بيروت – نجح وزير الخارجية والمغتربين اللبناني جبران باسيل في الفترة الأخيرة في خلق ورشة عمل سياسية تطال عدة ملفات شائكة ومعقدة في وقت واحد.
وأظهر باسيل قدرة على لعب دور ضابط الإيقاع ومهندس التحالفات، فقد بدا التناغم بينه وبين رئيس الحكومة سعد الحريري واضحا في الموقف من موضوع استجرار الطاقة الكهربائية من خلال البواخر.
وبقي باسيل محافظا على العلاقة مع حزب الله على الرغم من الخلافات الكثيرة التي برزت بين التيار الوطني الحر والحزب على خلفية مواقف الأخير من مشاريع القوانين الانتخابية العديدة التي قدمها وآخرها التأهيلي.
وفي الساحة المسيحية استمر التحالف بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية على الرغم من التباين في ملفات عديدة والتي كان آخرها الاختلاف في وجهات النظر في موضوع الكهرباء.
وكشف حرص وزراء القوات اللبنانية على حصر الخلاف في الموضوع الكهربائي في الزاوية التقنية، والتأكيد على أنه لا يمس جوهر العلاقة السياسية مع التيار أن هذا الحلف لا يزال يمثل ضرورة سياسية وانتخابية للطرفين.
وتعتبر بعض القرءات أن رئيس التيار الحر يدير ثلاثة تحالفات في الآن نفسه؛ أولها الحلف المسيحي السني، وثانيها الحلف المسيحي مع حزب الله، إضافة إلى الحلف المسيحي المسيحي.
وتنقسم الآراء حول أداء الوزير باسيل، ففي حين يرى فيه البعض حنكة سياسية، يرى البعض الآخر أنه لا يقرأ الواقع السياسي بشكل عميق، وأنه يبني طموحاته على أسس غير مدعومة بوقائع صلبة ومتماسكة.
ويدافع أصحاب وجهة النظر الأولى عن رأيهم من خلال الدينامية السياسية التي أحدثها باسيل من خلال الطرح المتوالي لمجموعة من مشاريع القوانين الانتخابية التي شكلت محور النقاش والسجال السياسي في الفترة الأخيرة.
ويضاف إلى ذلك أنه نجح في جعل الموقف من مشاريع القوانين الانتخابية التي يطرحها، أو من المواضيع التي يديرها وزراء التيار الوطني الحر محددا للتموضعات، والتحالفات والخصومات.
ولعل أبرز مثال على ذلك أن موقف الرئيس سعد الحريري من القانون التأهيلي فجر العلاقة بينه وبين النائب وليد جنبلاط، كما ألقى بظلال سميكة من الشكوك حول علاقته مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري.
ويعتبر القيادي في الحزب التقدمي الاشتراكي خضر الغضبان أن “باسيل ومع أنه يعلم أن موضوعا حساسا ودقيقا مثل قانون الانتخابات النيابية لا يمكن أن يمر إلا بالتوافق التام، فإنه لا يزال يصر على طرح مشاريع قوانين ذات طابع طائفي بحت تخالف ميثاق العيش المشترك واتفاق الطائف”.
وينبه إلى أن المشكلة التي يتسبب فيها طرح الوزير باسيل لقانون طائفي “لا ترتبط بإمكانية تقليص الكتلة النيابية للمكون الدرزي أو غيره من المكونات بل تكمن في أنها تحول البلد إلى كانتونات طائفية ومذهبية”.
ويلفت المشككون في ممارسة باسيل السياسية إلى جملة من الأمور يعتبرون أنها تحكم بالفشل على كل مشاريعه.
أبرز هذه الأمور هو ما تبينه الوقائع المتراكمة من هشاشة التحالف الثنائي بين التيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية، حيث برز أن الهدف من وراء هذا التحالف هو السيطرة على القرار المسيحي وإقصاء المكونات المسيحية الأخرى.
ويصطدم نزوع الثنائية المسيحية إلى الاستئثار بالقرار المسيحي بنزعة رئيس التيار الحر إلى التفرد بالقرار داخل هذا الحلف، وعدم مراعاته لمصالح حليفه القواتي في أكثر من مفصل سياسي ونقابي.
وأدى هذا الواقع إلى سعي القوات اللبنانية إلى الانفتاح على التيارات المسيحية الأخرى، وإلى إعلان الحق في التمايز عن التيار في المواقف من ملفات مهمة.
ولا يبدو الحلف مع حزب الله متينا ومتماسكا وقابلا للاستمرار دون كلفة باهظة يدفعها التيار الوطني الحر، وخصوصا بعد الكشف عن نية الولايات المتحدة فرض عقوبات على شخصيات منه.
ويهدد هذا التطور بوضع التيار في مواجهة القرارات الأميركية وبإدراجه في عداد داعمي الإرهاب بسبب الحلف مع حزب الله.
ولا تكشف علاقة باسيل والتيار الوطني الحر بسعد الحريري عن متانة يمكن أن ترقى إلى مستوى تحالف جدي وعميق، بل يمكن وصفها بأنها تكرار للسياق نفسه الذي اعتمده الحريري مع حزب الله، أي ربط النزاع بالشؤون الكبرى والاتفاق على تسهيل العمل على الشؤون الاقتصادية والحياتية الملحة.
ويرى محللون أن المناخ التصعيدي السائد في المنطقة لا يسمح لباسيل بلعب دور رافع حقوق المسيحيين، وحليف الحريري ونصر الله في آن واحد. ويؤكد هؤلاء أن امتناع السعودية عن دعوة الرئيس ميشال عون إلى القمة التي ستعقد مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب عائد إلى استمرار الوزير باسيل في إطلاق المواقف المؤيدة لحزب الله.
ويشير هذا المناخ إلى أن التصعيد الكبير الذي تشهده المنطقة مع ارتفاع وتيرة الصراع السعودي الإيراني لا يقبل ازدوجية المواقف.
العرب اللندنية