أفرز استفتاء إقليم كردستان معادلة الجديدة في غاية الإثارة وهو التنسيق والتحالف التركي الايراني العراقي على مستوى الدبلوماسي”رئاسة الدول الثلاث” و على المستوى الأمني-العسكري ” من خلال زياراتهم العسكرية رفيعة المستوى المتبادلة.في إيران كان قاسم سليماني وأجهزة الحرس الثوري الإيراني يديران العمليات العسكرية الخارجية، الذي كان يرصد عبر وسائل الإعلام كافة، لكن هذا الأمر طرأ عليه تغيير كبير بعد إعلان مسعود بارزاني رئيس إقليم كردستان العراق عن اجراء استفتاء 25 أيلول/سبتمبر الماضي، شاهدنا رؤساء أركان الجيش التركي والإيراني والعراقي عقدوا اجتماعات عسكرية لبحث أمر استفتاء كردستان، فعقب استضافة أنقرة رئيس هيئة الأركان الإيراني محمد باقري في 15 آب/ أغسطس الماضي، استقبل خلوصي آكار رئيس هيئة الأركان المشتركة في الجيش التركي في 23 أيلول/سبتمبر الماضي رئيس الأركان العراقي عثمان الغانمي.
ولم يقتصر الأمر عند هذا المستوى فحسب، بل شهدت مناورات عسكرية تركية وإيرانية على حدود إقليم كردستان ، ففي 18 أيلول/سبتمبر الماضي قال الجيش التركي، إن القوات المسلحة بدأت مناورات عسكرية على الحدود مع العراق قبل أسبوع من استفتاء على استقلال إقليم كردستان. وقال رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدرم في حينها، إن الاستفتاء المقرر يوم 25 أيلول/سبتمبر مسألة أمن قومي وحذر من أن تركيا ستتخذ الخطوات الضرورية تجاهه. وفي 24 أيلول/سبتمبر الماضي، أجرى الحرس الثوري الإيراني مناورات برية قرب الحدود مع إقليم كردستان العراق وتركيا. وشارك في المناورات وحدات المشاة والمدفعية ووحدات الصواريخ وقوات التدخل السريع. ويعد مقر حمزة المسؤول عمليا على تأمين الحدود الشمالية الغربية، وكذلك عن العمليات العسكرية ضد المسلحين الأكراد، وسبق للمقر أن دخل في مواجهات مسلحة مع الجماعات الكردية. وفي هذا السياق وصف المتحدث باسم الخارجية بهرام قاسمي الاستفتاء بأنه خطأ إستراتيجي يهدد أمن واستقرار العراق، ويجر المنطقة للفوضى والتقسيم.وقال قاسمي إن الإصرار على إجراء الاستفتاء يتعارض مع العملية السياسية بالعراق، ويضرب كل الجهود المبذولة للحرب على الإرهاب في المنطقة. وأضاف أن الاستفتاء يهدد العملية السياسية برمتها في بلد لديه ديمقراطية وليدة. وحذر المسؤول الإيراني من أن انفصال كردستان العراق سيكون أشبه بكارثة تتعرض لها المنطقة، وقال إن ذلك يدفع باتجاه تقسيم وتجزئة دول بالشرق الأوسط، مما يضع مصير أكراد العراق وبقية شعوب المنطقة في قلب أزمة ستضر بالجميع، وفق تعبيره.
وفي إطار تصعيد المواقف السياسية ضد إقليم كردستان العراق زار بالأمس الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والتقى بنظيره الإيراني حسن روحاني والتقى خلالها أيضا بالمرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي. وقال أردوغان، خلال مؤتمر صحافي جمعه مع الرئيس الإيراني حسن روحاني، “أعتقد أن إدارة إقليم شمال العراق سيكون مصيرها العزلة، وتصميم تركيا وإيران على موقفهما الموحد في هذا الشأن واضح”.وأضاف “من الآن فصاعدا سنتحاور مع الحكومة المركزية العراقية، وهذا الاستفتاء نعتبره غير شرعي على الإطلاق”.وأكد روحاني بدوره أن البلدين سيعملان لمواجهة تفكك العراق وسوريا لتهدئة التوتر في المنطقة.وقال “نريد الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط. استفتاء استقلال كردستان العراق مؤامرة انفصالية تقف وراءها دول أجنبية وتعارضها أنقرة وطهران”. يتضح من هذه المناورات العسكرية واللقاءات العسكرية والدبلوماسية أن إيران توظف كل قدراتها كدولة للوقوف في ضد نتائج الاستفتاء. وكذلك الحال ينسحب على العراق وتركيا.
لم يكن توقيت استفتاء محل ترحيب من قبل الدول العظمى والكبري في جماعة الدولية، لذلك طالبوا القيادة الكردية في تأجيل موعده وليس إلغائه لحين نضوج الظروف الموضوعية لإجرائه لكن القيادة الكردية أصرت على إجرائه في موعده المقرر الأمر الذي أفرز عدة نتائج سريعة: أولًا: أظهر الاستفتاء إقليم كردستان بمظهر الضعف، وذلك من خلال الإجراءات التي اتخذتها الدول المجاورة له، فالشريان الاقتصادي لإقليم كردستان يمر عبر إيران وتركيا والعراق وهذه الدول مجتمعة رافضة له، فلا يوجد للإقليم أي تواصل مع العالم الخارجي إلا من خلالهم. ثانيا: أحرج الاستفتاء الدول العظمى والكبرى الحليفة لإقليم كردستان العراق، التي بلغت القيادة الكردية ليس هذا الوقت المناسب لإجراء الاستفتاء فالأولوية الآن تكمن في التخلص نهائيًا من تنظيم داعش الإرهابي. ثالثًا: قرّب هذا الاستفتاء لدرجة أن وحّد المواقف التركية والإيرانية والعراقية الرافضة للاستفتاء، فهذه الدول “تركيا من جانب، وإيران والعراق من جانب آخر” كما يعلم الجميع تتسم علاقاتهما -قبل اجراء الاستفتاء- بالتوتر نتيجة تناقض مواقفها السياسية حول عدد من القضايا الإقليمية، هذه الدول الثلاث تجاوزت خلافاتها وركزت على مسألة إفشال المسعى الكردي العراقي في الانفصال، واللافت هنا ليس بوسع أي دولة صغر أو كبر شأنها في الجماعة الدولية أن توجه أي انتقاد لهذه الواقعية السياسية التي تهدف في الحفاظ على الأمن القومي لتلك الدول والحفاظ على سلامة التراب الوطني من خلال رفضهم الاستفتاء الكردي. فالاستفتاء حوّل هذه الدول وخاصة تركيا وإيران إلى دولتين عدوتين لإقليم كردستان العراق بعد أن كانت تجمعهما علاقات سياسية واقتصادية جيدة معه.
رابعًا: أصدرت أحزاب كردية رفضها لإجراء عملية الاستفتاء منها حركة التغيير “كوران” التي أصدرت بيانا في 3 تشرين الأول/أكتوبر الحالي أعلنت فيه أن الأوضاع الداخلية والخارجية ليست مناسبة لإجراء الاستفتاء. وطالبت بالاستجابة لمبادرات الجماعة الدولية والأمم المتحدة لتسهيل الحوار والتوسط بين كردستان وبغداد. ومن جانبها شنت عضو المكتب السياسي في حزب الاتحاد الوطني الكردستاني هيرو إبراهيم أحمد هجوما على رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البارزاني، رافضة تشكيل مجلس سياسي في كردستان للتعامل مع نتائج الاستفتاء.وقالت هيرو إبراهيم أحمد، وهي زوجة الرئيس العراقي الراحل جلال الطالباني، إن مواطني الإقليم يدفعون ضريبة تحدي القيادة الكردية بإجراء الاستفتاء. وأضافت في بيان أن دولا كبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وروسيا والصين ودول الجوار طالبت بعدم إجراء الاستفتاء في الوقت الحالي وقدمت حلولا للمشكلة، لكن القيادة الكردستانية تحدت العالم. ووصفت القيادية الكردية تشكيل مجلس للقيادة السياسية في كردستان العراق بأنه خطأ كبير، وأنها ليست مع تلك القيادة بأي شكل. خلاصة القول ساهم هذا الاستفتاء في تجميع الفرقاء ضد تطلعات إقليم كردستان.
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية