تبدو فكرة تأسيس جيش للمعارضة السورية متأخرة سنوات عن موعدها، لكنها في الحقيقة أجد الفرصة مناسبة لطرحها اليوم أكثر من أي وقت مضى. كانت هناك مواقف متباينة حول وجود جيش معارضة بين كل الأطراف المعنية، بما فيها مجموعة الدول المؤيدة للثورة السورية، فيما يسمى سراً «الغرفة العسكرية» في الأردن.
الآن، الوضع يتطلب بناء جيش سوري جديد لأسباب كثيرة، أولها حتى يمثل السوريين، لا طائفة أو ديناً واحداً، أو الجماعات المتطرفة، ولا يكون تابعاً لدول المنطقة أو المرتزقة. تحتاج سوريا إلى جيش يمثل كل السوريين، يعيد تأسيس الدولة، ويفرض النظام، ويعمل تحت صك الشرعية الدولية.
إن أكبر تحدٍّ يهدد السوريين اليوم هو ظهور جيش إيراني على ترابهم، تحت قيادة الحرس الثوري، مكون من خليط ميليشيات من العراق ولبنان وأفغانستان وباكستان، وبالطبع من فيلق القدس الإيراني. فهو تهديد مباشر لمشروع الدولة السورية، ويمكن أن يبقى الإيرانيون هناك سنوات طويلة. وقد بعث عضوان من الكونغرس رسالة إلى وزيري الدفاع والخارجية الأميركيين يحذران فيها من أن إيران تنوي بناء قواعد عسكرية على البحر الأبيض المتوسط، مستخدمة وجودها في سوريا.
بالفعل لم يعد هناك جيش سوري حر معارض، كما كنا نعرفه. فقد تفكك، وصار جماعات صغيرة بسبب استهدافه من قبل الإيرانيين والروس وتنظيمات «داعش» و«جبهة النصرة» وغيرها.
لكن لماذا نتحدث عن بناء جيش سوري جديد؟ الدافع لذلك هو الحل السياسي المطروح، وكذلك رسم المناطق المحمية للاجئين، ورغبة بعض الدول في تكوين قوة تحارب الجماعات الإرهابية المتغلغلة في مناطق المعارضة. إضافة إلى هذا كله علينا ألا ننسى أن بناء قوة عسكرية من متطلبات الاعتراف بدور المعارضة في مشروع الحكم الجديد، فهي لا يمكن أن تعيش في ظل جيش الأسد.
جيش سوري جديد ينهي الفوضى الناجمة عن انتشار عشرات الميليشيات، ويوحد المعارضات المسلحة تحت علم وقيادة واحدة، بعد فرزها لتكون «مناسبة» آيديولوجياً، وطنية سورية لا دينية. وهناك آلاف من المنشقين العسكريين من الجيش العربي السوري خلعوا بذلاتهم العسكرية رفضاً لقتل مواطنيهم، يمكن أن يكونوا نواة الجيش السوري الجديد.
يحتاج إليه الجميع، وليس السوريون وحدهم. جيش يقوم بمحاربة التنظيمات الإرهابية التي تهدد سوريا والمنطقة والعالم. ويواجه الجيش الإيراني بميليشياته، إن رفض الخروج من سوريا، ويطهر أرض سوريا من الحركات الإقليمية المعادية للجوار، مثل الكردية التركية و«داعش» العراقية. وفي ظرف اتفاق سياسي قد يكون الجيش السوري الجديد مكملاً للجيش العربي السوري التابع للنظام، الذي أصبح مهلهلاً ومجرد بقايا.
لا قيمة لحل سياسي لا يسبقه مشروع كيانات أولها الجيش والأمن. فالمعارضة لا تثق بقوات النظام، وتريد وجود قوة عسكرية تمثلها داخل المنظومة المعتمدة في الحل السياسي، تقوم بحماية المناطق التابعة للمعارضة. وكذلك النظام السوري سيتمسك بميليشيات إيران إلا في حال ظهور جيش وطني يقوم بالمهمة، عندما تصر الدول الأخرى على إخلاء سوريا من كل المقاتلين الأجانب.
قد يطول الوقت قبل الاتفاق على حل سياسي نظراً لتباعد المواقف، وهذا لا يمنع من بناء جيش سوري خلال فترة التفاوض يحارب الإرهاب ويسقط حجة نظام بشار الأسد في حاجته إلى الإبقاء على ميليشيات إيران.
عبدالرحمن الراشد
صحيفة الشرق الأوسط