الجزائر – استقبل جزائريون تجمهروا منذ الساعات الأولى، لنهار الأربعاء في وسط العاصمة، الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بعبارات مرحبة وأخرى مناوئة وهو ما يختصر علاقات البلدين، ويختزل تفاصيل أزمة صامتة، يحاول ماكرون تفكيكها بمقاربة جديدة تعزل بين الاستعمار والمستعمرات، وبين الإدارة الجديدة وحكومات القارة السمراء.
وقدّم إيمانويل ماكرون، نفسه للجزائريين، في حديث أدلى به لصحيفتي الخبر والوطن المحليتين، على أنه جاء للجزائر “كصديق وليس كماض”، وهو ما يعكس الرؤية التي تؤسس لها الإدارة الفرنسية الجديدة، لعلاقاتها مع المستعمرات القديمة في القارة السمراء، عبر خطاب بدأ في القمة الأورو أفريقية بأبيدجان العاصمة الإيفوارية.
ويرى الباحث في التاريخ والمختص في العلاقات الجزائرية الفرنسية صادق سلام، أن اعتراف ماكرون وشجبه للظاهرة الاستعمارية، تمهّد الطريق لحلحلة مسألة الذاكرة في علاقات باريس بالمستعمرات القديمة، رغم أن قضية الاعتذار تبقى مؤجلة إلى موعد غير مسمى.
وقال الرئيس الفرنسي “أنا من جيل الفرنسيين الذين يعتبرون أن جرائم الاستعمار الأوروبي لا جدال فيها، وبصفتي رئيس دولة استعمرت جزءا من أفريقيا أعتبر أن فرنسا اليوم ورثت هذا الماضي، وعلينا ألاّ ننساه، لكنني مقتنع أشد الاقتناع بأن مسؤوليتنا، هي ألاّ نبقى مغلولين لهذا الماضي ونغرق فيه”.
وأضاف “لديّ نظرة رجل من جيلي، نظرة رئيس تم انتخابه على أساس مشروع انفتاحي، أنا أعرف التاريخ، ولكنني لست رهين الماضي، لدينا ذاكرة مشتركة، يجب أن ندرك ذلك، ولكنني اليوم أودّ أن نتوجّه معا نحو المستقبل في ظل احترام تاريخنا، مسؤوليتنا هي أن نعرف هذا التاريخ، وأن نبني مستقبلا مشتركا وأن نحيي الآمال”.
وتابع “العلاقات الجديدة التي أودّ بناءها مع الجزائر والتي أقترحها على الطرف الجزائري، هي علاقة شراكة ند للند، نبنيها على أساس الصراحة والمعاملة بالمثل والطموح، التاريخ والجغرافيا مختلفان ولكن الطموح هو ذاته، على فرنسا أن تبني مع الجزائر محورا قويا أساسه الحوض المتوسط ويمتد إلى أفريقيا”.
وقال صادق سلام إن “طلب الاعتذار أصبح واردا منذ اقترح الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك على الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة معاهدة سلام وصداقة، بعد أن اعترف البرلمان الفرنسي سنة 1999 بأن حربا شنتها فرنسا على الجزائر”.
مسألة التاريخ ستبقى محل تجاذب لأن الفرنسيين يدركون أن القائمين على الملف، يلوحون به دوريا من أجل الاستهلاك الإعلامي
وأضاف “هذا المشروع كان مطابقا للأعراف الدولية التي تكرّس الانتقال من الحرب إلى السلام والتعاون بمعاهدة يستطيع فيها أحد الطرفين أن يطالب بتعويضات”.
وتابع “قانون 23 فبراير 2005 الذي أقرّ في عهد الرئيس نيكولا ساركوزي ونوّه بالجوانب الإيجابية للاستعمار، جاء معرقلا لمشروع المعاهدة، وهو ما قابله بوتفليقة، بالاحتجاج على بنوده”.
وأكد أن “بوتفليقة لم يكن ينوي المطالبة بالتعويضات في السابق، إلا أن قانون ساركوزي المادح للاستعمار، جعله يطالب باعتذارات رسمية وتعويضات”. ودعا إيمانويل ماكرون، الذي أدان وشجب الاستعمار في وقت سابق بالجزائر، وفي عدة محافل، إلى إنجاز فصل ثان في إنهاء هذه الأزمة لفتح صفحة جديدة، بين بلاده وعموم حكومات المستعمرات القديمة.
وقال الرئيس الفرنسي “أنا هنا في الجزائر بصفتي صديقا، وشريكا بنّاء يرغب في تعزيز الروابط بين بلدينا خلال السنوات القادمة، من أجل إثمار علاقاتنا الكثيفة، فعلى بلدينا أن يستفيدا معا من تجارب بعضهما البعض ومن مهارات بعضهما البعض، ومن ثرواتهما البشرية والثقافية”.
وتابع “بالطبع هناك صعوبات، ولكن من الأجدر بنا أن نتجاوزها مع كل الفاعلين في مجتمعينا، ومن أجل هذا علينا أن نعمل معا في مجالات التربية وتطوير الاقتصاد والمبادلات الثقافية، يجب أن تتجّه أهداف علاقتنا نحو أمننا بالخصوص وازدهارنا على أساس مشاريع ملموسة ومبتكرة”.
مراقبون يتوقعون ألا تحقق زيارة ماكرون نتائج ملموسة مقارنة بزيارات سابقة أداها رؤساء فرنسا إلى الجزائر
ويتوقّع مراقبون ألاّ تحقق الزيارة نتائج ملموسة مقارنة بزيارات سابقة أداها رؤساء فرنسا إلى الجزائر. وأشار الخبير الاقتصادي ورئيس جمعية استشارات للمصدرين الجزائريين إسماعيل لالماس، بأن الزيارة المؤجلة منذ عدة شهور، ستنتهي كما انتهت عليه باقي زيارات الرؤساء الفرنسيين للجزائر، وستكون خاوية الوفاض قياسا بالبراغماتية التي تتصرف بها باريس تجاه المستعمرات القديمة والجزائر تحديدا.
وقال “ما تنتظره الجزائر أكثر بكثير من مجرد مشروعات واستثمارات محدودة، استفادت مقابلها من امتيازات وأفضلية مخجلة في بعض الأحيان”.
وأوضح أن “إقامة مصنع سيارات هنا أو هناك، أو أشياء من هذا القبيل، لا يمكن أن يقيم تعاونا صناعيا واقتصاديا جادا، لأن الجانب الجزائري يفتقد لأجندة ومخطط استراتيجي لما يريده من الفرنسيين”.
وأضاف “مسألة التاريخ والذاكرة ستبقى محلّ تجاذب وأخذ وردّ، لأن الفرنسيين يدركون أن القائمين على الملف، يلوّحون به دوريا من أجل الاستهلاك الإعلامي وتهدئة الرأي العام الداخلي، فهي تدرك أن مصالحهم الشخصية مرتبطة كثيرا بفرنسا، ولا يمكن أن يشكّلوا خطرا عليها”.
العرب اللندنية