قال نظير الأنصاري، الأستاذ بقسم الهندسة البيئية بجامعة لوليا في السويد، الذي فحص عمليات بناء سد الموصل الأولى: «مسألة وقت فحسب، سوف يكون الأمر أسوأ من إلقاء قنبلة نووية على العراق»، واكتشفت دراسة أجراها المركز العلمي التابع للمفوضية الأوروبية عام 2015، أنَّه حتى حدوث خرقٍ جزئي بالسد بمقدار 26%، من الممكن أن يسفر عن فيضانٍ كارثي.
يتمثل الحل الأفضل والأكثر ديمومة لهذه الأزمة، في بناء سدٍ ثانٍ، لكن عدم الاستقرار السياسي والعسكري، والافتقار للتمويل، يعني أنَّ خيارًا كهذا غير وارد، وحاول مسؤولون عراقيون التقليل من مخاوف العلماء والمجتمع الدولي من وقوع كارثةٍ وشيكة، لكنَّ الأنصاري مازال متشككًا في احتمالية حل المشكلة في الوقت المناسب، وقال الأنصاري: «أنا مقتنع أنَّ السد قد ينهار غدًا».
يجب التأكيد هنا على أن سد الموصل، يبعد حوالي 50 كم شمال مدينة الموصل في محافظة نينوي شمال العراق على مجرى نهر دجلة، بُني عام 1983، يبلغ طوله 3.2 كيلومترا وارتفاعه 131 مترًا، ويعتبر أكبر سد في العراق، ورابع أكبر سد في الشرق الأوسط، ويقع بالقرب من اسكي موصل.
أخطر سد في العالم
بحسب تقريرٍ هندسي للجيش الأمريكي صدر عام 2006، فإنَّ «سد الموصل أخطر سد في العالم»، لكنَّ الموقف أصبح أكثر خطورةً منذ استيلاء «داعش» على المنطقة عام 2014، بما في ذلك السد نفسه لفترةٍ وجيزة، إذ هرب عددٌ كبير من عمال السد، البالغ عددهم 1500 عامل، ودمر المتشددون معظم أدوات أولئك العمال.
وحذّر مهندسون وخبراء آخرون من أنَّ انهيار السد، والبالغ طوله 8 أميال (13 كيلومتراً)، “مسألة وقت” فحسب، الأمر الذي من شأنه أن يسبب كارثةً بيئية، قد تقتل مليونًا ونصف المليون إنسان، وتترك ملايين آخرين، من مكان السد وصولًا إلى بغداد، دون غذاء ولا كهرباء.
وتشير التقديرات إلى أن موجةً من الماء طولها 100 قدم (30 مترًا)، من شأنها أن تبتلع الموصل في غضون ساعتين، لتجرف معها سكان المدينة، والقنابل التي لم تنفجر، والبنايات، والسيارات، إضافة إلى كل المواد السامة من مصافي النفط والنفايات البشرية، وتُعَد السهول المحيطة بموقع الفيضان، بالفعل موطنًا لأكثر من مليون شخص يعيشون في خيامٍ، بعد تهجيرهم بسبب القتال، الذين سيعانون من أجل إيجاد ملجأ لحمايتهم من الماء.
وتوقع خبراء الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة أنه في غضون 4 أيام من انهيار السد، ستصل موجةٌ من الماء طولها من 6 إلى 36 قدمًا (2 إلى 8 أمتار) إلى بغداد، الواقعة على بعد 250 ميلًا (400 كيلومتر)، وتنبأت الأمم المتحدة العام الماضي بأنَّ أي سيناريو من سيناريوهات الفيضان، سيؤدي إلى تشريد ما يصل إلى 4 ملايين شخص، وستستغرق المساعدات نحو أسبوعين لتصل إلى المحتاجين في حالة خروج المطارات، وشبكات الكهرباء، والطرقات عن العمل. وستتأثر مصافي البترول العراقية، وما يصل إلى ثلثي حقول القمح العراقية.
سيطرة التنظيم على الموصل
في 11 يونيو 2014، بدأ مسلحي «تنظيم الدولة» بالتحرك نحو جنوب مدينة الموصل العراقية، في هجوم مباغت، بقوة قُدر عددها بأكثر من 2000 مقاتل، توزعت على ثلاث جهات، تكريت بقوة 750 مقاتلًا، والدور وسامراء بقوة 1500 مقاتل، فيما تولّت قوة صغيرة الهجوم على مناطق الشرقاط وبيجي والصينية.
مصادر صحفية مطلعة، أكدت أنّ التخطيط لدخول مدينة الموصل، بدأ بعد مقتل قائد «تنظيم الدولة» الميداني أبوعبدالرحمن البيلاوي، حيث قررت قيادة التنظيم إعلان غزوة الثأر لمقتل البيلاوي، وكانت ليلة التاسع من يونيو 2014، هي ساعة الصفر لاقتحام مقرات الشرطة الاتحادية هناك، للسيطرة عليها.
وحين نجح مقاتلو «تنظيم الدولة» في إسقاط معظم مقرات الشرطة الاتحادية في الساحل الأيمن من المدينة، بشكل سريع ومفاجئ، غيّر قادة التنظيم مسار الخطة من الثأر للبيلاوي، إلى احتلال الموصل.
أكدت بيانات الجيش العراقي آنذاك، أنّ ما حدث في الموصل والمحافظات الأخرى، خيانات أدت إلى انهزام الجيش العراقي من تلك المناطق، ودخول «تنظيم الدولة» من سوريا، وساعدهم عناصر التنظيم من العراقيين، كذلك بعض السياسيين في الدولة العراقية، على حد زعم الحكومة العراقية.
على أي حال، فقد سقطت مدينة الموصل بالكامل، وسقط السد أيضًا، إلى أنه وبعد أسبوعين فقط استعادت القوات العراقية السيطرة على السد، بمساعدة من قوات التحالف، الذي تقوده الولايات المتحدة، لكن أعمال الصيانة توقفت دون أي أسباب تُذكر، وبعد ذلك أعلنت الحكومة العراقية، أنها منحت شركة إيطالية عقدًا لإجراء إصلاحات عاجلة للسد، الذي يعاني عيوبًا إنشائية منذ بنائه في ثمانينيات القرن الماضي، ويحتاج إلى حقن مستمر، ليحافظ على بنيانه سليمًا.
حلول مقترحة
أوصت السفارة الأمريكية في بغداد، بإفراغ سد الموصل من المياه، من أجل حماية نحو مليون ونصف المليون شخص من الخطر، في حال تعرضه للانهيار، وأكد بيان نشر على موقع السفارة «لا تتوفر لدينا معلومات محددة، تشير إلى وقت حدوث تصدع» في السد.
وبحسب وجهة نظر السفارة، فإنه سيكون من غير الممكن، في حال حدوث تصدع، إنقاذ بين 500 ألف إلى 1.47 مليون شخص يعيشون على امتداد نهر دجلة، إذا لم يتم نقلهم من أماكنهم، كما أكد البيان ضرورة ابتعاد سكان مدينتي الموصل وتكريت، بين خمسة إلى ستة كيلومترات عن ضفة النهر ليكونوا بأمان، أما الذين يعيشون في مناطق قرب سامراء، حيث يمكن السيطرة على موجة الفيضان، عبر سد أصغر حجمًا، ولاحتمال وصول المياه إلى منطقة أوسع، فسيكون عليهم الابتعاد نحو 16 كيلومترًا، وفقا للبيان.
وفي الإطار ذاته، فإن خطة الطوارئ تشير إلى فيضانات لمناطق في بغداد، بما فيها المطار الدولي، ورجح البيان كذلك، غرق مناطق تخضع لسيطرة «تنظيم الدولة» أو أخرى متنازع عليها، ما يفشل عمليات الإخلاء الحكومية، وستؤدي الكارثة إلى انقطاع الكهرباء عن كل العراق، وغرق مناطق زارعية، وفيضانات لأسابيع في بغداد، وفقا للبيان.
ويتضمن نص التقييم، الذي أصدرته كتيبة المهندسين في الجيش الأمريكي، وورد في تقرير أصدره البرلمان، أن «جميع المعلومات التي تم جمعها العام الماضي، تشير إلى أن سد الموصل يواجه خطر الانهيار بشكل أكبر بكثير، ما كان يعتقد أصلا»، وأضاف أن السد «معرض للانهيار اليوم، أكثر مقارنة مع عام مضى».
وتشير تقارير إعلامية إلى أن كميات المياه المتدفقة من السد، في حال انهياره، تقدر بنحو ستمئة ألف متر مكعب في الثانية، في حين أن مجرى نهر دجلة لا يتحمل تصريف أكثر من 3500 متر مكعب في .
اقتراح آخر لتفادي انهيار السد، أشارت إليه الحكومة العراقية، دون البدء في تنفيذ ذلك، هو قطع المياه من الجانب التركي، وثم تغيير مجرى نهر دجلة، وحفر قناة إلى صحراء تلعفر بخط مستقيم، لتؤدي إلى الوديان بالصحراء وتفريغ مياه بحيرة السد بالصحراء، ثم هدم السد بعد تفريغه من المياه.
التقرير