قبل ساعات من صلاة الجمعة، وقع تفجير عند مسجد السلام في منطقة الهرم. وبعدها بيومين وقبل ساعات من قداس المسيحيين في كاتدرائية الأقباط وقع انفجار آخر، فالإرهاب هذه المرة اختار أماكن العبادة ليستهدف المصلين. وبغض النظر عن أسماء التنظيمات الإرهابية التي تقف خلف حملة التفجيرات وعمليات الاغتيال، فلا فرق لدى المواطن المصري البسيط المعرض للخطر نتيجة جرائم الإرهاب بين «حركة حسم» التي أعلنت مسؤوليتها عن التفجير في منطقة الهرم الجمعة وبين تنظيم «لواء الثورة» الذي كان نفذ عمليات إرهابية في العاصمة بينها اغتيال الضابط في الجيش العميد عادل رجائي قبل أسابيع وبين تنظيم «أنصار بيت المقدس» الذي تحول إلى فرع لتنظيم «داعش» وينفذ عناصره العمليات الإرهابية في سيناء. ما يدركه ذلك المواطن أن تلك التنظيمات اعتمدت الإرهاب وسيلة لتنفيذ أهدافها وأنه أصبح مهدداً بسببها وأن لا فرق بين شهيد يسقط نتيجة عملية إرهابية نفذت بواسطة «حسم» وآخر راح ضحية لـ «داعش» أو ضابط أو شرطي استهدف بواسطة «لواء الثورة». استهدف الإرهاب المسجد والكنيسة والضابط والشرطي والمواطن البسيط والرجل والمرأة والطفل، وتدرك غالبية المصريين جيداً أن كل تلك التنظيمات الإرهابية خرجت من رحم جماعة «الإخوان المسلمين». قد يهتم الباحثون والاختصاصيون ورجال الأمن ممن يتابعون ظاهرة الإرهاب ويدرسون أسبابها وتداعياتها والجهات التي تقف خلفها والدول الداعمة لها ووسائل الإعلام المحرضة عليها بتفاصيل تتعلق بالمسميات والأساليب والأفكار والمعتقدات التي تستند إليها التنظيمات الإرهابية والوسائل والآليات التي تتبعها لتنفيذ عملياتها. لكن بالنسبة إلى الناس بغالبيتهم لا فرق، وتلك أمور يعتبرونها مجرد نظريات أو اهتمامات أكاديمية أو نظرية. ربما أهم ما أفرزه الربيع العربي وما حصل في مصر في 25 كانون الثاني (يناير) 2011 وما بعده ووصول «الإخوان المسلمين» إلى سدة الحكم ثم الثورة عليهم بعد فشلهم في إدارة أمور البلاد وسعيهم إلى إقصاء القوى الأخرى و «أخونة» مؤسسات الدولة، أن الناس صاروا أكثر يقيناً بأن الربط بين نشأة جماعة «الإخوان» وتطورها بتطور الإرهاب وتفشيه كان صحيحاً. فالمسألة تخطت الاختلاف في شأن وقائع تاريخية كاغتيال القاضي الخازندار ورئيس الوزراء النقراشي باشا قبل ثورة تموز (يوليو) 1952 أو محاولة اغتيال جمال عبدالناصر بعدها، وترسخت على أرض الواقع بعد الثورة على «الإخوان» ورحيل الجماعة عن الحكم وردود فعل أنصارها داخل مصر وخارجها للثأر من الشعب المصري كله.
على خلفية التفجيرين أمام مسجد السلام وداخل كاتدرائية الأقباط بدا واضحاً ظهور مجموعات تتبنى العنف المسلح لكنها لا تنطلق من قاعدة «جهادية» قائمة على «أفكار تكفيرية»، بل تسعى إلى التركيز على الطابع «السياسي» لعنفها المسلح. وفرضت تلك المجموعات الإرهابية التي تنأى عن التبرير الديني أو الجهادي لهجماتها، وجودها على الساحة الإرهابية كمعادل لتنظيمات أخرى ظلت في واجهة المشهد تعتمد الأفكار التكفيرية والمتشددة كـ «الجهاد» و «الجماعة الإسلامية» و «القاعدة» و «داعش»، وعبر خطاب إعلامي سياسي، نفذت عمليات نوعية أبرزها اغتيال قائد الفرقة التاسعة المدرعة في الجيش العميد عادل رجائي بالرصاص لدى خروجه من منزله في حي العبور (شمال القاهرة) الذي تبنته مجموعة تُطلق على نفسها اسم «لواء الثورة»، ثم الهجوم على مكمن الهرم قرب مسجد السلام الذي تبنته جماعة «حسم» التي ترفع شعار «بسواعدنا نحمي ثورتنا»، وهي الجماعة نفسها التي كانت نفذت محاولة اغتيال المفتي السابق علي جمعة، وأخيراً تفجير الكنيسة البطرسية.
هناك اعتقاد راسخ بأن تلك المجموعات مرتبطة بجماعة «الإخوان المسلمين» أو على الأقل ولدت من رحمها، وهو ما بدا واضحاً من اعترافات أعضاء إحدى خلايا «حسم» تم توقيفهم أخيراً، كما ثبت أنهم بغالبيتهم كانوا ضمن المشاركين في اعتصام ميدان «رابعة العدوية» لأنصار محمد مرسي الذي تم فضه في 14 آب (أغسطس) 2013، كما دأبت على نشر مقاطع مصورة وصور لأحداث من فض قوات الأمن الاعتصام. وتجاهر تلك المجموعات بأن هجماتها تأتي رداً على «ممارسات النظام»، وتستخدم تعبيرات «الإخوان» نفسها من قبيل «الانقلاب» أو «ميليشيات النظام»، ولا تتحدث في بياناتها عن «الشريعة» أو «تحكيم شرع الله» أو «إن الحاكمية لله»، كالتنظيمات الجهادية، كما يظهر سعيها إلى تسييس هجماتها المسلحة حتى في أسمائها وشعاراتها. وغالباً ما تربط أسباب عملياتها الإرهابية بوقائع تجرى على الأرض.
عموماً المعركة مع الإرهاب طويلة وقد تمتد لسنوات، وكما انتشر الإرهابيون في العالم بعد الغزو الأميركي لأفغانستان وهزيمة «القاعدة» هناك، فإن خسائر «داعش» في سورية والعراق سيدفع ثمنها شعوب دول أخرى ستصل إليها شظايا ذلك التنظيم.
محمد صلاح
صحيفة الحياة اللندنية