عندما استيقظت صباح الاثنين على أخبار إطلاق النار في “لاس فيغاس”، كان عدد القتلى قد توقف عند اثنين مع جرح 20 آخرين. ومع وصولي إلى مكاتب “وورلدكرنتش”، ارتفع عدد الإصابات إلى عدة عشرات من القتلى –واستمر العدد في الارتفاع طيلة اليوم.
منذ انتقالي إلى باريس في العام الماضي، أصبحت “محباً عملياً للاستطلاع” حيثما تكون هناك أخبار تتكشف وراء في الوطن في الولايات المتحدة، ومتابعاً للتغذيات المباشرة على مواقع الأخبار الرئيسية، ومفتشاً في المدونات وغرف الدردشة، للحصول على ما يمكن تحصيله من المعلومات. وفي حالات مثل أحداث “لاس فيغاس” تحين لحظة التحول للاستماع إلى الرئيس وهو يخاطب الأمة.
بحلول مساء الاثنين (بتوقيت باريس المحلي)، علمنا أن عدد القتلى في “لاس فيغاس” تجاوز عدد ضحايا حادث إطلاق النار في نادي “بلس” الليلي في أورلاندو. وكان ذلك الحادث، رسمياً، هو الأكثر إماتة جماعية في التاريخ الأميركي الحديث. وفي نفس ذلك الوقت تقريباً، ظهر الرئيس ترامب على شاشة جهاز حاسوبي، متحدثاً إلى الأمة من القاعة الدبلوماسية في البيت الأبيض. وتوقعت منه رداً غير مقنع ويفتقر إلى الحماس. وعلى شبكة التلفزة الأميركية (سي. إن. إن) بدأ الضيف بتذكير المشاهدين بعدم إصدار حكم على الرئيس قبل اعتلائه منصة الخطابة. لكنه كان من الصعب عمل ذلك.
من نافلة القول الإشارة إلى أن دونالد ترامب مر بوقت عصيب وهو يبحر عبر المأساة القومية. ولم يقتصر الأمر على تلعثمه بالكلمات، لكنه خلق شخصية مثيرة للسخط ومتمركزة حول الذات إلى درجة يصبح من الصعب معها تخيله وهو يهتم بأحد آخر عداه (وربما إيفانكا). ومن الطبيعي أنه عمد، كما كان قد فعل في آب (أغسطس) بعد هجوم تشارلوتسفيل، إلى استغلال اللحظة لإشعال التوترات ونثر بذور عدم الوفاق العرقي والمجتمعي. وقد فعلها مرة أخرى مؤخراً عندما لام بورتو ريكو على الكارثة التي حلت بها وأشار إلى سوء طالعها في وجه إعصار “ماريا”، وبدا غير متأثر بعدد القتلى قياساً مع إعصار كاترينا.
وفي أعقاب إطلاق النار في “لاس فيغاس”، لم يتضمن بيان الرئيس عن الحادثة والذي أعد بعناية أي شيء يثير فيّ الاستياء. ومع ذلك، لم أجد ملاحظاته مريحة بشكل خاص أيضاً. وآمل صادقاً أن تكون العائلات الثكلى قد وجدت فيها ما يريح.
إنها مهمة سيئة الطالع لرئيس أن يواسي الأمة في أوقات المحنة. وكأميركي وصل إلى سن الرشد خلال رئاسة أوباما، كنت قد شاهدت الرئيس وهو يقوم بأداء هذا الواجب عدة مرات: بعد حادثة إطلاق النار في فورت هود وأورورا وساندي هوك، وتفجير ماراثون بوسطن وتشارلستون وسان بيرناندينو وبلس (ناهيك عن ذكر العديد من الهجمات عالية المستوى في الخارج).
لقد عزز العدد المحض لهذه الهجمات الاعتقاد بأننا أصبحنا عاجزين عن الرد على أي مجزرة بإحداث تغييرات سياسة استباقية مدروسة بعمق. ولذلك أصبحنا نجد السلوى والراحة عند عائلتنا وأصدقائنا وفي كلمات قادتنا الدينيين والسياسيين.
عندما داهم رجل مسلح نادي “بلس” الليلي في أورلاندو في العام 2016، كنت قد انتهيت من أسبوع نزهة في “شيكاغو برايد” مع اثنين من أصدقائي. وكانت المأساة مثيرة للأعصاب ومثيرة للغضب، خاصة وأنها استهدفت مجتمعاً شاباً ومحيّداً سلفاً. وكما هو الحال دائماً، خاطب الرئيس الأمة. لكنه لم يقدم أفكاره ودعواته وحسب؛ بل إنه كرر القيم الأساسية للمساواة والعزة القومية التي لطالما ميزت الولايات المتحدة. وكان ذلك هو التأكيد الذي كنت أتوق إلى سماعه من الرئيس.
من الطبيعي أن تكون الولايات المتحدة قد تغيرت في الفترة ما بين “بلس” و”لاس فيغاس”. وحتى بعيداً عن السياسات والسياسة، كانت لدى باراك أوباما السهولة والعمق في الطريقة التي استجاب من خلالها لمعظم لحظات اختبار الأمة.
وقد أشرت الدموع التي ذرفها بعد ساندي هوك إلى ضرورة ممارسة سيطرة أكثر صرامة وحزماً على الأسلحة. وقد أعاد رد فعله المباشر على “أميزينغ غريس” في جنازة كليمنتا بينكني المتلفزة، ضحية إطلاق النار في تشارلستون، صلب روح الرعاية الرئاسية -في استجابة عاطفية لم يحاكها أي قائد عام للقوات المسلحة ،لا من قبل ولا من بعد.
أحتفظ في ذهني بصورة واضحة عن عيد ميلادي الثامن، حيث كنت واقفاً على الدرجات الأمامية في منزلي في “باو باو”، ميتشيغان، وأنا أودع والدي ملوحاً. وكان هو وزملاؤه من رجال الإطفاء المحليين متوجهين إلى مدينة نيويورك للمساعدة في جهد الانعاش في “الأرض صفر” بعد هجمات نيويورك. كان ذلك يوم 12 أيلول (سبتمبر)2001. وكانت ذكريات الصور التي بثت في اليام والأسابيع التي تلت ذلك أكثر غموضاً. لكنني شاهدت منذ ذلك الحين أشرطة الفيديو عن أمة موحَّدة في تصميمها على النهوض من المأساة. ومن المؤكد أن جورج دبليو بوش أتقن لعب دوره، وهو ما تجسد في وقوفه الأشهر في نفس المكان الذي كان يقف فيه البرجان التوأمان ذات مرة، محاطاً برجال الإطفاء ومؤكداً للأمة (من دون ملقن هاتفي) بأننا سوف نتغلب على آثار الهجمات.
إنني أرتجف عندما أتخيل دونالد ترامب في مكانه. فقبل طويل وقت من وصوله إلى البيت الأبيض، كان بارون العقارات في نيويورك قد صنف نفسه على أنه من النوع النرجسي وغير المتعاطف. والآن، ها هو يتصرف، كرئيس، على طبيعته المعتادة. واليوم لدينا رئيس عاطفي وإنما ليس متعاطفاً، واثق من نفسه وإنما ليس مطمئناً على الإطلاق، ومتفاعل وإنما غامض بشكل لا يصدق. وكلما وجدت الأمة نفسها تعاني، فإنني لن أتطلع إلبيت الأبيض للمواساة بعد الآن. وهذه خسارة أخرى في هذه الأوقات المتعَبة.
ستيوارت ريتشادرسون
صحيفة الغد