يزداد احتمال نشوب حرب وشيكة بين إسرائيل و«حزب الله» نتيجة الخطابات المحمومة التي يطلقها المسؤولون الإسرائيليون وقياديو «حزب الله» حول الضرر الذي ستنتجه الحرب المقبلة (بالنسبة للجانب الآخر، بطبيعة الحال). وتهدد إسرائيل اليوم بضرب البنى التحتية والمؤسسات والجيش في لبنان اقتناعاً منها بأن «حزب الله» له سيطرة قوية على مؤسسات الدولة اللبنانية، بينما يتعهد «الحزب» بضرب المنشآت النووية والمدن الإسرائيلية.
ولا شك في أن تكديس «حزب الله» للأسلحة الدقيقة يشكّل تهديداً خطيراً على إسرائيل. ويقيناً، إذا لم يتم احتواء إيران في سورياوالتعامل مع تهديد «حزب الله» لإسرائيل من لبنان وهضبة الجولان، فإن الحرب المقبلة بين إسرائيل و«حزب الله» قد تكون حتمية (وإن لن تكن بالضرورة وشيكة في الوقت الحاضر). ومع ذلك، فعلى الرغم من تصاعد الخطابات الحربية، يدرك كلا الطرفين أن هناك الكثير على المحك، وهذا هو السبب في وجود دلائل على تجنب كلا الجانبين شن أي حرب.
وبالنسبة لـ «حزب الله»، فقد تغيّرت أولوياته في المنطقة. وعلى الرغم من أن الأزمة السورية لم تُحل بعد، يواصل «حزب الله» – وإيران – تحقيق مكاسب في العراق وسوريا ولبنان. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، لماذا يخاطر «حزب الله» وإيران بهذه الإنجازات في مواجهة أخرى مع إسرائيل، خاصة في ظل غياب الضمانات لـ “نصر إلهي” آخر؟ بالإضافة إلى ذلك، سيحتاج «حزب الله» بالتأكيد إلى الوقت لإعادة نشر عناصره وتنظيم قواته في حال نشوب حرب مع إسرائيل، نظراً لانتشاره الواسع في المنطقة وفقدانه عدد كبير من كبار قادته فضلاً عن مقاتلين مدرّبين.
وهذا هو بالتحديد السبب وراء عدم ردّ «حزب الله» على الاستفزازات الإسرائيلية بطريقته المعتادة. ففي الواقع، استهدفت إسرائيل أحد قوافل الأسلحة لـ”حزب الله” في سوريا عدة مرات من أجل منع «الحزب» من الحصول على أسلحةٍ قد “تغيّر قواعد اللعبة”. ومع ذلك، لم يردّ «حزب الله» إلا عندما ادّعى أن هجوماً إسرائيلياً أصاب قاعدة عسكرية لـ «الحزب» في لبنان. ولهذه الغاية، تم حتى الآن تجاهل جميع الهجمات الإسرائيلية ضد «حزب الله» في سوريا.
ومن جهة أخرى، لم تكن المسائل سهلة بهذه الدرجة بالنسبة لإسرائيل أيضاً. ففي حين قد تكون إسرائيل أكثر استعداداً من «حزب الله» لهذه الحرب، تدرك الدولة اليهودية أن حرباً أخرى ستكون مكلفة جداً.
بالإضافة إلى ذلك، يُقدر أن ترسانة «حزب الله» قد ارتفعت من ٣٣ ألف صاروخ وقذيفة قبل عام ٢٠٠٦ إلى ١٥٠ ألفاً تقريباً في الوقت الحاضر. وهذه الأسلحة أكثر تقدماً اليوم، وقد تسبب أضراراً جسيمة لإسرائيل.
ولعل الأهم من ذلك أنه نظراً لأن «حزب الله» يسيطر الآن على مساحات أكبر في سوريا، قد تجد إسرائيل نفسها تقاتل جبهتين أو أكثر في الحرب المقبلة وفي مواجهة مع كافة الميليشيات الشيعية في سوريا، وليس فقط مع «حزب الله». يُذكر أن «الحزب» يقود حالياً عشرات الآلاف من المقاتلين الشيعة من لبنان وسوريا والعراق وأفغانستان وباكستان واليمن تحت قيادة «فيلق القدس» الإيراني. وفي مطلع هذا الصيف، حذّر الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله من أن أي حرب إسرائيلية جديدة ضد لبنان أو سوريا ستجذب آلاف المقاتلين من هذه الميليشيات التي تقاتل الآن دعماً للنظام السوري.
وبعبارة أخرى، قد تكون الحرب المقبلة حرباً فعلية بين إسرائيل وإيران. ويعني ذلك أساساً أنه بينما قد تكون الحرب أمراً حتمياً، فقد أصبح السياق أكثر تعقيداً من أي وقت مضى. وبالفعل، نظراً لأن «حزب الله» يشكّل قوةً إقليمية والميليشيا الشيعية الأبرز لإيران، فقد يكون الصراع مع «حزب الله» صراعاً مع جميع الميليشيات الشيعية في المنطقة، وبالتالي صراع مع «فيلق القدس» التابع لـ «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني. وحيث أن الوضع متأزّمٌ للغاية، يستعرض كلا الجانبين قواتهما في محاولة للتسبب بأكبر قدر ممكن من الأضرار السطحية، لكن من دون إشعال نيران مواجهة فعلية.
ومع ذلك، في حال اندلاع الحرب، قد يسهل على «حزب الله» إعلان النصر هذه المرة. فجُلّ ما يحتاجه هو إلحاق أضرار جسيمة بإسرائيل والصمود فقط. وطالما أن إيران – وسوريا والعراق تحت سيطرتها – تدعم «حزب الله»، سيتمكن «الحزب» دوماً من إعادة بناء ترسانته كما فعل بعد حربه ضد إسرائيل عام ٢٠٠٦. يُذكر أنه في ذلك الوقت، أعلن نصرالله في خطاب له: “ما دام هناك صاروخ يُطلق من لبنان يستهدف الصهاينة، وما دام هناك مقاتل واحد يطلق النار من بندقيته، وما دام هناك شخص يزرع قنبلة ضد الإسرائيليين، فإن المقاومة لا تزال قائمة.“
ولن تشكّل الأضرار التي تلحق بلبنان والمدنيين أي عائق بالنسبة لـ «حزب الله»، بل على العكس من ذلك. فقد يستفيد «الحزب» من الحرب مع إسرائيل التي ستؤدي حتماً إلى مقتل المدنيين وتدمير مؤسسات الدولة وبنيتها التحتية، وذلك ليحظى «الحزب» بتأييد شعبي واسع “للمقاومة” التي تراجعت نسبة مؤيديها منذ مشاركة «حزب الله» في الحرب في سوريا.
وبالفعل، فإن اللبنانيين، ومنهم الكثير ممن ينتمي إلى الطائفة الشيعية، يواصلون انتقادهم المتزايد لـ «حزب الله». فقد أثّرت الحرب الطويلة في سوريا على المجتمع الشيعي على وجه الخصوص، إذ فقد عدداً لا يستهان به من شبابه – من دون أن يحقق في المقابل أي “نصر إلهي” هذه المرة. وبالإضافة إلى ذلك، أدّت التغيّرات في ميزانية «حزب الله» إلى تخفيضات بالغة في الخدمات الاجتماعية، وهي تضحية جعلت الكثير من الأسر الفقيرة تكافح من أجل لقمة العيش.
وعلى الرغم من أن الكثير من الشيعة ينظرون إلى «حزب الله» على أنه منارة المقاومة والتحرير، إلا أن الأزمة السورية غيّرت هذه النظرة منذ فترة طويلة، وأصبح «الحزب» يُعتبر اليوم من ضمن الميليشيات الطائفية التي تقاتل من أجل أجندة إيران الإقليمية. وفي حين لا يمانع البعض السلطة الطائفية التي تجلبها هذه المهمة الجديدة إلى المجتمع، إلّا أن البعض الآخر يمانع ذلك بشدّة. وبالفعل، يشعر هؤلاء الأفراد بالانعزال أكثر من أي وقت مضى، ويدركون أن هذه السلطة ستكلّفهم سبل عيشهم ومستقبلهم.
وتكمن العلامات الدالة على هذا السخط في نتائج الانتخابات البلدية الأخيرة التي أجريت في الصيف الماضي. فعلى سبيل المثال، لم يحصل «حزب الله» وحركة «أمل» مجتمعين سوى على ٥٥ في المائة فقط من الأصوات في بعلبك – أكبر مدينة شيعية في وادي البقاع. وينبع معظم هذا السخط في صفوف الشيعة – والطوائف اللبنانية الأخرى – من واقع أن الناس بدأوا يدركون أن العدو قد يكون من الداخل.
ومن ناحية أخرى، قد تؤدي الحرب أيضاً إلى استعادة «حزب الله» مكانة المقاومة، إلى جانب تشتيت انتباه الناس عن المشاكل الداخلية، وهو سيناريو لا شك في أنه سيصُبّ في مصلحة «الحزب». وبالفعل، إذا وقعت الحرب القادمة على الأراضي اللبنانية، سينتهز «حزب الله» الفرصة لاستعادة الدعم الشعبي، وخاصة من الطائفة الشيعية. وعلى العكس من ذلك، إذا وقعت الحرب في سوريا، حيث يكون “حزب الله” أكثر تعرضاً، فلن يستفيد «الحزب» بالقدر نفسه، بل سيُنظر إليه على أنه جزء من الحرب الإقليمية.
وعلى أي حال، يعتمد الكثير على أهداف كلا الجانبين في إثارة الحرب. فإذا كان «حزب الله» يعتزم بدء الصراع، فمن المرجح أن يقوم بذلك في وقت لاحق جداً، وبهدف استعادة شعبيته فقط. أمّا إذا قامت إسرائيل بشن الحرب، فسيرتكز ذلك على الهدف والسياق أيضاً. فإذا كان هدف الحرب هو القضاء على «حزب الله»، سيكون على إسرائيل مواجهة إيران، وستكون هذه هي الطريقة الوحيدة لضمان عدم قيام «الحزب» بإعادة بناء ترسانته. ولكن مع غياب رغبة الولايات المتحدة في قيادة حرب ضد إيران، قد تحاول إسرائيل احتواء «حزب الله» في الوقت الحالي من خلال توسيع ضرباتها في سوريا لمنع «الحزب» من السيطرة على المزيد من الأراضي أو تخزين المزيد من الصواريخ. ومهما كان السيناريو، فإن الأمر المؤكّد الوحيد هو أنه سيتعين على كل من الدولة اليهودية و«حزب الله» بقيادة نصر الله أخذ عوامل كثيرة في عين الاعتبار قبل الإقدام على خطوة مماثلة.
حنين غدار
معهد واشنطن