عندما أغلقت شركة البترول الوطنية الكويتية الشهر الماضي مصفاة الشعيبة، أول مصفاة مشتركة ما بين القطاع الخاص الكويتي والحكومة الكويتية عام 1968، اضطرت الكويت أن تستورد بنزين السيارات من الخارج وقوبلت بالكثير من الانتقادات. فكيف يمكن الكويت، المنتجة للنفط وتمتلك مصفاتين، أن تستورد مشتقات نفطية؟ وعلى رغم أن كل الدول المنتجة للنفط الخام تمتلك مصافي كثيرة، فهي تستورد المشتقات النفطية بخاصة في فترات الصيف ولتلبية الطلب المحلي المتزايد على الكهرباء. وهذا أمر غير معيب وطبيعي. وفي معظم الأحيان تكون عملية الاستيراد مربحة مثلما هي الحال مع الكويت، لكن ربما ليس في كل الأوقات بسبب استحالة التوازن بين المطلوب وما تنتجه المصافي.
ويعود السبب الرئيس للاستيراد من المشتقات النفطية المختلفة إلى عدم التوازن ما بين مخرجات المصافي من المنتجات النفطية المختلفة ومتطلبات الأسواق المحلية المستهلكة، سواء في المملكة العربية السعودية أو الكويت أو العراق أو في أية دول نفطية أخرى. إذ عندما يتم تكرير برميل واحد من النفط الخام ينتج عنه 6 مواد بترولية أساسية وبنسب مختلفة بحسب نوع النفط الخام، إن كان من النوع الخفيف ام من النوع الثقيل. فالأول ينتج عنه مشتقات نفطية خفيفة كالنافثا والبنزين والكيروسين وبنسب كبيرة، في حين أن تكرير النفط الثقيل تنتج منه مواد بنسب أكثر من وقود النفط والمنتجات الخفيفة وبنسب أقل. ولهذا السبب لا توجد مصفاة تلبي كل حاجات المستهلك ودائماً يكون هناك عدم توازن بين النقص والزيادة من المخرجات من المشتقات النفطية. ولهذا نرى نقصاً في وقود السيارات من مادة البنزين أو مادة الديزل، لكن هناك دائماً فائض من الوقود النفطي الأدنى سعراً في الأسواق النفطية حيث يستعمل في الحرق في محطات توليد الكهرباء أو في مصانع الألومنيوم والأسمنت. وهذه هي الحال في معظم المصافي في منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط.
وعلى رغم وجود مصفاتين في الكويت، إلا أنها لا تمتلك طاقات تكريرية كافية لتغطية العجز في مادة البنزين لأن نسبة استخراجها وإنتاجها قليلة جداً ولن تكون العملية مربحة ولن تضيف قيمة إلى قيمة النفط الخام. ومن الأفضل استيراد البنزين وبيع النفط الخام في الأسواق النفطية حيث لا تمتلك الكويت إمكانات لإنتاج البنزين حتى يتم تشغيل وحدات جديدة في كل من مصفاتي الأحمدي وميناء عبدالله مع نهاية العام المقبل.
وفي معظم الأحيان يكون السبب هو مادة البنزين بخاصة في السنوات المقبلة، حيث سيتضاعف الطلب المحلي في الأسواق الآسيوية على البنزين نتيجة لزيادة عدد المركبات في الدول الآسيوية ومن ثم التوجه إلى بناء مصافٍ لمقابلة الطلب المتزايد وما يتحقق منه كزيادة في المشتقات النفطية الأخرى يمكن بيعها في الأسواق الخارجية ما سيربك الأسواق النفطية الأخرى. وهذا يحدث ويتكرر في كل الدول النفطية وكذلك في الدول المستهلكة للمنتجات النفطية مثل إندونيسيا والهند من دون استثناء.
وهناك أكثر من 40 مصفاة في منطقة الخليج العربي، خصوصاً في إيران التي تملك 14 مصفاة والعراق 12 والمملكة العربية السعودية 10 منها 4 مصافٍ مشتركة مع شركات نفطية عالمية عملاقة. لكن الأكبر طاقة إنتاجية هي مصفاة الرويس في أبو ظبي بطاقة أنتاجية 820 ألف برميل في اليوم. والأكبر في العالم هي مصفاة جمنكار في الهند بطاقة أنتاجية تبلغ أكثر من 1.2 مليون برميل في اليوم.
ومع ذلك يتحول معظم هذه الدول إلى دول مستوردة للبترول خلال فترات الصيف ومعظمها دول منتجة ومصدرة للنفط، حتى إندونيسيا التي كانت من دول «أوبك» أصبحت الآن من الدول المستوردة بكميات كبيرة ولم تعد من الدول المصدرة للنفط الخام.
إن استيراد النفط من الدول الكبرى المنتجة للنفط هو أمر طبيعي بسبب زيادة الطلب المحلي، ولكن أيضاً بسبب نوعية وتركيبة المصفاة التي قد تكون أصلاً مبنية على التصدير.
كامل عبدالله الحرمي
صحيفة الحياة اللندنية