«لن يتمكن أي مواطن أوروبي من السير في الشارع بأمان إذا ما ظل موقف الاتحاد الأوروبي معادياً لتركيا». وردت هذه العبارة المنسوبة إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بعد منع هولندا وألمانيا مسؤولين أتراكاً من رعاية وتحشيد ناخبين في سياق حملة التعبئة التي يقودها حزب العدالة والتنمية من أجل الفوز في الاستفتاء، حول التعديلات الدستورية، التي تنقل النظام السياسي في تركيا من الصيغة البرلمانية إلى الصيغة الرئاسية.
ستلي من بعد عبارات أشد قسوة وتحذيراً، آخرها ما ورد على لسان أردوغان نفسه من أن الاتحاد الأوروبي هو مجرد «ائتلاف صليبي» وذلك إثر اجتماع قادته مع البابا فرنسيس في الفاتيكان. وأضاف معقباً «هذا ما يفسر رفض عضوية تركيا في الاتحاد منذ العام 54».
معلوم أن الرئيس التركي كان قد وعد بإجراء استفتاء شعبي حول استمرار أو خروج تركيا من الانتماء إلى الاتحاد الأوروبي، إذا ما فاز في استفتاء 16 إبريل/ نيسان على مشروع التعديلات الدستورية.
وكان حزب العدالة والتنمية قد وعد ناخبيه من قبل بإعادة العمل بقانون الإعدام، وهو ما يمكن أن يعتبر بنظر الأوروبيين دليلاً على إخلال خطر بشروط العضوية في الاتحاد الأوروبي، وتراجع عن إجراء قبلته تركيا كشرط لترشيحها للعضوية.
ولو عدنا قليلاً إلى الوراء سنلاحظ أن الرئيس التركي استخدم قضية تدفق المهاجرين عبر الحدود الأوروبية للضغط على أوروبا، ولانتزاع مكسب من القارة العجوز لطالما بحث عنه، ونعني بذلك السماح للمواطنين الأتراك بدخول دول الاتحاد الأوروبي بالبطاقة الشخصية ومن دون تأشيرة عبور، غير أن هذا الشرط لم يتحقق رغم انطوائه ضمناً في المحادثات بين تركيا وأوروبا حول تدفق المهاجرين.
ولا حاجة للتذكير بالاتهامات التي أطلقها أردوغان على قادة هولندا وألمانيا بالنازية والفاشية، بعد منع وزير خارجيته من إلقاء كلمة في تجمع انتخابي في هولندا، رغم تحذير الحكومة الهولندية من أن التجمع غير مرخص وأنها لن تسمح به لأسباب أمنية.
لا نحتاج إلى مؤشرات إضافية للاستنتاج بأن العلاقات التركية الأوروبية ليست في أفضل أحوالها، بل هناك من يعتقد أن القطيعة بين الطرفين باتت احتمالاً جدياً، قد يصبح بديهياً إذا ما فاز أردوغان باستفتاء التعديلات الدستورية، وتحول النظام التركي من نظام برلماني إلى نظام رئاسي يعطي أردوغان فرصة تاريخية لكي يغير وجه بلاده بعدما يقارب القرن من الأتاتوركية العلمانية.
والواضح أن ما يريده الرئيس التركي لبلاده هو ما لا تريده أوروبا. هو يريد الخروج من الأتاتوركية التي حكمت العلاقات التركية – الأوروبية وجعلتها ميسرة منذ الحرب العالمية الأولى حتى اليوم، في حين تخشى أوروبا من التوجه التركي الجديد على حدودها، والذي يوقظ مخاوفها التاريخية القديمة المرتبطة بالسلطنة العثمانية التي احتلت لقرون أجزاء من أوروبا حين وصلت إلى أبواب فيينا.
الجدير بالذكر أن مصطفى كمال أتاتورك مؤسس تركيا الحديثة، استجاب لشروط الأوروبيين المنتصرين في الحرب العالمية الأولى عبر إلغاء الخلافة الإسلامية، واعتماد النظام العلماني والحرف اللاتيني في اللغة التركية وتطبيق المبادئ العلمانية في التعليم ونزع الحجاب الإسلامي.. الخ.
بالمقابل سعى أردوغان منذ تسلمه السلطة إلى الخروج من الأتاتوركية بوسيلتين، الأولى عبر الإفادة منها في احتلال موقع مركزي في قلب الاتحاد الأوروبي، فإن تحقق له ذلك تكون بلاده قطباً إقليمياً، بل دولياً له الحساب الأول والأهم في الشرق الأوسط، وذلك عبر ديمغرافيتها التي تقارب مئة مليون نسمة وجيشها الأهم في الاتحاد، وموقعها الجيواستراتيجي الذي لا يضاهى وعمقها القومي الذي يغوص في آسيا الوسطى حتى يصل إلى أطراف الصين على حدود القوتين الصاعدتين الصينية والروسية فضلاً عن روابطها الإسلامية التي قد تصل إلى أربع بقاع العالم بعد الضعف والوهن الشديد الذي أصاب ويصيب العالم العربي.
والوسيلة الثانية تكمن في الخروج من العضوية الأوروبية الدونية التي تريدها القارة العجوز لبلاده فتحجمها وتضعفها تحت السقف الأتاتوركي الموروث من هزيمة الحرب الأولى. ولعل الوسيلة الثانية هي التي أدت وتؤدي إلى ازدياد التوتر غير المسبوق في علاقات الطرفين.
إن منع التجمعات الانتخابية التركية في هولندا وألمانيا تأييداً لأردوغان هو بمثابة رسالة تنبيهية إلى الأتراك من أنهم سيخسرون الأفضليات التي توفرها علاقاتهم مع أوروبا إن انحرفوا نحو وجهة تسلطية ومركزية قومية دينية، يسعى إليها الزعيم التركي. بكلام آخر يمكن القول إن أوروبا تحذر الاستبلشمانت التركي من مخاطر الاندفاعة الأردوغانية التي يمكن اعتبارها مشروع قطيعة تخسر فيه تركيا أكثر مما تخسر فيه أوروبا.
لا تقول ردود فعل أردوغان الهجومية على «الاتحاد الأوروبي الصليبي» شيئاً آخر، فهي تؤكد مخاوف الأوروبيين وتعزز قناعتهم بأن «عثمانية» جديدة على أهبة التشكل على حدودهم. ويأتي ذلك في وقت تتصاعد فيه قوة التيارات الشعبوية والقومية الأوروبية التي تزيدها تحديات أردوغان تأثيراً ونفوذاً لدى فئات واسعة من الرأي العام الأوروبي.
يملي ما سبق استنتاجاً منطقياً مفاده أن اللهجة الأردوغانية العدوانية تجاه أوروبا ليست تكتيكاً انتخابياً يمكن أن يتبخر بعد فرز صناديق الاقتراع وكأنه لم يكن، بل هي قطيعة كاملة الأوصاف قد تحملها الصناديق أواسط أبريل/ نيسان.
ستلي من بعد عبارات أشد قسوة وتحذيراً، آخرها ما ورد على لسان أردوغان نفسه من أن الاتحاد الأوروبي هو مجرد «ائتلاف صليبي» وذلك إثر اجتماع قادته مع البابا فرنسيس في الفاتيكان. وأضاف معقباً «هذا ما يفسر رفض عضوية تركيا في الاتحاد منذ العام 54».
معلوم أن الرئيس التركي كان قد وعد بإجراء استفتاء شعبي حول استمرار أو خروج تركيا من الانتماء إلى الاتحاد الأوروبي، إذا ما فاز في استفتاء 16 إبريل/ نيسان على مشروع التعديلات الدستورية.
وكان حزب العدالة والتنمية قد وعد ناخبيه من قبل بإعادة العمل بقانون الإعدام، وهو ما يمكن أن يعتبر بنظر الأوروبيين دليلاً على إخلال خطر بشروط العضوية في الاتحاد الأوروبي، وتراجع عن إجراء قبلته تركيا كشرط لترشيحها للعضوية.
ولو عدنا قليلاً إلى الوراء سنلاحظ أن الرئيس التركي استخدم قضية تدفق المهاجرين عبر الحدود الأوروبية للضغط على أوروبا، ولانتزاع مكسب من القارة العجوز لطالما بحث عنه، ونعني بذلك السماح للمواطنين الأتراك بدخول دول الاتحاد الأوروبي بالبطاقة الشخصية ومن دون تأشيرة عبور، غير أن هذا الشرط لم يتحقق رغم انطوائه ضمناً في المحادثات بين تركيا وأوروبا حول تدفق المهاجرين.
ولا حاجة للتذكير بالاتهامات التي أطلقها أردوغان على قادة هولندا وألمانيا بالنازية والفاشية، بعد منع وزير خارجيته من إلقاء كلمة في تجمع انتخابي في هولندا، رغم تحذير الحكومة الهولندية من أن التجمع غير مرخص وأنها لن تسمح به لأسباب أمنية.
لا نحتاج إلى مؤشرات إضافية للاستنتاج بأن العلاقات التركية الأوروبية ليست في أفضل أحوالها، بل هناك من يعتقد أن القطيعة بين الطرفين باتت احتمالاً جدياً، قد يصبح بديهياً إذا ما فاز أردوغان باستفتاء التعديلات الدستورية، وتحول النظام التركي من نظام برلماني إلى نظام رئاسي يعطي أردوغان فرصة تاريخية لكي يغير وجه بلاده بعدما يقارب القرن من الأتاتوركية العلمانية.
والواضح أن ما يريده الرئيس التركي لبلاده هو ما لا تريده أوروبا. هو يريد الخروج من الأتاتوركية التي حكمت العلاقات التركية – الأوروبية وجعلتها ميسرة منذ الحرب العالمية الأولى حتى اليوم، في حين تخشى أوروبا من التوجه التركي الجديد على حدودها، والذي يوقظ مخاوفها التاريخية القديمة المرتبطة بالسلطنة العثمانية التي احتلت لقرون أجزاء من أوروبا حين وصلت إلى أبواب فيينا.
الجدير بالذكر أن مصطفى كمال أتاتورك مؤسس تركيا الحديثة، استجاب لشروط الأوروبيين المنتصرين في الحرب العالمية الأولى عبر إلغاء الخلافة الإسلامية، واعتماد النظام العلماني والحرف اللاتيني في اللغة التركية وتطبيق المبادئ العلمانية في التعليم ونزع الحجاب الإسلامي.. الخ.
بالمقابل سعى أردوغان منذ تسلمه السلطة إلى الخروج من الأتاتوركية بوسيلتين، الأولى عبر الإفادة منها في احتلال موقع مركزي في قلب الاتحاد الأوروبي، فإن تحقق له ذلك تكون بلاده قطباً إقليمياً، بل دولياً له الحساب الأول والأهم في الشرق الأوسط، وذلك عبر ديمغرافيتها التي تقارب مئة مليون نسمة وجيشها الأهم في الاتحاد، وموقعها الجيواستراتيجي الذي لا يضاهى وعمقها القومي الذي يغوص في آسيا الوسطى حتى يصل إلى أطراف الصين على حدود القوتين الصاعدتين الصينية والروسية فضلاً عن روابطها الإسلامية التي قد تصل إلى أربع بقاع العالم بعد الضعف والوهن الشديد الذي أصاب ويصيب العالم العربي.
والوسيلة الثانية تكمن في الخروج من العضوية الأوروبية الدونية التي تريدها القارة العجوز لبلاده فتحجمها وتضعفها تحت السقف الأتاتوركي الموروث من هزيمة الحرب الأولى. ولعل الوسيلة الثانية هي التي أدت وتؤدي إلى ازدياد التوتر غير المسبوق في علاقات الطرفين.
إن منع التجمعات الانتخابية التركية في هولندا وألمانيا تأييداً لأردوغان هو بمثابة رسالة تنبيهية إلى الأتراك من أنهم سيخسرون الأفضليات التي توفرها علاقاتهم مع أوروبا إن انحرفوا نحو وجهة تسلطية ومركزية قومية دينية، يسعى إليها الزعيم التركي. بكلام آخر يمكن القول إن أوروبا تحذر الاستبلشمانت التركي من مخاطر الاندفاعة الأردوغانية التي يمكن اعتبارها مشروع قطيعة تخسر فيه تركيا أكثر مما تخسر فيه أوروبا.
لا تقول ردود فعل أردوغان الهجومية على «الاتحاد الأوروبي الصليبي» شيئاً آخر، فهي تؤكد مخاوف الأوروبيين وتعزز قناعتهم بأن «عثمانية» جديدة على أهبة التشكل على حدودهم. ويأتي ذلك في وقت تتصاعد فيه قوة التيارات الشعبوية والقومية الأوروبية التي تزيدها تحديات أردوغان تأثيراً ونفوذاً لدى فئات واسعة من الرأي العام الأوروبي.
يملي ما سبق استنتاجاً منطقياً مفاده أن اللهجة الأردوغانية العدوانية تجاه أوروبا ليست تكتيكاً انتخابياً يمكن أن يتبخر بعد فرز صناديق الاقتراع وكأنه لم يكن، بل هي قطيعة كاملة الأوصاف قد تحملها الصناديق أواسط أبريل/ نيسان.
فيصل جلول
صحيفة الخليج