أغلب الظن أن فلاديمير بوتين يشعر بالغيرة وبقدر من القلق. أنفق سنوات وارتكب مجازفات ليسرق الأضواء ويحسن صورته وصورة بلاده. ضم القرم. زعزع استقرار أوكرانيا. تدخل عسكريا وأنقذ نظام الرئيس بشار الأسد. احتل الشاشات وبدا بمثابة المعبر الإلزامي لترتيب الحلول الإقليمية والدولية.
صحيح أن دونالد ترمب لا يخفي رغبته في العمل معه خصوصا ضد تنظيم داعش. لكن ترمب يريد أيضا إنهاء عهد أميركا المترددة الذي تكرس في عهد باراك أوباما. وبوتين يعرف معنى شعار «أميركا أولا» الذي يشكل اليوم هاجس الرجل المقيم في المكتب البيضاوي. ترمب يريد أميركا قوية ومزدهرة وناجحة. وبوتين يعرف أن استعادة أميركا صورة الدولة الأقوى والأنجح تعني إحباط الانقلاب الذي يقوده منذ سنوات. أميركا المسلحة بنموذج ناجح هي التي دمرت الاتحاد السوفياتي ودفعته إلى المتحف.
لا شك أن بوتين سمع من مستشاريه عبارات ترمي إلى طمأنته. وبينها أن العاصفة التي أطلقها ترمب لحظة دخوله البيت الأبيض لن تلبث أن تصطدم بصخور وقائع العلاقات الدولية ووقائع الانقسامات والتوازنات الأميركية. ولا يكفي لطمأنة القيصر أن يقول له مستشاروه إن السيد الرئيس الأميركي يشبه رجلا يلعب بالقنابل. اللعبة في بداياتها ومن التسرع الجزم بالنتائج.
قبل ثلاثة أيام من هبوب عاصفة ترمب رسميا على أميركا والعالم اعتلى الرئيس الصيني شي جينبينغ، للمرة الأولى، منبر منتدى دافوس. كنت بين من احتشدوا لسماعه. ولمست مدى إعجاب الحاضرين بسماع وريث ماو تسي تونغ يقدم مرافعة مدعمة بالأرقام دفاعا عن العولمة ضمّنها تحذيرًا صريحًا من النزعة الحمائية ومخاطر الحرب التجارية. ظهر جليا أنه يخاطب الرجل الذي يتأهب للقبض على البيت الأبيض. كان اللافت ترداد عدد غير قليل من الحاضرين أن الأمر يتوقف في النهاية على ما سيفعله ترمب.
بدءًا من خطاب التنصيب أوقع ترمب العالم في حالة انتظار مشوبة بالترقب القلق. لكن كثيرين اعتقدوا أن الرئيس لا يشبه عادة المرشح للرئاسة. وأن ما يصح في الحملات الانتخابية لا يصح من موقع حامل الأختام. كان ذلك الخطأ الأول في فهم ترمب.
سرعان ما اكتشف العالم أنه أمام مشهد غير مسبوق. هذا الرئيس لا يشبه أيًا من أسلافه. أسلوبه شديد الاختلاف عن أساليبهم. والأمر نفسه بالنسبة إلى قاموسه. ليس بسيطا أن يقول رئيس أميركي منتخب إنه سيعيد السلطة من واشنطن إلى الشعب. وإن كل السياسات ستبنى من الآن فصاعدا على قاعدة «أميركا أولا». بدا السيد الرئيس كمن يعلن البيان الرقم واحد على الرغم من أنه دخل القصر على ظهر «تويتر» وليس على ظهر دبابة.
على الشاشات وعبر سلسلة متلاحقة الحلقات من القرارات التنفيذية بعث ترمب برسالة صارمة. جوهر الرسالة أن الرئيس ملتزم بما قاله المرشح. وأنه لن يرضخ لوسائل الإعلام وتحفظات النخبة وجماعات حقوق الإنسان والاتفاقات التجارية السابقة. وأنه سيفتح حتى الملفات التي طالما تفادى الرؤساء الأميركيون فتحها. لم يهادن منتقديه ولم يحاول إبرام اتفاق تهدئة معهم. اعتمد على الجنرال «تويتر» لإبلاغ رسائله إلى مواطنيه والعالم.
من الجدار مع المكسيك إلى الانسحاب من اتفاق التجارة عبر المحيط الهادي ومرورا بالإشادة بمغادرة بريطانيا الوحدة الأوروبية وصولا إلى تعليق دخول مواطني سبع دول إسلامية أطلق ترمب سلسلة من المعارك. معارك في الداخل الأميركي ومعارك على امتداد القرية الكونية. ومن حسن حظ أهل الشرق الأوسط أن الأيام العشرة المثيرة لم تحمل قرارا بتنفيذ نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس.
رمت الأيام العشرة المثيرة حجارة كثيرة في بحيرات العلاقات الدولية والاتفاقات التجارية والتحالفات العسكرية. لم يعد أحد متيقنا من استمرار ما كان. إننا أمام رئيس جديد وربما أمام أميركا جديدة. المكتب البيضاوي يشبه غرفة تلفزيون الواقع. والطقس يوحي بمعارك قانونية وسياسية وإعلامية وتجارية كثيرة. وتحولت المفاجآت إلى وجبة يومية.
حين ينتخب الأميركيون رئيسا يتحتم على العالم الرقص معه. ربما هذا ما أراد ترمب تأكيده. الخيار الوحيد أمام دول العالم هو أن تعد أوراقها وتستعد ذلك أن شيئا ما قد تغير في البيت الأبيض وأميركا والعالم.
بحثت عن عنوان للمقال يجمع أسلوب الرئيس ووقع قراراته. لم أجد أفضل من استعارة العنوان الذي اختاره جون ريد لكتابه عن ثورة أكتوبر وهو «عشرة أيام هزّت العالم».
غسان شربل
*نقلاً عن “الشرق الأوسط”