أن تتجه العلاقة بين الحكومة المركزية مع إقليم كردستان إلى المزيد من التباعد، وصولاً إلى تحول الكيان الكردي إلى حالة معادية. حتى الآن لم تصل معالم الفيدرالية إلى حالة استقلالية كاملة،قد لا يفعلها الأكراد ما داموا يستفيدون من فوائد الفيدرالية من جهة وفوائد الشراكة بالسلطة في بغداد.لكن الرهان، وإن كان ضعيفاً، هو على أن يتعلم العراقيون الدروس من التجارب المريرة والمدمرة التي مر بها بلدهم. والأكراد تحديداً محاطون بدول عريقة في تاريخها الإمبراطوري مثل تركيا وإيران،تعارضان بشدة النزعات الاستقلالية للأكراد.
وهذا برأينا يجب أن يكون دافعاً للأكراد، لكي يتوجهوا مجدداً إلى الداخل العراقي، ويرتبوا البيت العراقي تحت لواء الفيدرالية بحيث يعملون على حل المشكلات العالقة ومن ذلك طريقة تقاسم الثروات، وحل مشكلة المناطق المتنازع عليها بين إقليم كردستان وحكومة المركز في بغداد وفي مقدمها منطقة كركوك النفطية وشمال الموصل ومنطقة سنجار،وكذلك العلاقة مع الخارج في مجالات الدفاع والاتفاقيات الاقتصادية.
معركة الموصل سوف تجعل الدم العراقي،العربي والكردي والسني والشيعي والتركماني والإيزيدي والمسيحي، يسيل من أجل حرية الموصل والعراق، فلتكن معركة الموصل فرصة تشد عصب الوطنية العراقية، بعدما اهتزت بعنف في العقود الماضية.
محمد نور الدين
صحيفة الخليج