أعلن الإعلام الحربي التابع لحزب الله، فجر يوم 21 يوليو/ تموز الجاري، بدء معركة جرود بلدة عرسال اللبنانية والقلمون السورية، لإخراج الفصائل السوريةالمسلحة من تلك الجرود التي تقع بين طرفي الحدود اللبنانية السورية، وقد بدأ الهجوم على مواقع الفصائل المسلحة، انطلاقاً من الأراضي السورية، ومن محور من الأراضي اللبنانية في سلسلة الجبال الشرقية، بالتمهيد بالقصف المدفعي والصاروخي، والغارات التي تولاها طيران الجيش السوري.
وسبقت الهجوم على مواقع الفصائل السورية المسلحة في جرود عرسال حملة إعلامية تولّتها وسائل إعلام عديدة، لبنانية وغير لبنانية، وركّزت على اتهام تلك الفصائل بـ “الإرهاب”. وتولت شيطنة مخيمات اللاجئين السوريين قرب الجرود في محيط بلدة عرسال، وسبقت ذلك حملة تحريض على اللاجئين، بغرض إيجاد شرخ بينهم وبين المؤسسة العسكرية اللبنانية (الجيش).
وقد اتخذ الجيش اللبناني في هذه المعركة موقفاً محايداً، ورفض الانخراط في المعركة، على الرغم من أن بعض المناطق التي توجد فيها بعض فصائل المعارضة المسلحة تقع ضمن الأراضي اللبنانية، وأكد أن مهمته، في هذه المرحلة، ستكون محصورة بحماية بلدة عرسال من دخول أي مسلح إليها، وكذلك حماية مخيمات اللاجئين السوريين في محيط البلدة من أن تتحوّل إلى منطقةٍ يتحصّن بها مسلحو المعارضة.
ثمّة من يسأل في لبنان: لماذا هذه المعركة في هذا التوقيت، مع المخاطر التي تحملها فيما لو انزلقت الأمور إلى مواجهةٍ بين أهالي بلدة عرسال، سواء مع مسلحي حزب الله، مع ما يعنيه ذلك من إمكانية امتداد مثل هذه المواجهة إلى معركةٍ تشعل لبنان من أقصاه إلى أقصاه، ما يصبّ في مصلحة المسلحين في الجرود، وليس في مصلحة لبنان!.. أو حتى مواجهة مع الجيش اللبناني، وهذا أيضاً قد يعرّض لبنان إلى انقسامٍ قد يكون ثمنه الاستقرار وذهاب النظام السياسي.
والحقيقة أن الجواب يكمن في متابعة ما يجري في الداخل السوري، وعلى مستوى المفاوضات الإقليمية والدولية المتصلة بالملف السوري.
وكان قد تمّ الاتفاق في أستانة بين الروس والأتراك والإيرانيين على خفض التصعيد والتوتر في عدد من المناطق السورية، وجرى الحديث في الدوائر المغلقة عن مناطق نفوذ لهذه الدول في المناطق التي تشهد معارك ومواجهات. ولاحقاً، جرى الحديث عن اتفاق أميركي روسي على منطقة آمنة في الجنوب السوري بالتنسيق مع الأردن.
وإذا صحّت هذه الروايات والاتفاقات، برضا كل الأطراف أو بعدمه، فإن المنطقة التي تعني إيران بالدرجة الأولى، والتي تؤمّن مصالحها، لا سيما خط الإمداد الذي عملت وتعمل عليه من طهران إلى بيروت، هي المنطقة الواقعة في محيط دمشق، صعوداً بمحاذاة الحدود اللبنانية السورية، وصولاً إلى حمص وريفها الغربي، وصولاً بعد ذلك إلى منطقة الساحل السوري، وقد تمّ التعبير عن هذه المنطقة الحيوية بالنسبة لإيران سابقاً بـ “سورية المفيدة”.
وبمتابعة التطورات والأحداث السورية في الأسابيع الأخيرة، والتفاهمات التي تجري بعيداً عن الإعلام بين الدول المعنية، يتضح أن إيران عازمةٌ على جعل هذه المنطقة التي تعنيها، أو التي يمكن أن تكون منطقة نفوذها، خاليةً من أي وجود مسلح لفصائل المعارضة السورية، حتى لا يظلّ هذا الوجود بمثابة شوكةٍ في خاصرة منطقة النفوذ هذه، وبالتالي، استخدامها لاحقاً في تغيير المعادلات على الأرض.
حاول حزب الله، ومن خلفه إيران، حلّ إشكالية وجود فصائل سورية مسلحة في منطقة الحدود اللبنانية السورية (جرود عرسال)، من خلال المفاوضات، وعبر الحلول التي اعتمدت في أكثر من مدينة سورية، عبر ترحيل المقاتلين إلى إدلب، أو إلى أي مكان آخر، ولكن هذه المفاوضات فشلت، ولم تصل إلى نتيجة. ولذلك، جاء توقيت ساعة المعركة، لأن الأمر لم يعد يحتمل مزيداً من الانتظار، خصوصا أن خريطة مواقع النفوذ تُرسم على الأرض، يوماً بعد يوم، من خلال المعارك.
كان الجميع يدرك أن جلّ ما تريده الفصائل المسلحة في جرود عرسال هو البقاء والانتظار، ولم يكن بيدها أي إمكانية للمبادرة بأي فعلٍ، لا باتجاه المناطق اللبنانية، ولا باتجاه المناطق السورية، ولكن المعركة اليوم تأتي من زاوية تأمين منطقة نفوذٍ على غرار كل مناطق النفوذ الأخرى في المناطق السورية التي تشهد مواجهاتٍ، إلا أن قدر عرسال الذي جعلها على حدود “سورية المفيدة” قد يجعل الأمور تخرج عن نطاق السيطرة، لتتحوّل إلى كرة نار تلهب كل الداخل اللبناني.
وائل نجم
صحيفة العربي الجديد