ماذا يعني أن تمتنع الأغلبية من الناخبين، نساء ورجالاً، عن التسجيل في السجل الانتخابي، أو أن تستنكف عن تحديث سجلها الانتخابي، برغم النداءات المتكرّرة الصادرة عن مسؤولي المفوضية العليا “المستقلة” للانتخابات؟
هذا معناه ببساطة أنّ هذه الأغلبية لم تعد تثق بالنظام الانتخابي. وعدم الثقة بهذا النظام ينطوي على عدم الثقة بالنظام السياسي القائم برمته وبالطبقة السياسية الحاكمة.
خبر الامتناع أو الاستنكاف جاء على لسان رئيس الإدارة الانتخابية في المفوضية وائل الوائلي الذي أفاد، في تصريح نشرته المفوضية في موقعها أمس، بأن عدد المسجلين بايومتريّاً بلغ (7) ملايين و(740) ألفاً و(280) ناخباً ، أي مايعادل (43%) من عدد الناخبين البالغ (17) مليوناً و(207) آلاف و(617) ناخباً. ولا تشمل هذه الأرقام الناخبين في محافظات إقليم كردستان، كما أنّ ناخبي محافظتي نينوى وكركوك مستبعدون من هذه الإحصائية ،لأن المحافظتين لن تجري فيهما انتخابات مجالس المحافظات المقرر إجراؤها في أيلول المقبل.
لا أتوقع نتيجة إيجابية للنداء الذي وجهه السيد الوائلي الى الناخبين المستنكفين للذهاب الى مراكز التسجيل في غضون المدة المتبقية، حتى العشرين من الشهر الحالي، فعدم الثقة بل النقمة حيال العملية الانتخابية هما الآن في الذروة بعد سلسلة الكوارث الكبرى التي وقعت منذ إجراء آخر عملية انتخابية (الانتخابات البرلمانية في 20014)، من احتلال تنظيم داعش الإرهابي ثلث مساحة البلاد بسهولة شرب الماء، إلى الانهيار المالي الذي أثّر على معيشة الناس جميعاً ( ماخلا الطبقة الحاكمة التي لم تتخلّ عن امتيازاتها، بل إنها تراجعت عن الإصلاحات القليلة التي أُرغمت على إعلانها بعد اندلاع الحركة الاحتجاجية الكبرى في أواسط العام 2015).
ربما ستلجأ المفوضية الى حيلة لاجتذاب الناخبين الى مراكز التسجيل على غرار الحيلة التي سبقت انتخابات 2014 عندما زعمت أنّ الهوية الانتخابية ستكون وثيقة رسمية يُعتدّ بها في كلّ المعاملات مثل سائر وثائق إثبات الشخصية الرسمية، والحال أنّ مفعول احترامها انتهى تماماً بمجرد انفضاض عملية التصويت.. حتى المفوضية نفسها لم تُقم لها أي اعتبار، بدليل أنها لم تضمّها الى قائمة الوثائق المطلوبة لتسجيل الاحزاب السياسية بعد أن دخل قانون الاحزاب حيّز التطبيق.
معالجة العزوف والاستنكاف عن التسجيل في السجل الانتخابي وعن التصويت في الانتخابات وإعادة الثقة بالعملية الانتخابية لهما متطلبات كبيرة وكثيرة، أوّلها تعديل النظام الانتخابي واعتماد نظام جديد يمكّن الناخبين من انتخاب ممثليهم الحقيقيين، الأكثر كفاءة ووطنية ونزاهة، وثانيها تشكيل مفوضية جديدة للانتخابات تكون مستقلة حقاً، ومعنى هذا ألا يكون للاحزاب والكتل السياسية أي دور في تشكيل مجلس المفوضين وسائر العاملين في هيئات المفوضية واقسامها، وثالثها تحقيق إشراف دولي على الانتخابات لضمان نزاهتها، ورابعها تعديل قانون الاحزاب، وخامسها قيام الاحزاب والائتلافات بتجديد قياداتها ومرشحيها الى الانتخابات المقبلة إبعاداً للقيادات والنواب والممثّلين الفاشلين والفاسدين، فمن الحكمة ومن المصلحة عدم إعادة هؤلاء الى الواجهة، ذلك أن المُجرَّب لا يُجرَّب كما يقول الحكماء.