في الرابع والعشرين من – تشرين الثاني/ نوفمبر في العام 2013 توصلت ايران مع مجموعة الخمسة زائد واحد، وعلى رأسها الولايات المتحدة الى اتفاق انتقالي مؤقت كان عنوانه (خطة عمل مشتركة)، قضى بتجميد جزء من البرنامج النووي مقابل خفض جزئي للعقوبات المفروضة عليها.
وكان ذلك الاتفاق التاريخي الاول من نوعه بين طهران وواشنطن منذ اربعة وثلاثين عاما، واليوم تتحدث التقارير الاخبارية عن ان الطرفين قد يتوصلان خلال ايام قليلة الى اتفاق تاريخي جديد بعد اثنتي عشرة سنة من التوترات الدولية، وثمانية عشر شهرا من المحادثات المكثفة بشأن البرنامج النووي.
وكانت ايران والدول الكبرى في المجموعة (الولايات المتحدة والصين وروسيا وبريطانيا وفرنسا والمانيا) حددت مهلة تنتهي في 31 آذار/مارس للتوصل الى اتفاق يضمن عدم امتلاك ايران القنبلة الذرية مطلقا مقابل رفع العقوبات.
وتتناقض التوقعات بشأن امكانية التوصل لاتفاق، بالنظر الى تصاعد الضغوط في واشنطن بشكل خاص على ادارة اوباما بعد رسالة التحذير التي وجهها 47 من اعضاء الكونغرس الى القيادة الايرانية من انهم قادرون على الغاء اي اتفاق بجرة قلم.
بل ان تصريحات وزير الخارجية الامريكية جون كيري نفسه اتسمت بالارتباك، فهو قال في شرم الشيخ انه «يأمل في التوصل لاتفاق خلال ايام»، لكنه في جنيف اعتبر ان «الوقت ربما يضيق للتوصل الى اتفاق جيد».
المؤكد ان ادارة اوباما اصبحت اكثر اصرارا على التوصل للاتفاق بعد تلك الرسالة التي تصلح نموذجا مثاليا لما يمكن ان تصل اليه الصراعات السياسية من شراسة وانحطاط. وليس من المصادفة صدور تصريح كيري بشأن استعداد واشنطن للتفاوض مع نظام بشار الاسد، قبل يومين فقط من استئناف مفاوضات جنيف، وتزامنا مع تكهنات بشأن حزمة محتملة من «التفاهمات الاقليمية» والتي ربماتلوح بها الادارة للحصول على ذلك «الاتفاق الجيد».
الواقع ان ايران كانت المستفيد الاكبر واحيانا الوحيد من كافة اخطاء واشنطن الكارثية في المنطقة خلال العقود الثلاثة الماضية، وهذا يكفي لتفهم سبب هذه الرغبة الامريكية المحمومة في التقارب مع طهران. وبسبب هذه الاخطاء،»وصلت ايران الى البحر المتوسط ومضيق باب المندب، وانقذت دمشق وبغداد واربيل من السقوط»، حسب تصريح امين مجلس الامن القومي علي شمخاني الاسبوع الماضي. وربما كانت الجملة الناقصة في ذلك التصريح: وهل مازلنا نحتاج بعد كل هذا الى صنع قنبلة نووية؟
أما الاجابة فان مجرد الحديث عن اتفاق وشيك يمثل تأكيدا اضافيا على ان ايران لا تحتاج حقا الى صنع القنبلة، بعد ان اقر العالم بشرعية برنامجها النووي، والاهم بامتلاكها القدرة على رفع نسبة التخصيب بسهولة الى التسعين بالمائة المطلوبة لامتلاك السلاح النووي.
وبكلمات اخرى فان طهران امتلكت بالفعل «قوة الردع» وهي القيمة الحقيقية او الوحيدة التي تؤمنها القنبلة النووية لمن يملكها، وهو ما يفسر عدم اقدام المجرم نتنياهو على تنفيذ تهديداته الفارغة بتدمير البرنامج الايراني حتى اليوم، واكتفائه بوصلات الردح التي يلقيها ضدها تارة في الامم المتحدة وتارة في الكونغرس، حتى «فقد الاحترام امام العالم» كما اتهمه خصمه يتسحاق هيرتزوغ قبل يومين.
ويتسق هذا مع حقيقة ان الجانب الايراني يبدو الاكثر تماسكا، رغم احتياج طهران الشديد الى رفع كامل للعقوبات في اقرب فرصة خاصة بعد انهيار اسعار النفط. وقد ظهر هذا جليا في رد فعلها القوي على رسالة اعضاء الكونغرس.
ومهما حدث خلال الأيام المقبلة لن يغير هذه الحقيقة: ان التوصل الى اتفاق اصبح في حكم المؤكد، ونتيجة حتمية للمعطيات الاستراتيجية على الارض، بشرط توافر «الصيغة العبقرية» التي تضمن للطرفين ان يدعيا الحصول على اتفاق جيد.
ومن الناحية الدبلوماسية، سيكون هذا الاتفاق نموذجا جديرا بدراسة اكاديمية معمقة، واجابة شافية عن السؤال: لماذا يوجد علم اسمه الدبلوماسية؟
اما من الناحية السياسية، فسيكون درسا قاسيا، وخاصة للجيران العرب، في كيف تحولت ايران من بلد لا يكاد يملك القوة الكافية للدفاع عن نفسه قبل ثلاثين عاما الى «دولة نووية» معترف بها، حتى دون ان تملك قنبلة نووية.
فهل سيتعلمون؟
القدس العربي